الشر الطافح ، والخير القليل
أيها الأحبة الفضلاء
تأملت الأرض ومن عليها بعين فكري
فرأيت خرابها أكثر من عمرانها
ثم نظرت في المعمور منها
فوجدت الكفار متسولين على أكثره
ووجدت أهل الإسلام في الأرض قليلا بالإضافة إلى الكفار
ثم تأملت المسلمين فرأيت الإكساب قد شغلت جمهورهم عن الرازق
وأعرضت بهم عن العلم الدال عليه
فالسلطان مشغول بالأمر والنهي واللذات العارضة له ،
ومياه أغراضه جارية لا شكر لها
ولا يتلقاه أحد بموعظة
بل بالمداحة
التي تقوي عنده هوى النفس
وإنما ينبغي أن تقاوم الأمراض بأضدادها
كما قال عمر بن المهاجر :
قال لي عمر بن عبد العزيز :
إذا رأيتني قد حدت عن الحق فخذ بثيابي وهزني
وقل : مالك يا عمر ؟؟
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا
فأحوج الخلق إلي النصائح والمواعظ ، السلطان ،،،
وأما جنوده فجمهورهم في سكر الهوى ، زينة الدنيا ،
وقد ا نضاف إلى ذلك الجهل ، وعدم العلم ،
فلا يؤلمهم ذنب ، ولا ينزعجون من لبس حرير ،
أو شرب خمر
حتى ربما قال بعضهم : إيش يعمل الجندي ، أيلبس القطن؟؟؟
ثم أخذهم للأشياء من غير وجهها ، فالظلم معهم كالطبع
وأرباب البوادي قد غمرهم الجهل
وكذلك أهل القرى ، ما أكثر تقلبهم في الأنجاس وتهوينهم لأمر الصلوات
وربما صلت المرأة منهن قاعدة
ثم نظرت في التجار فرأيتهم قد غلب عليهم الحرص ،
حتى لا يرون سوى الكسب كيف كانت ،
وصار الربا في معاملاتهم فاشيا ،
فلا يبالي أحدهم من أين تحصل له الدنيا ؟؟؟
وهم في باب الزكاة مفرطون ولا يستوحشون من تركها ،إلا من عصم الله
ثم نظرت في أرباب المعاش
فوجدت الغش في معاملاتهم عاما ،
والتطفيف والبخس ،
وهم مع هذا مغمورون بالجهل
ورأيت عامة من له ولد يشغله ببعض هذه الأشغال طلبا للكسب
قبل أن يعرف ما يجب عليه وما يتأدب به
ثم نظرت في النساء فرأيتهن قليلات الدين ،
عظيمات الجهل ، ما عندهم من الآخرة خبر ، إلا من عصم الله
فقلت : وأعجبا فمن بقي لخدمة الله عز جل ومعرفته؟؟؟
فنظرت فإذا العلماء ، والمتعلمون ، والعباد ،والمزهدون
فتأملت العباد والمزهدين
فرأيت جمهورهم يتعبد بغير علم
ويأنس إلي تعظيمه ، وتقبيل يده ، وكثرة أتباعه،
حتى أن أحدهم لو اضطر أن يشتري حاجة من السوق لم يفعل لئلا ينكسر جاهه
، ثم تترقى بهم رتبة الناموس
إلى أن لا يعودوا مريضا ، ولا يشهدوا جنازة ،
إلا أن يكون عظيم القدر عندهم ،
ولا يتزاورون ، بل ربما ضن يعضهم على بعض بلقاء
فقد صارت النواميس كالأوثان يعبدونها ولا يعلمون
وفيه من يقدم على الفتوى بجهل لئلا يخل النفوس بناموس التصدر
ثم يعيبون العلماء لحرصهم على الدنيا ولا يعلمون أن المزموم من الدنيا ما هم فيه ،
لا تناول المباحات
ثم تأملت العلماء والمتعلمين
فرأيت القليل من المتعلمين عليه أمارة النجابة لأن أمارة النجابة طلب العلم للعمل به ،
وجمهورهم يطلب منه ما يصيره شبكة للكسب
إما ليأخذ به قضاء مكان،
أو ليصير به قاضي بلد ،
أو قدر ما يتميز به عن أبناء جنسه ثم يكتفي
ثم تأملت العلماء فرأيت أكثرهم يتلاعب به الهوى ويستخدمه ،
بل رأيت منهم من نافق الحاكم فجعله رسولا أو إله
فهو يؤثر ما يصده العلم عنه ، ويقبل على ما ينهاه ،
ولا يكاد يجد ذوق معاملة لله سبحانه وإنما همته أن يقول وحسب
إلا أن الله لا يخلي الأرض من قائم له بالحجة ،
جامع بين العلم والعمل ،
عارف بحقوق الله تعالى ، خائف منه ،
فذلك قطب الدنيا
ومتى مات أخلف الله عوضه
وربما لم يمت حتى يرى من يصلح للنيابة عنه في كل نائبة ،
ومثل هذا لا تخلو الأرض منه ، فهو بمقام النبي في الأمة ،
وهذا الذي أصفه
يكون قائما بالأصول ، حافظا للحدود ، وربما قل علمه أو قلت معاملته
فأما الكاملون في جميع الأدوات فيندر وجودهم فيكن في الزمان البعيد منهم واحد
ولقد سبرت السلف كلهم فأردت أن أستخرج منهم من جمع بين العلم حتى صار من المجتهدين ،
وبين العمل حتى صار قدوة للعابدين ،
فلم أر أكثر من ثلاثة
أولهم الحسن البصري،
وثانيهم سفيان الثوري ،
وثالثهم أحمد بن حنبل ،
وقد أفردت لهم كتب قيمة
وما أنكر على من ربعهم بسعيد بن المسيب
وإن كان السلف سادآت إلا أن أكثرهم غلب عليه فن ، فنقص من الأخر
فمنهم من غلب عليه العلم
ومنهم من غلب عليه العمل ،
وكل هؤلاء كان له الحظ الوافر من العلم ، والنصيب الأوفى من المعاملة والمعرفة
ولا بأس من وجود من يحذو حذوهم وإن الفضل بالسبق لهم
فقد أطلع الله عز جل الخضر على ما خفي من موسي عليهما السلام
فخزائن الله مملوءة ، وعطاؤه لا يقف على شخص
لقد حكي لي عن بن عقيل أنه ان يقول عن نفسه:
أنا عملت في قارب ثم كسر،
وهذا غلط فمن أين له ؟؟؟
فكم معجب بنفسه كشف له من غيره ، ما عاد يحقر نفسه على ذلك ،
وكم من متأخر سبق متقدما
وقد قيل :
إن الليالي والأيام حاملة *** وليس يعلم غير الله ما تلد