وفاق وخلاف
أيها الأحبة الفضلاء
طالما تساءلت عن موقف الكنيسة من طوفان التحلل والفسق الذي سري إلي العالم
ممزوجا بحضارة ( أوربا ) ثم نضح علينا بحكم التفوق المادي الذي ساند الغرب
ورجح كفته في كل ناحية ،
إن الإنجيل الذي بين يدي القوم غالي بفضائل العفاف والطهر وحسم دوافع الجريمة
ومفاتن الغريزة ،
وفي إنجيل متي ( أن العينين إذا أزلتا الإنسان فهما جديرتان أن تفقأ )
إن تلف عضو واحد أيسر من هلاك المرء كله ،
وعيسي بن مريم كأخوته من أنبياء الله ــ غيور علي حرمات الله أن تنتهك وعلي
أعراض عباده أن تهان وتداس ،
فما هذا الرجس الذي عم وصم وانفجرت عيونه الحمئة بين شعوب أوربا وأمريكا ثم منها
إلي أقطار العالمين؟
وفيما أنا حابس نفسي علي نقد واستنكار لهذا الصمت المريب ، وإذ بي أقرأ نداء حسنأ
لـ ( لبابا روما ) وجهه إلي النصاري الكاثوليك جاء فيه ؛
( ،،،، إن ملابس السيدات أضحت مأساة خلقية يندي لها الجبين وإن محاربة هذه الخلاعة
هي إحدى بنود الإصلاح الذي يعتزمه ( البابا )
واستطرد النداء يقول ( إن العري لم يكن مقصورا علي ملابس الشاطئ بل ساد
الأماكن العامة والخاصة حتى الكنائس ودور العبادات أمست مليئة بالعراة ويسيرٌ علينا
أن نتصور مدي الفساد الذي ينتج عن ذلك ، وخاصة بين طوائف الشباب )
وأشار ( البابا ) إلي جهود الكتّاب الأوائل أمثال ( شيشرون ، وسينكا ) في الدعوة إلي الاحتشام
وإرخاء الجلابيب ،وبيّن أن الجسد الإنساني ينبغي أن يحاط بسياج من فضائل العفة وآداب السلوك ؛
وحض رجال الدين ـ في كل مكان ـ علي الدعوة إلي ذلك والدأب علي تحذير الأطفال والشباب
من تقاليد العري التي تتجدد كل عام في فصل الصيف ، وتبصيرهم بعواقب هذا التبذُل في
أنفسهم ومجتمعهم ،
وختم (البابا) نداءه بأن ( هذه الحرب الشعواء علي ( موضات ) الخلاعة جزء أصيل من رسالة الكنيسة )
سرني هذا الواعظ الحكيم ، ورأيت فيه غيرة محمودة علي فضائل توشك أن تندثر في أنحاء العالم ؛
إن البنات في أي مكان في العالم ، كدن يحسبن عملهن الأول إبراز محاسنهن لاجتذاب الرجال
، ووظيفة الملابس عندهن ــ أن تكون إطاراً لما يراد تعريته ، وستارا خادعا لما تحسن تغطيته ،
وقد انطلق مردة الإنس والجن في سباق فاجر لابتكار ألوان من الملابس مختلفة تلتقي كلها
عند غاية واحدة ، هي تجسيم مفاتن المرأة طولا وعرضا ، حتى تحظي بنظرة خبيثة أو اشتهاء حرام ؛
والإحصاء الثابت في أغلب أقطار العالم عن الأمراض السرية والنفسية ، وعلل الشذوذ والانحراف ،
وعن اختفاء ( البكارة ) في فتيات بعض الأمم يدل علي شناعة الخراب الأدبي الذي انتهت إليه
الدنيا ، ونالت به سخط الله
والقوادون من الرجال هم الذين يزينون هذا العهر ليجعلوا الفتك بالمرأة عملة متداولة لا يختشيها
أحد ولا تحذر مغبتها امرأة ؛
ومن المصائب السود أن نري إعلانات ( السينما ) صورا داعرة لرجال احتضنوا نسوة
في أوضاع تسرق ألباب المراهقين ؛
وقد رأيت منذ أيام ــ امرأة معها أطفالها قد وقفت تتأمل ــ في دهشة منظر فتاة مستلقية ،
قد جثم عليها كلب من نجوم السينما ــ لاتدري أو تدري ــ ما يفعل بها ، التقطت هذه الصورة
ثم ألصقت علي جدران القاهرة إغراء بحضور رواية من الروايات الخليعة ؛
ويبدو أن منظر الأم وأطفالها أمام هذه الصورة المزرية قد اّ ذي مشاعر أحد الإخوة السائرين معي
، ولعله سبح بفكره بعيدا ، إذ قال لي : ربما كانت تلك الأم أرملة وهؤلاء يتماها ، إن هذه المسكينة
في مجتمع يحث علي السقوط ؛
ولنعد إلي حديث (بابا روما)
وددت لو أن رجال الكنيسة في الشرق ـــ علي اختلاف مذاهبهم أيدوا هذه الصيحة وأكدوا ما تضمنته
من دلالات طيبة ، حتى يشعر المارقون من الفضائل أنهم خارجون علي كل دين وأن بهيميتهم تلك
منكر لا يرضاه أحد ممن يتصلون بالسماء مهما كانت طبيعة هذه الصلة ؛
سألتني سيدة أعتنقت الإسلام سرا وتخشي أن تعلن إسلامها فتتعرض للإيذاء والقتل ،
أيكون إسلامها صحيحا ؟ فأفتيت بإسلامها وتمثلت قول الله تعالي
( وجاء رجل من أل فرعون يكتم إيمانه )
وشاءت الإقدار أن التقي بها لمدة لا تتجاوز دقيقة ، فرأيت سيدة تجاوزت الخمسين من عمرها ،
ولا يظهر عليها أى مظهر من مظاهر الإسلام فهى متبرجة في زيتنها وزيها وملبسها وشكلها
العام وكأنها بنت العشرين سنة فما إن تعرفت عليها وعرفت أنها هي حتي تركتها قائلا لايصح
لرجل مثلي أن يقف يتحدث معك ؛
إن في أسفار العهد القديم والجديد نصوصا شتي تحارب الفاحشين وتطارد وساوس الهوى
لتقضي عليها ، وواجب علي أباء الكنائس أن يقيموا تعاليم دينهم في هذه الناحية ،
وأن يتعاونوا معنا في حفظ تقاليد الشرف وحدود الفضيلة ؛
لقد جاء في العهد القديم
سفر الخروج : 20 : 14 :17 ( من الوصايا العشر )
( لاتزن ) ، ( لا تشتهى امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته )
وجاء في ( العهد الجديد)
متى ص5 : 27 ( من عظة المسيح علي الجبل )
( لقد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزنوا ، وأما أنا فأقول لكم : إن كل من ينظر إلي امرأة
ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه )
وفي كور نثو س الأولي 6 : 18 :
(اهربوا من الزنا ، كل خطيئة يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد لكن الذي يزنى يخطئ إلي جسده )
وفي كور نثو س الأولي 6 : 9 :
( لا تضلوا ،، إنه لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ، ولا مضاجعوا ذكور
ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون ، يرثون ملكوت الله )
وفي كور نثو س 10 : 8 :
( ولا تزنوا كما زنى أناس منهم ( بني إسرائيل ) فسقط في يوم واحد ثلاثة وعشرون ألفاً )
وجاء في تحريم الخمر أمثال 23 : 29 : 32 :
( لمن الويل ؟ لمن الشقاوة ؟ لمن المخاصمات ؟ لمن الكرب ؟ لمن الجروح بلا سبب ؟
لمن ازمهرار العينين ؟ للذين يمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج لا تنظر
إلي الخمر إذا احمرت حين يظهر حبابها في الكأس ، وساغت مرقرقة ، في الآخرة تلسع
كالحية وتلدغ كالأفعوان )
العهد الجديد ) أفسس ص5 : 18 ( لا تسكروا بالخمر التي فيها الخلاعة)
لو أن الكنيسة المسيحية ـــ علي اختلاف مذاهبها ــ جدّت في الحملة علي الفسوق
لكفكفت من حدة المعاصي في حضارة أوربا ــ ولأعانتنا ــ نحن ــ كذلك علي تجنيب
ألوف الشباب المفتونين بهام هاوي الرجس التي ينزلقون إليها ويستمرون فيها ونحن
لم نست بح تدوين مانلقاه أنفا إلا ليعلم عبيد الدراسات الأجنبية ، أن ما هم عليه منكر
لا يسانده وحي صحيح ولا مدخول
إن الملابس المحتشمة تهدي إليها الطبائع النظيفة ولو لم ترد بوصفها نصوص مفصلة
وقد زكيت ــ ملابس الراهبات النصرانيات ، وأشدت بالنسب القريب بينها وبين ملابس السيدات
الريفيات في بلادنا
وهذه الملابس وتلك بقايا فاضلة من تقاليد الدين الحق
ماذا ينقم الفساق من الملابس الطويلة ؟
وينقمون أنها تحجب عنهم ما يهيج الحيوان الرابض في دمائهم؟
إن الحفاظ علي قوى الأمم المادية والروحية يوجب علي الحكومات اليقظة أن تعني بهذا الأمر
أجل إن قصور القانون عندما سمح بمخاز شتي وليتنا ننفذ أية قوانين في رعاية الفضيلة إن
عز علينا في بلاد الإسلام ،،،؛
والخلاعة العالمية هي بعض ما نؤيد الكنيسة في محاربته ونسر لما بدا من حملتها عليها وتيقظها لها ،
إن الإسلام أخذ أهل الأولين بأنهم مفرطون فيما لديهم من نصوص لا يبالون أن يواقعوا الحرام في
مأكلهم ومنكحهم ، ولا يصدون نوازع ألهوي يوم تغريهم بعدوان أو اختلاس فقال الله رب العالمين :
( تري كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ماكانوا يعملون
*لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون )
فالرعية مؤاخذة بما اجترحت ، والأحبار والرهبان مؤاخذون بما سكتوا وإن لم يتدنوا إلي قول إثم
، أو أكل سحت ؛
وهذه الأحكام التي اتفقت فيها الأديان كلها واطردت في تبيانها وتوكيدها الكتب الثلاثة في الديانات ألكبري
( التوراة ) و (الإنجيل) و ( القران ) لابد من إقامتها حتى تصح نسبة إلي كتبها ونسبة الأديان
إلي السماء وإلا فالأمر كله لغو وادعاء ؛
وذاك معني قوله تعالي (قل يا أهل الكتاب لستم علي شيء حتي تقيموا التوراة والإنجيل
وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك ،،، ) مثل هذا الإنذار
يوجه إلينا نحن المسلمين كذلك ؛
فلسنا علي شيء حتي نقيم ما أنزل إلينا من ربنا ،،،؛
سئل أحد رجال الإسلام عن كيفية التقارب بين الإسلام والمسيحية علي مقاومة النظم
والنظريات المادية التي تهدد حضارة الجنس البشري ؟
فأجاب : هنا أمر يجب التنبيه له وإعطاؤه حظه من العناية والتقدير ، وهو ألا تنظر
الكنيسة الغربية إلي الإسلام كما تنظر إلي العدو البغيض الذي يجب التخلص منه ،
فإن مثل هذه النظرة تضر الإسلام والمسيحية جميعا ، وتفسح الطريق أمام الإلحاد ليهدم الديانتين معا ؛
ولهذا يجب أن يكف المتعصبون من أهل الغر ب عن المفتريات التي يلصقونها بالإسلام ،
وينالون بها من جلاله وقدسيته في أنفس المسلمين ، ويحاولون بها أن يخرجوا
المسلمين بالترغيب والترهيب عن دينهم ، وإني لواثق من أن المسلم الذي يخرج عن دينه
، بدافع الرغبة أو الر هبة ، إنما يخرج عن التدين نفسه ، فلا يكون مسلما ولا يكون مسيحيا ؛
ومعني ذلك أن هؤلاء المتعصبين يقومون بعملية هدم خطيرة لن تستفيد المسيحية منها
شيئا إنما يستفيد منها مذاهب التحلل والإلحاد وحدها
*****
هذا كلام صادق في تصوير العلاقات بين الإسلام والنصرانية ،
وبين الأمم التى تعتنق الديانتين الكبيرتين ،
وسنري ما يصنعه العقلاء منهم
وعلي ضوئه يكون الغد القريب والبعيد
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه
أجبر كثرنا وتولي أمرنا وأحسن خلاصنا
وأهدنا وأهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدي
وصل الله علي محمد وعلي أله وصحبه وسلم
الرئيسية 
من طرف 
موضوع: وفاق وخلاف 
