تفسير قوله تعالى: (ولكم نصف ما
ترك أزواجكم ...)
نصيب كل من الزوج والزوجة من بعضهما مع وجود الأولاد وعدمهم
حقيقة الكلالة ومن يرثه ومقدار إرث كل واحد منهم
تفسير قوله تعالى: (تلك حدود
الله...)
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى:
(ولكم نصف ما ترك أزواجكم... وله عذاب مهين)
أولاً نعود لكلام السيوطي
يقول رحمه الله تعالى: ((وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ))، منكم أو من غيركم. ((فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ
فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ
دَيْنٍ))، وألحق بالولد في ذلك ولد الابن بالإجماع. (ولهن) يعني: الزوجات تعددن أو
لا. ((وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ))، منهن أو من غيرهن. ((فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا
تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ))، وولد الابن في ذلك
كالولد إجماعاً. ((وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً)) (يورث) هذه الجملة في
محل رفع صفة لرجل، والخبر أي: وخبر كان هو كلمة (كلالة). (وإن كان رجل يورث كلالة)
يعني: إن كان رجل كلالة، وهذا الرجل صفته أنه يورث. ولم نقل: إن الجملة حال؛ لأن
الرجل نكرة. (كلالة) مصدر كل، كل يعني: لا والد له ولا ولد. (أو امرأة) يعني: تورث
كلالة لا ولد لها ولا والد. (وله) أي: للمورث كلالة سواء كان رجلاً أو أي شخص يورث
كلالة. (وله أخ أو أخت) أي: من أم وقرأ ابن
مسعود وغيره هذه القراءة، مثل هذه القراءة تسمى: قراءة تفسيرية، يعني:
أن الصحابي عندما يقرأ الآية يزيد فيها كلمة من عنده لتفسير المعنى، وليس هذا إضافة
للقرآن، لكن هذه القراءة تسمى: قراءة تفسيرية، فكذلك هنا ابن
مسعود لما قرأ هذه الآية قرأها قراءة تفسير وبيان لمعناها فقال: وَلَهُ
أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ،
من أم. (فلكل واحد منهما السدس) يعني: مما ترك. (فإن كانوا) أي: الإخوة والأخوات من
الأم (أكثر من ذلك) يعني: أكثر من واحد، (فهم شركاء في الثلث) وكلمة (شركاء) هنا
بمعنى أنه يستوي في ذلك ذكرهم وأنثاهم، فهذا من المواضع التي يستوي فيه الذكور
والإناث. ((مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ))، حال
من ضمير يوصى، أي: غير مدخلٍ الضرر على الورثة بأن يوصي المورث بأكثر من الثلث.
والإضرار كما ذكرنا من قبل له صور كثيرة منها: الإضرار في الوصية؛ وذلك بأن يوصي
أكثر من الثلث حتى يقلل نصيب الورثة من ميراثه. قوله: ((وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ))،
فهذا مصدر مؤكد ليوصيكم، بمعنى: يوصيكم وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ. ((وَاللَّهُ
عَلِيمٌ))، أي: بما دبره لخلقه من الفرائض. ((حَلِيمٌ))[النساء:12]، أي: بتأخير
العقوبة عمن خالفه. وخصت السنة توريث من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل أو اختلاف دين
أو رق. يعني: هذه موانع الإرث، فإذا وجد مانع منها فإن السنة هنا تخصص عموم القرآن،
بمعنى: أن الولد يرث أباه، أو أي شخص يرث من مورثه، فإذا اختلفا في الدين فإنه يمنع
من الإرث. كذلك شخص قتل مورثه ليتعجل وراثته، فهذا يعاقب بنقيض قصده؛ لأن القاعدة
تقول: من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. فكذلك إذا قام الوارث وقتل مورثه؛
ليتعجل ميراثه فالشرع هنا يعاقبه بالحرمان من الإرث منه، وهذا من حكمة الشارع؛ لأن
هذا يسد باب اتخاذ ذلك القتل ذريعة للحصول على هذا الميراث؛ لأنه إذا علم أنه سيحرم
لن يعمد إلى إراقة دمه، فإذاً السنة خصت توريث من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل، أو
اختلاف دين؛ لأنه (لا
يتوارث أهل ملتين شتى) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، أو رق فلا يرث
من فيه مانع من موانع الميراث الثلاثة هذه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا
يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم)، وهذا متفق عليه. (تلك حدود
الله) أي: تلك الأحكام المذكورة من أمر اليتامى وما بعده حدود الله وشرائعه التي
حدها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدوها. (ومن يطع الله ورسوله) بما حكما به. (يدخله)
أو (ندخله) بالياء والنون التفاتاً. (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك
الفوز العظيم). (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله) أو ندخله (ناراً خالداً
فيها وله عذاب مهين) يعني: له فيها عذاب مهين ذو إهانة، وروعي في الضمائر في
الآيتين لفظ (من)، وروعي في (خالدين) معناها. تفسير قوله تعالى: (واللاتي يأتين
الفاحشة...)
حكم من أتت الفاحشة أول الإسلام قبل الجلد والرجم
(واللاتي
يأتين الفاحشة) أي: الخصلة البليغة في القبح وهي الزنا. (من نسائكم) يعني: حال
كونهن من نسائكم. (فاستشهدوا عليهن) يعني: اطلبوا من القاذفين لهن بالفاحشة (أربعة
منكم) يعني: من المسلمين، اطلبوا شهادة أربعة ممن قذفوهم أو قذفوهن. (فإن شهدوا)
يعني: إن شهدوا عليهن بالفاحشة. (فأمسكوهن في البيوت) أي: احبسوهن فيها، ولا
تمكنوهن من الخروج؛ صيانة لهن عن التعرض لسبب الفاحشة، وصيانة للمجتمع من شرهن،
فهؤلاء يمسكن في البيوت. (حتى يتوفاهن الموت) أي: يستوفي الموت أرواحهن، وفيه تهويل
للموت وإبراز له في صورة من يتولى قبض الأرواح وتوفيتها أو وتوفيها. أو (حتى
يتوفاهن الموت) يعني: ملائكة الموت، قُلْ
يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ
تُرْجَعُونَ [السجدة:11].
(أو يجعل الله لهن سبيلاً) أي: يشرع لهن حكماً خاصاً بهن، وفسرت (أو) بـ إلى أن
يشرع لهن حكماً آخر، (فأمسكهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت) يعني: إلى أن يتوفاهن
الموت، وقد مر بنا في تفسير مثل هذا المعنى، في آية سابقة في سورة آل عمران، حيث
كانت كلمة (أو) بمعنى: إلى أن. وهي قوله: لَيْسَ
لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ [آل عمران:128]، ليس لك من الأمر شيء
إلى أن يتوب الله عليهم، فكلمة (أو) هنا أتت بمعنى: إلى أن. فكذلك هنا (فإن شهدوا
فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن) يعني: هذه الغاية، إلى أن يتوفاهن الموت (أو يجعل
الله لهن سبيلا) أي: إلى أن يشرع لهن حكماً خاصاً بهن، يعني: يطبق عليهن حكم الحبس
في البيوت إلى أن يشرع الله لهن حكماً خاصاً بهن.
حقيقة السبيل في قوله: أو يجعل الله لهن سبيلاً
تفسير قوله تعالى: (واللذان
يأتيانها منكم...)
حكم من أتى الفاحشة من الرجال أول الإسلام قبل الجلد والرجم
(واللذان)
بتخفيف النون وتشديدها (واللذانِّ). (يأتيانها) أي: الفاحشة. (منكم) أي من الرجال.
(فآذوهما) بالسب والتعيير؛ ليندما على ما فعلا. (فإن تابا وأصلحا) أي: أصلحا
أعمالهما. (فأعرضوا عنهما) بقطع الأذية والتوبيخ لهما، فإن التوبة والصلاح مما يمنع
استحقاق الذم والعقاب. (إن الله كان تواباً) يعني: على من تاب. (رحيماً) أي: واسع
الرحمة، وهو تعيين للأمر بالإعراض. وكما هو معلوم أن هذا الحكم في الآيتين بعضه
منسوخ بالكتاب وبعضه منسوخ بالسنة. يقول الإمام الشافعي
رحمه الله تعالى: ثم نسخ الله الحبس والأذى في كتابه فقال: الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، فدلت السنة على أن جلد
المائة للزانيين البكرين؛ لحديث عبادة
بن الصامت . ثم قال: فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جلد
المائة ثابت على البكرين الحرين، ومنسوخ عن الثيبين، وأن الرجم ثابت على الثيبين
الحرين. ثم قال: لأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا
عني قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد
مائة والرجم)، أول ما نزل فنسخ به الحبس والأذى عن الزانيين، فلما رجم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً
ولم يجلده، وأمر أنيساً
أن يغدو إلى امرأة الأسلمي
فإن اعترفت رجمها، دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين، وثبت الرجم
عليهما. خلاصة الكلام: أن جلد مائة ثابت على البكرين الحرين، ومنسوخ عن الثيبين،
والرجم ثابت على الثيبين الحرين. كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى:
(واللاتي يأتين الفاحشة... إن الله كان تواباً رحيماً)
يقول السيوطي
في الآيات السابقة (واللاتي يأتين الفاحشة) أي: الزنا. (من نسائكم فاستشهدوا عليهن
أربعة منكم) أي: من رجالكم المسلمين. (فإن شهدوا) عليهن بها. (فأمسكوهن) احبسوهن.
(في البيوت) وامنعوهن من مخالطة الناس. (حتى يتوفاهن الموت) أي: ملائكة الموت. (أو)
بمعنى: إلى أن. (يجعل الله لهن سبيلاً) طريقاً إلى الخروج منها، أمروا بذلك أول
الإسلام ثم جعل لهم سبيلاً بجلد البكر مائة وتغريبها عاماً، ورجم المحصنة، وفي
الحديث لما بين الحد قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا
عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب ترجم، والبكر تجلد)، وهذا
رواه مسلم
. (واللذان) بتخفيف النون وتشديدها. (يأتيانها) أي: الفاحشة من الزنا أو اللواط.
(منكم) أي: من الرجال. (فآذوهما) بالسب والضرب بالنعال. (فإن تابا) أي: منها.
(وأصلحا) أي: العمل. (فأعرضوا عنهما) ولا تؤذوهما. (إن الله كان تواباً) على من
تاب. هذا أمر مهم جداً، انظر إلى دقة التفسير، تواباً على من تاب، وإنما أُخذ هذا
من الآية التي بعدها: إِنَّمَا
التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ
يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17]، فالتوبة على من تاب وقال: يا ألله! تاب الله عليه. (رحيماً)
به، وهذا منسوخ بالحد إن أريد به الزنا، وكذا إن أريد به اللواط عند الشافعي. تفسير قوله تعالى: (إنما التوبة
على الله للذين يعملون السوء بجهالة...)
عدم إطلاق قبول التوبة في قوله: فإن تابا وأصلحا
إنما التوبة على الله) هنا استئناف لبيان أن قبول التوبة من الله تعالى ليس على
إطلاقه، كما ينبئ عنه وصفه تعالى بكونه تواباً رحيماً، قد يفهم شخص من قوله تعالى:
إِنَّ
اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا في خاتمة الآية السابقة أن الله تعالى تواب على الإطلاق لكل من عصى،
فجاءت هذه الآية لتبين أن هذا الإطلاق مقيد بما سينطق به النص الكريم، ولذلك قدرها
وحصرها بكلمة: (إنما) وهي مسوقة لبيان الاستئناف أو لرفع هذا الإيهام الذي قد
يتوهمه البعض من قوله تعالى: إِنَّ
اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا فاستأنف قائلاً: (إنما التوبة) لأن التوبة فقط لهؤلاء المذكورين في
الآية. فقبول التوبة من الله ليس على إطلاقه كما ينبئ عنه وصفه تعالى بكونه تواباً
رحيماً، بل هو مقيد بما سيأتي بعد كلمة (إنما) بما سينطق بها النص الكريم. (إنما
التوبة) (التوبة) مبتدأ، وجملة: (للذين يعملون السوء) هذا هو الخبر. معنى: (التوبة على الله) في الآية
قوله: (إنما
التوبة على الله) متعلق بما تعلق به الخبر من الاستقرار، ومعنى كون التوبة عليه
سبحانه في قوله: (إنما التوبة على الله) أي: إنما التوبة التي يقبلها الله. كلمة:
(على) للدلالة على التحقق لحكم سبق الوعد، حتى كأنه من الواجبات عليه سبحانه
وتعالى.
المقصود بالجهل في الآية
قوله: (إنما
التوبة على الله للذين يعلمون السوء بجهالة) السوء هو المعصية صغيرة كانت أو كبيرة.
(بجهالة) يعني: يعملون السوء متلبسين بالجهالة، يعني: وهم جهلاء سفهاء، والباء
للسببية، يعني: بسبب الجهالة، والمراد بالجهل: السفه بارتكاب ما لا يليق بالعاقل،
لا عدم العلم، فالجهالة هنا ليس المقصود بها عدم العلم، وإنما المقصود الجهل
العملي، فإن من لا يعلم لا يحتاج إلى التوبة، لكن المقصود هنا بالجهل: السفه، وذلك
بارتكاب ما لا يليق بالعاقل، وَإِذَا
خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، كذلك الجهل بهذا المعنى الذي هو الجهل العملي
السلوكي حقيقة واردة في كلام العرب، كقول الشاعر: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق
جهل الجاهلينا يعني: نعاقبه ونهلكه بما هو أعظم من جهله، وكان صلى الله عليه وسلم
يقول إذا خرج من بيته: (اللهم
إني أعوذ بك أن أجهل أو يجهل علي).
معنى قوله: (ثم يتوبون من قريب)
تفسير قوله تعالى: (وليست التوبة
للذين يعملون السيئات)
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى:
(إنما التوبة على الله... أعتدنا لهم عذاباً أليماً)
يقول السيوطي
رحمه الله تعالى: قوله: (إنما التوبة على الله) أي: كتب على نفسه قبولها بفضله.
(للذين يعملون السوء) أي: المعصية. (بجهالة) يعني: حال كونهم جاهلين إذا عصوا ربهم.
(ثم يتوبون من قريب) أي: من زمن قريب قبل أن يغرغروا. هنا السيوطي
نحا منحى عامة المفسرين في تفسير ثم يتوبون من قريب وقد ذكرنا ما فيه. (فأولئك يتوب
الله عليهم) يعني: يقبل توبتهم. (وكان الله عليماً) أي: بخلقه. (حكيماً) في صنعه
بهم. (وليست التوبة للذين يعملون السيئات) يعني: الذنوب. (حتى إذا حضر أحدهم الموت)
يعني: أخذ في النزع. (قال) عند مشاهدة ما هو فيه. (إني تبت الآن) فلا ينفعه ذلك ولا
يقبل منه. (ولا الذين يموتون وهم كفار) إذا تابوا في الآخرة عند معاينة العذاب لا
تقبل منهم. (أولئك أعتدنا) أي: أعددنا. (لهم عذاباً أليماً) أي: مؤلماً. تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين
آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً...)
حال المرأة القريبة والمتوفى عنها زوجها في الجاهلية
روى البخاري
عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: (كانوا إذا مات الرجل -هذا كان في شأن أهل
الجاهلية- كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن
شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، يمسكها أهل الرجل). حتى ابنه يمكن أن
يتزوجها، فكانوا أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ
كَرْهًا . وعن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: (إن الرجل كان يرث امرأته لقرابته فيعضلها حتى
تموت). يعضلها يعني: يمنعها من الزواج حتى تموت، أو ترد إليه صداقها، فنهى الله عن
ذلك. قال السيوطي:
ففيه أن الحر لا يتصور ملكه ولا دخوله تحت اليد، ولا يجري مجرى الأموال بوجه. لأن
هناك فرقاً بين المرأة الحرة وبين المال، فالمرأة ليست مالاً موروثاً يرثه أقرباء
الميت كما يرثون المال، كما كان يفعل أهل الجاهلية، وإنما لا يجوز بحال استعباد
الحر أو تملكه أو دخوله تحت اليد كما يفعل بالأموال. قوله تعالى: ((لا يَحِلُّ
لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا))، (كرهاً) بفتح الكاف وضمها كَرهاً أو
كُرها، قراءتان، والمقصود هنا لا يحل لكم أن ترثوا النساء حال كونهن كارهات لذلك،
أو مكرهات على ذلك، والتقييد بالكره لا يدل على الجواز عند عدمه، يعني: التقييد
بالكره لا يدل أنها عند حالة الرضا يكون ذلك جائزاً؛ لأن تخصيص الشيء للذكر لا يدل
على نفي ما عداه، بل يجري هذا مجرى الغالب، ويخرج مخرج الغالب كما في قوله تعالى:
وَلا
تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء:31]، فالتقييد بخشية الإملاق هنا لا يدل على جواز قتل
الأولاد عند عدم الإملاق.