ومن صور المودة والرحمة:
ما جاء به الخبر الذي أخرجه الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيلَ منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتَهك شيء من محارم الله، فيَنتقم".
فهذا الحديث يبيِّن بجلاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ينتصر لنفسه قط، بل يتعامل مع زوجاته بود ورحمة، إلا أن تُنتهك محارم الله؛ فكان يغضب لذلك.
5- أن يُسلم عليها إذا دخل البيت:
فمن المعاشرة بالمعروف أن يسلم الرجل على زوجته إذا دخل عليها البيت؛ فإن ذلك من أسباب نشْر المحبة والمودة بين الزوجين، ومن أسباب جلْب البركة؛ فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).
وأخرج الترمذي عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلِّم، يكن سلامك بركةً عليك، وعلى أهل بيتك))؛ صحيح الترغيب والترهيب (1608).
ومَن دخل على أهله بسلام، فهو في كلأ الله وحفظه ورعايته؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود وابن حبان عن أبي أُمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة كلهم ضامن على الله؛ إن عاش رُزِق وكُفِي، وإن مات أدخله الله الجنة: مَن دخل بيته فسلَّم، فهو ضامن على الله...))، الحديث.
6- أن يحترم أهلها:
فيوقِّرهم ويرفع من شأنهم أمامها خاصة، فلا يوبخهم ولا يذمهم، وهذا يزيد من محبة الزوجة لزوجها، ومعاملة أهله بالمثل؛ فيكون الوفاق بدلاً من الشقاق، والأُلفة مكان النفرة، والأنس مكان الوحشة.
7- أن يرعاها إذا مرِضَت:
فقد غاب عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن غزوة بدر؛ لأن زوجه رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت مريضةً، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((أقم معها، ولك أجْر مَن شهِد بدرًا وسهمه))؛ أخرجه البخاري.
8- أن يساعدها إذا كانت مريضة، أو فيما ثَقُل عليها، أو عند الحمْل، أو عند الوضع:
وهذا ليس عيبًا ولا نقصًا في رجولة الرجل، وإنما هو المُروءة والكرم، والرحمة والشفقة، ومَن لا يرحم لا يُرحم؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في "مستدرك الحاكم" - بسند صحيح -: ((الراحمون يرحمهم الله، ارحموا أهل الأرض، يرحمكم أهل السماء)).
فها هو أعظم الرجال محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يستنكف أبدًا - وهو الذي يحمل أعباء الأمة الإسلامية بأسْرها - أن يساعد زوجته في عمل البيت، بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - وهو المثل الأعلى؛ أخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْلِي ثوبه، ويَحلب شاتَه، ويَخدم نفسه" - وفي رواية -: "كان يَخصِف النعل، ويَرقع الثوب ويَخِيط".
وعند البخاري أن الأسود بن يزيد النخعي سأل عائشة - رضي الله عنها -: "ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في البيت؟ قالت: كان يكون في مَهنة أهله، فإذا سمِع الأذان خرَج"، وعند البخاري أيضًا من حديث عائشة - رضي الله عنها -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكون في مهنة أهله - يعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ".
9- أن يصبر عليها، ويعفو عنها ويراعي ما فيها من جانب القصور الفطري:
فما منا من أحد إلا وله أخطاء وذنوب، وهذه طبيعة البشر وطبيعة المرأة؛ كما فهَّمها لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بقوله: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإذا شهد أمرًا فليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خُلِقت من ضِلَع، وأن أعوج شيء في الضِّلَع أعلاه، إن ذهبت تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوجَ، استوصوا بالنساء خيرًا)).
وهذا الحديث دل على أن المرأة تُقوَّم، ولكن تُقوَّم برفقٍ.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/ 206):
"وفي الحديث رمز إلى التقويم برفق؛ بحيث لا يبالغ فيه فيَكسر، ولا يتركه فيستمر على عِوَجه، وإلى هذا أشار البخاري في الباب"؛ ا.هـ.
وفي حديث آخر - هو في مسند الإمام أحمد، وصحَّحه الألباني كما في "صحيح الجامع" - عن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المرأة خُلِقت من ضِلَع، وإنك إن ترد إقامة الضِّلَع تَكسرها، فدارِها، تَعِشْ بها))، ولا يعني ذلك عدم تقويم الاعوجاج، خاصة إذا تعدَّى حدود الله؛ قال ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 207):
"يؤخذ منه ألا يتركها على الاعوجاج، إذا تعدَّت ما طُبِعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها، أو ترك الواجب، وإنما يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة"؛ ا.هـ.
والمقصود بالكسر - في الحديث - الطلاق؛ كما ورد في رواية مسلم: ((وإن ذهَبت تُقيمها كسَرتها، وكسْرها: طلاقها)).
وليعلم المؤمن أن الأمور بتقدير الله، فرُب شيء يرى فيه الشر جاءه منه الخير؛ قال - تعالى: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].
فينبغي للرجل أن يراعي هذا القصور، ويغض الطرف عن بعض أخطاء الزوجة، إن لم يكن فيه إخلال بشرع الله، ولا يتخذ هذا القصور مبررًا للطعن في شخصية المرأة، أو الانتقاص من قدرها في كل آن وحين، بل يجعل هذا الحديث دواءً لعلاج أي مشكلة زوجية، ولذلك يتوقع الزوج التقصير من الزوجة.
وليتذكر الزوج قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((لا يَفرَك مؤمن مؤمنةً
[3]، إن كرِه منها خُلقًا، رضِي منها آخر)).
ففي هذا الحديث إشارة إلى عدم بُغض الزوج لزوجته بالكلية؛ مما يجعله يُفارقها، بل عليه - إن حدث منها تقصير - أن ينظر إلى الجانب المشرق من أخلاقها الحسنة الأخرى، فيغض الطرف عن سيئاتها ويتذكَّر حسناتها، فكم لها من أيادٍ بيضاءَ عليه؛ ففي "الصحيحين" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ولم أر امرأةً قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم وأعظم صدقةً، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصَدَّق به وتقرَّب به، ما عدا سَوْرَة من حِدَّة كانت فيها، تُسرع منها الفَيْئة".
وفي هذا الحديث دليل على أن المرأة لا بد أن يكون فيها هفوات أو تقصير في أمرٍ ما، فلا بد للزوج العاقل أن يتغاضى عن مثل هذه الهفوات، ويسامح في التقصير البسيط - ما لم يكن في الدين - بالنظر إلى مآثرها ومحاسنها الأخرى.
بل انظر كيف كان الزبير بن العوام يغض الطرف عن بعض مساوئ زوجته؛ فعند البخاري من حديث أسماء - رضي الله عنها - قالت: "كنت أَعجِن ولم أكن أَخبِز، وكان يخبز لي جارات من الأنصار، وكن نِسوة صدق".
- فإذا وجد الزوج تقصيرًا في شيء، فليتذكَّر سائر أعمال الزوجة الطيبة، وبهذا يعيش معها سليم الصدر، فلا بد للزوجين أن يتخطى كل منهما هفوات الآخر؛ حتى تستمر الحياة الزوجية.
قال الغزالي - رحمه الله - في "الإحياء" (4/ 720):
"واعلم أن ليس حُسن الخلق مع المرأة كفَّ الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها؛ اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كانت نساؤه تُراجعنه الكلام، وتَهجره الواحدة منهن يومًا إلى الليل"؛ ا.هـ.
وأخرج البخاري ومسلم عن عمر - رضي الله عنه - أن امرأته راجعته في الكلام، فقال: أتراجعيني يا لَكْعَاء؟
[4]، فقالت: إن أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُراجعنه وهو خير منك، فقال عمر: خابت حفصة وخسِرت إن راجعته، ثم قال لحفصة: لا تغترِّي بابنة أبي قحافة؛ فإنها حِب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخوَّفها من المراجعة"؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لي: ((إني لأعرف غضبك من رضاك))، فقالت: وكيف تعرفه؟ قال: ((إذا رضيتِ، قلت: لا وإله محمد، وإذا غضِبت، قلت: لا وإله إبراهيم))، قالت: صدَقت إنما أهجر اسمك".
وفي رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضْبى))، قالت: من أين تعرف ذلك؟ قال: ((أما إذا كنتِ عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنتِ غضْبى، قلتِ: لا ورب إبراهيم))، قالت: أجَل، والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك".
بل انظر إلى هذا الموقف الذي عالج فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحكمة، ومراعاة لمشاعر المرأة والتي دافعها الغَيْرة؛ فقد أخرج النسائي من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند بعض نسائه، فأرسَلت إحدى أمهات المؤمنين - صفية - بصحفة فيها طعام، فضرَبت التي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها - وهي عائشة - يدَ الخادم، فسقطت الصَّحْفَة، فانفلقت، فجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلق الصَّحْفَة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصَّحْفَة، ويقول: غارت أمُّكم، غارت أمكم، ثم حبَس الخادم - أمره بالانتظار- حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصَّحْفَة الصحيحة إلى التي كُسِرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كُسِرت فيه".
انظر أخي الحبيب إلى تصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموقف، وكيف عالجه، وكيف أن الموقف مرَّ دون أدنى مشكلة، ولك أن تتخيَّل إن حدث هذا لك، فماذا كنت ستفعل؟
أترك لك الإجابة.
10- أن يصونها ويحفظها، ويجعلها تشعر بالأمان معه:
من حقوق الزوجة على زوجها أن يحفظها ويصونها من كل شيء يَخدِش حياءها، أو يُفسد دينها أو دنياها.
فعليه أن يختار المسكن الآمِن، فلا يتركها في مسكنٍ مهجور أو مُوحش غير آمِن، أو مسكن مَشبوه.
11- وعليه أن يَمنعها من كل أنواع الفساد من اختلاط بالنساء الفاسقات.
12- وعليه أن يمنعها من مطالعة القَصص الفاجرة، والمجلات الخليعة، والأفلام الماجنة.
13- وعليه أن يمنعها من الذهاب إلى دُور الملاهي.
14- وعليه أن يمنعها من سماع أغاني الفُحش والخنا.
15- وعليه أن يمنعها من التبرُّج والسفور.
16- وعليه أن يَمنعها من الاختلاط بكل الرجال سوى محارمها، وليَحذر الحمو، وهم أقارب الزوج الرجال: من أخ، أو ابن أخ، وغير ذلك؛ وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري ومسلم: ((والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيَّته)).
وكثير من المصائب تحدث في البيوت؛ بسبب عدم محافظة الرجل على زوجته، فهو يسمح لها بأن تجالس الرجال في البيت، ويسمح لها أن تُكلمهم في "التليفون"، بل يسمح لها بالخروج لمقابلة الرجال في العمل، ثم يكون من العواقب ما هو معلوم ومحسوس، ونسمع ونقرأ عنه في واقعنا المعاصر.
وهناك مَن يسمح لها بالجلوس أمام التلفاز لمشاهدة الرجال ومناظر العَهْر، وإذا فسدت المرأة أو حدَث ما لا يُحمد عقباه، نقول حينئذ للرجل: يا هذا، أنت السبب؛ لأنك فرَّطت وقصَّرت في الحفاظ عليها.
وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في "مجموع الفتوى" (32/ 264 - 265) عن رجل له زوجة أسكنها بين ناس مناجيس، وهو يخرج بها إلى الفرج وإلى أماكن الفساد، ويعاشر المفسدين، فإذا قيل له: انتقل من هذا المسكن السوء، فيقول: أنا زوجها ولي الحُكم في امرأتي، ولي السكن، فهل له ذلك؟
فأجاب: "الحمد لله رب العالمين، ليس له أن يُسكنها حيث شاء، ولا يخرجها إلى حيث شاء، بل يسكن بها في مسكن يصلح لمثلها، ولا يخرج بها عند أهل الفجور، بل ليس له أن يعاشر الفُجَّار على فجورهم، ومتى فعَل ذلك، وجَب أن يُعاقب عقوبتين:
عقوبة على فجوره بحسب ما فعل، وعقوبة على ترْك صيانة زوجته، وإخراجها إلى أماكن الفجور، فيعاقب على ذلك عقوبةً تردعه وأمثاله عن مثل ذلك، والله أعلم".
17- أن يحسن الظن بها، ولا يتخوَّنها:
فليس للزوج أن يُسيء الظن بزوجته، ولا يتخوَّنها، ويلتمس لها العثرات، فهذا ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد أخرج أبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن من الغيْرة غيرة يبغضها الله، وهي غيرة الرجل على أهله من غير رِيبة)).
وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله
[5] ليلاً يتخوَّنهم، أو يطلب عثراتهم".
وقد خالف بعضهم هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى عند أهله رجلاً، فعُوقِب بذلك على مخالفته، والحديث عند ابن خُزيمة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تطرق النساء ليلاً، فطرق رجلان كلاهما وجَد مع امرأته ما يَكره".
18- أن يحفظ هيبتها وكرامتها:
إن العلاقة بين الزوجين علاقة حب ومودة، وسكينة ورحمة.
وكرامة الزوجة واحترامها مطلوبة من الرجل، كما أن المرأة مطالبة باحترام وتوقير زوجها، فعلى الزوج أن يحترم زوجته، ويحفظ كرامتها، وذلك بأن يُكرمها فلا يُهينها، ويُثني عليها ويمدحها دائمًا، خاصة أمام أهلها وأهله؛ فإن ذلك من أسباب زيادة محبتها له، ويُكنيها ويحترمها، ويقول لها: "يا أمَّ فلان".
وليَحذر الزوج من سوء معاملة الزوجة وإهانتها؛ بأن يُعاملها معاملة السيد لأمَته، فالمرأة ليست بأمَة أو خادمة عند الزوج، فلا يحق له أن يوبِّخها بالسِّباب والشَّتم، أو يناديها بأقبح الأسماء التي لا تحبها المرأة، وخاصة أمام الناس؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري ومسلم: ((سِباب المسلم فسوق)).
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في "مستدرك الحاكم" - وهو في "صحيح الجامع" -: ((ليس المؤمن بالطَّعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء)).
وعلى الزوج كذلك ألا يُقبح الوجه؛ أي: لا يضربها في وجهها؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كما في سنن أبي داود - وهو في "صحيح الجامع"-: ((ولا تضرب الوجه ولا تُقبح)).
وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:
"ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله، فينتقم"، وفي صحيح البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم)).
فائدة:
ضرب الزوجة مشروع إذا نشَزت وتركت طاعة زوجها؛ على النحو الذي في قوله - تعالى -: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].
والضرب في هذه الآية له ثلاث ضوابط:
1- أن يكون بعد عدم جدوى الوعظ والهجر في الفراش.
2- أن يكون ضرب تأديب غير مُبرِّح، يَكسر النفس، ولا يكسر العظام.
3- أن يُرفع الضرب ويُمنَع إذا امتثَلت لطاعة زوجها.
19- أن ينفق عليها ويكسوها والأولاد:
أولاً: أما النفقة:
فالمراد بها ما يُنفقه الزوج على زوجته وأولاده: من طعام، وكسوة...، ونحو ذلك.
ونفقة الزوجة واجبة على الزوج بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول:
أما الكتاب، فمن ذلك:
أ- قوله - تعالى -: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7].
ب- وقوله - تعالى -: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233].
قال ابن كثير - رحمه الله -: "أي: وعلى والد الطفل نفقة الوالدات، وكسوتهن بالمعروف؛ أي: بما جرت به عادة أمثالهن من غير إسراف ولا إقتارٍ، بحسب قدرته في يساره وتوسُّطه وإقتاره"؛ ا.هـ.
وأما السنة، فمنها:
أ- ما أخرجه مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا الله في النساء؛ فإنهنَّ عَوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحلَلتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)).
ب- وفي رواية أخرى لمسلم من حديث عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه - أنه سمِع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حَجة الوداع: ((ألا إن لكم على نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا: فأما حقكم على نسائكم، فلا يُوطِئْنَ فُرشكم من تكرهون، ولا يَأذنَّ لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تُحسِنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن)).
وفي سنن أبي داود من حديث معاوية بن حَيْدة - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تُطعمها إذا طعِمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تَهجر إلا في البيت)).
د- وأخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بصدقة، فجاء رجل، فقال: عندي دينار، فقال: أنفقه على نفسك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على زوجك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على ولدك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصرُ)).
هـ- وعند البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنًى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)).
زاد الدارقطني: "إنه قيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: ((امرأتك ممن تعول)).
بل إذا وسع الله عليه، فليوسع على أهل بيته:
و- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث جابر بن سَمُرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أعطى الله أحدكم خيرًا، فليبدأ بنفسه وأهل بيته)).