الحمد الله رب العالمين
والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على محمد بن
عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن سار على دربه ونهج طريقه واقتفى إلى
يوم الدين
أيها المؤمنون:
فإنه
على قدر صلاح الأسرة يكون صلاح الفرد، وما يحدث من مشاكل وكوارث ومصائب في
الأسر إنما هو نتيجة عدم علم كل من الزوج والزوجة بالحقوق والواجبات،
بالحقوق المترتبة عليهما لقاء عقد الزوجية المبرم بينهما، هناك حقوق وهناك
واجبات يرتبها الإسلام بموجب العقد الشرعي.
مما
يؤسف له أن الكثير من المسلمين من الرجال أو النساء لا يدركون هذه الحقوق
ولايعرفون هذه الواجبات والمسؤوليات، وكل الذي يفهمونه من الحياة الزوجية
أنه لقاء جنسي يقضي الإنسان وطره من زوجته، وتقضي المرأة وطرها من زوجها ثم
لايعود لهما بعد ذلك أي اهتمام بما يترتب على هذا العقد من الحقوق.
وأدى
هذا الفهم المغلوط إلى وجود الانفصام والانفصال وعدم وجود التربية
الإسلامية الصالحة في البيوت فإن البيت إذا امتلأ بالشحناء والبغضاء
والمشاكل والمخاصمات والسب والشتم والقطيعة، انعكست كل هذه الأخلاق على
النشء، ووجد جيل خامل جيل فاشل، لأنه اكتسب هذه الأخلاق كلها من الأبوين
الأم والأب.
الحياة
الزوجية في نظر الإسلام شركة فيها طرفين: الزوج والزوجة، على الزوج حقوق
وواجبات، وعلى الزوجة حقوق وواجبات، وقد جعل الله عز وجل الحياة الزوجية
آية من الآيات الدالة عليه فقال جل من قائل:
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.
هذه
الشركة قائمة على عنصرين الأول: المودة، والثاني: الرحمة، وإذا لم يتوفر
هذان العنصران في الحياة الزوجية تحولت إلى حياة بهيمية، يلتقي فيها الرجل
والمرأة كما يلتقي البهيم بالبهيمة، ولا علاقة ولامودة ولارحمة ولاتقدير
ولا احترام، وإنما مشاكل على مشاكل حتى تصبح حياة كل من الرجل والمرأة
معقدة، ويترتب على ذلك كراهية الإنسان حتى لنفسه، وكل هذا نتيجة عدم علم كل
من المرأة والرجل بالواجب والمسؤولية الملقاة على عاتقهما تجاه بعضهما
البعض.
والذي
ينظر في حال مجتمعنا اليوم فإنه يجد بالإضافة إلى نسبة الطلاق المرتفعة،
والذي هو أبغض الحلال إلى الله، يجد أيضاً أن كثيراً من البيوت تعيش
مشاكلاً وهموماً مستعصية لأنها لا تقوم على المودة والرحمة، بل تقوم على
السباب والإهانة والاحتقار والشتم والتسلط والسخرية والكراهية، وحتى تتضح
الأمور ويعرف كل إنسان ماله وما عليه، وكيف يمكن أن يحقق السعادة مع زوجته
ومع أولاده فإننا نبدأ بذكر بعض الحقوق والواجبات التي فرضها الشرع
الإسلامي على الرجل تجاه امرأته: فالله فرض للمرأة من الحقوق مثل مافرض
للرجل من الحقوق فقال تعالى:
ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف فللمرأة من الحقوق مثل الذي عليها من الواجبات
وللرجال عليهن درجة،
والدرجة هي المسؤولية والقوامة، باعتبار أن الحياة الزوجية شركة لابد لها
من مسؤول واحد فقط، إذ لو كان فيها مسؤولان اثنان فإن الشركة تتخبط وتفشل،
ولم نسمع في العالم كله أن هناك شركة لها مديران لهما نفس الصلاحيات
والمسؤوليات، ولم نسمع في العالم كله أن هناك دولة مستقرة يديرها ملكين أو
رئيسين، فوجود أكثر من مسؤول في مكان واحد يؤدي إلى تضارب في التوجيهات
والأعمال، والحياة الزوجية شبيهة بالشركة أو الدولة، فالمسؤول الأول فيها
هو الزوج، ونائب الرئيس هي الزوجة، وبقية أعضاء الشركة هم الأبناء وأفراد
الأسرة، فإذا انطبع هذا الشعور في ذهن الزوج إنه المسؤول الأول لكنه ليس
مستبداً وليست الكلمة الأولى والآخيرة دائماً له، إنما يستشير ويطلب الرأي
ويطلب النصح ويتقبله، فهذا رب شركة زوجية صالحة، وأما إن ظن أن المسؤولية
استبداد وعدم أخذ للرأي وتسلط وعدم إقامة وزن لأحد
ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد فإن فعل ذلك فإن رئاسته فاشلة وسيأتي يوم من الأيام يدير فيه هذه الأسرة لوحده ليس فيها غيره.
فلا أحد معصوم إلا رسول الله
وليس معنى قوامة الزوج أن يكون معه الحق دائماً، وليس معنى قوامته أن
لايقول له أحد: أنت مخطئ، وليس معنى قوامته أن لا يستشير أحداً.
إن
الزوج له واجبات وعليه واجبات، وإن من الناس – للأسف- من يرى أن زوجته ملك
عنده أو خادمة عنده، فهي طوع أمره ورهن إشارته، ومن الرجال من يخالف زوجته
ولو كانت على حق، فمعنى القوامة عنده أنه إذا قالت: شرق. قال: غرب. وإن
قالت: شمال. قال: جنوب وإن قالت: نعم. قال: لا. وإن قالت: لا، قال: نعم،
فيعاكسها ويخالفها في كل شيء، فإن قلت له لماذا تفعل ذلك؟ قال: لأظهر سلطتي
وقدرتي، إني أنا الرجل، إني صاحب القرار، صاحب الكلمة إنني الأول والأخير
في الأسرة، وإن الأسرة لا رأي لها، سبحان الله ومن قال لك يا هذا أن هذا هو
الإسلام؟ ومن أخبرك بهذا؟
إن
أجل نعمة أنعمها الله على المسلمين هي نعم الحرية، حرية الرأي وحرية
الكلمة فلا يجوز لأحد أن يمنعها ظاناً أن ذلك من الإسلام ومن مبادئه.
أيها
الزوج: أنت صاحب القرار، لكن لابد لك من أخذ رأي الرعية، ثم حاول أن تكون
آراؤك متوافقة ومنسجمة مع آراء من يعيشون معك ليل نهار في الحق، خذ رأي
زوجتك وأبنائك لكن إن كان مخالفاً للشرع فالواجب عليكم جميعاً رفضه، أما إن
جاء الحق مع زوجتك، ورأيت أنه من العيب أن تأخذ الحق من لسانها فهي امرأة
وأنت رجل فتقول: لا إنها إمرأة والله لا نأخذ برأيها، وتأتي بالباطل من
رأسك فتفرضه فهذا منتهى الفساد.
في عمرة الحديبية أمر الرسول
الصحابة أن يحلوا بعد عقد صلح الحديبية على أن يرجعوا تلك السنة ويعودوا
في العام المقبل، فصعب ذلك على الصحابة، وكانت كل بنود الإتفاقية صعبة
عليهم، ولكن الله أمره بذلك، فلما لم يحلوا من عمرتهم خاف عليهم الرسول
من العذاب لعدم تنفيذهم أمر الله، فدخل مغضباً على زوجه أم سلمة وقال: هلك
قومك، قالت: لماذا يا رسول الله؟ قال: آمر فلا أطاع، قالت: يارسول الله
أدع بحلاق واحلق شعرك، فما أعظم عقلها وحكمتها، قالت: فإنهم سيقتدون بك
وينتبهون من ذهولهم بمجرد أن يروا فعلك، وهذا ما حدث فما إن بدأ الحلاق
بشقه الأيمن حتى تهاوى الصحابة بعضهم على بعض يحلقون ويتحللون، والرسول هنا
لم يرفض رأي أم سلمة لأنها امرأة، بل إن للمرأة رأيها واحترامها ومكانتها
ورأيها مقبول مادام موافقاً لشرع الله تعالى، وأما إن كان رأيها مخالفاً
للشرع فإنه مردود لا لأنه صادر من امرأة بل لأنه مخالف للشرع، والباطل
مردود من أي مصدر جاء رجل أو امرأة.
إن على الرجل والمرأة على السواء أن يعلموا أن الحياة الزوجية عهدة ومسؤولية، الله سائلهم عنها يوم القيامة، يوم الوقوف عليه.
أنت أيها الرجل مسؤول عن زوجتك وستسأل عنها يوم القيامة، فهي أمانة في عنقك، يقول الرسول
:
((فاتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم)) أي أسيرات عندكم، مسكينة زوجتك أيها الرجل، سلمها لك أبوها لتكون في
حمايتك ورعايتك وإكرامك، ولا يدري أبوها ماذا تصنع بها؟ ولا تدري أمها ماذا
تصنع بها؟ ولا يدري أخوها ولا أقاربها، تعذبها في البيت فلا تخبر أهلها
حتى تعيش معك وحتى لايضيع الأولاد، وتهينها وتسبها لا يدري أهلها عنها، لكن
الله يعلم ويرى ويطلع على حالك وحالها.
إنها أسيرة يقول الرسول
:
((إنهن عوان عندكم أخذتموهن بكلمة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله))، وكان
يقول:
((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) أفضلكم عند الله منزلة من كان أفضلكم وأحسنكم عند أهله، فأهله يحبونه
ويحترمونه لمعاملته الحسنة والله يحبه من أجل ذلك، إن الذي ليس فيه خير
لأهله ليس فيه خير لنفسه أو للناس خارج الأسرة.
هذا
هو معنى القوامة الحقيقي، وسنذكر إن شاء الله في الأسبوع القادم حقوق
المرأة التي على الرجل، نسأل الله أن يجعلنا بارين مقسطين مؤدين لحقوقنا
وواجباتنا حتى تتحقق السعادة والرضى في أنفسنا وبيوتنا وأسرنا ومجتمعاتنا،
فإن من علامات حب الله وحب رسوله
اتباع أمر رسوله وعدم مخالفتها، ففي ذلك الفلاح والنجاح في الدنيا
والآخرة، وأما أن يخالف المسلم أوامر الله وأوامر رسوله، ثم يعتقد أنه
بإحتفاله بذكرى مولد رسول الله
، يعتقد بذلك أن سيغفر له وأنه بذلك قد وجبت شفاعة الرسول
له فهذا غير صحيح ومخالف لسنة الله الكونية، فإن لكل مجتهد نصيب، فمن فعل الأمور التي بينها رسول الله
وجبت له شفاعته
((من تمسك بسنتي عند فساد أمتي وجبت له شفاعتي)) أما أن يقارف الإنسان المعاصي والشهوات والملاذ ثم يرجو أن يدخل في عداد
الصديقين والنبيين بلاعمل ولا إخلاص ولا توحيد، فهذا لا يكون.
ولنعلم عباد الله أن الله لايعبد إلا بما شرع، فلم يشرع الله ولا رسوله الاحتفال بمولده
ولافعله الصحابة ولا التابعون ولا تابعوا التابعين. ثم ابتدع هذا الأمر
بعد ذلك، وأما إقامة أعياد سوى عيدي المسلمين المعروفة: الفطر والأضحى فهذا
ليس من الإسلام في شيء، بل هو تقليد نصراني، إذ هم يحتفلون بعيد الميلاد
وعيد الأم وعيد الأب وعيد الكذب وعيد رأس السنة (أي عيد ميلاد المسيح) إلى
آخر أعيادهم التي لاتنتهي والتي يجعل فيها من الفجور وشرب الخمور والرقص
والغناء فلا يرض عنه لا المسيح ولا محمد رسول الله
،
ولن يرض الله ولا رسوله عن أعياد يقيمها المسلمون وترتكب فيها المعاصي
والموبقات والمخالفات الشرعية سواء كانت باسم الرسول أو باسم الأم أو الأب
أو الابن.
فاتقوا الله عباد الله وأعلموا أننا نتشرف أن نكون عبيداً لله مطيعين لأوامره.
ومما زادني شـرف وتيهـاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً
نسأل
الله أن نكون من عباده الصالحين المطيعين المخبتين المنيبين المتبعين لا
المبتدعين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، اللهم إنا نحمدك حمداً يوافي محامد
خلقك كفضلك على سائر خلقك إذ فضلتنا على كثير من خلقك تفضيلاً