أخي العزيز الزائر
شرفنا تواجدك في هذا المنتدى الراقي والجميل
الراقي بأهله وناسة
والجميل
بما يحتويه من علم نافع وطرفة جميلة
ونرجو لك طيب الاقامة معنا بين اخوانك واخواتك
وان تثري هذا المنتدى بما لديك من جديد
وأن تفيد وتستفيد
أسال الله تعالي إت يتقبل منا ومناكم صالح الأعمال وإن يجعل تواجدنا لأبتغاء وجه اللع تعالي

Dear brother Guest
Honored by your presence in this forum upscale and beautiful
Upscale his family and policy
And beautiful
Including addition of beneficial knowledge and beautiful twinkling
We hope you a pleasant stay with us between brothers and sisters
And enrich this forum what you have again
And that the benefit and the benefit
I ask God Almighty ET accept our and Mnakm favor of business and that makes our presence in order to face Alla Come
أخي العزيز الزائر
شرفنا تواجدك في هذا المنتدى الراقي والجميل
الراقي بأهله وناسة
والجميل
بما يحتويه من علم نافع وطرفة جميلة
ونرجو لك طيب الاقامة معنا بين اخوانك واخواتك
وان تثري هذا المنتدى بما لديك من جديد
وأن تفيد وتستفيد
أسال الله تعالي إت يتقبل منا ومناكم صالح الأعمال وإن يجعل تواجدنا لأبتغاء وجه اللع تعالي

Dear brother Guest
Honored by your presence in this forum upscale and beautiful
Upscale his family and policy
And beautiful
Including addition of beneficial knowledge and beautiful twinkling
We hope you a pleasant stay with us between brothers and sisters
And enrich this forum what you have again
And that the benefit and the benefit
I ask God Almighty ET accept our and Mnakm favor of business and that makes our presence in order to face Alla Come
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


ملتقى الاحبة في الله (اسلامي ..اجتماعي .. ثقافي)
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
الحمـــــد لله الواحد الاحد الكريم الوهاب الرحيم التواب غافر الذنب وقابل التوب و الصلاة و السلام على رسول الله & أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجمعنا وإياكم في هذه الحياة على الإيمان والذكر والقرآن &وأ سأل الله جل وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في ملتقي ألأحبة في الله علي ذكره أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته &اللهم لا تعذب جمعا التقى فيك ولك & أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن قال الله فيهم {الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولو الالباب} & { وأتقوا الله وأعلموا أن الله مع المتقين }
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» للصباح حكاية
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:54 am

» في سوق القلوب
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:53 am

» ابتسامات من التاريخ
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:28 am

» اُمنية من القلب .
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:25 am

» حين يمتلئ قلبك بالدفء
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:23 am

» سَــجل حُضُــورَك بِمعلــومة طِــبية
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:21 am

» جايين بعد يوم صيام شاق وتعب طمعانين في رحمتك ومغفرتك يارب
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:19 am

» بريد القلوب ..مساحة للجميع ..
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:17 am

» ۞ حـــرّك قلبـــك ۞
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:14 am

» وحدوا الله يا عباد الله
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:14 am

» كم مرة استغفرت ربك اليوم؟؟؟
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:13 am

» هل صليتم علي حبيبنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:12 am

» ادعوا لكل اسرة منتدانا الحبيب وجميع المسلمين
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:12 am

» قطوف من بستان الحكمة.
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:10 am

» أفشوا السلام علي المتواجدون بالملتقي
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين مارس 11, 2024 1:08 am

» مطلب اصحاب الكهف وهم في شدة البلاء
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير السبت مايو 01, 2021 8:01 pm

» حذاري أن تمل من الصبر
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الخميس أبريل 29, 2021 9:48 pm

» حديقة ملتقى الآحبة في الله الاسلامية
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف داعية الخير الإثنين أبريل 12, 2021 9:39 pm

» ..... الخطيب
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف الشيخ مرشدي الإثنين أبريل 05, 2021 8:37 am

» اثبت حضورك بأيه من القرأن الكريم
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15من طرف الشيخ مرشدي الإثنين أبريل 05, 2021 8:30 am


أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 2 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 2 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 95 بتاريخ الأربعاء مايو 30, 2012 11:23 pm

 

  تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
داعية الخير
المدير العام
المدير العام
داعية الخير


وسام المدير العام
الدولة : مصر
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين C13e6510
انثى
عدد المساهمات : 24384
تاريخ التسجيل : 25/08/2011
العمر : 53
المزاج المزاج : ولله الحمد

 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين Empty
مُساهمةموضوع: تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين    تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15الأربعاء أبريل 13, 2016 10:24 am


 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين Hadj10
تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين

أعداد: أحمد فتحى سليمان
-------------------------------
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين.

أما بعد..
فهذا الكتيب بين يديك محاولة متواضعة لتقريب علوم الحديث لغير المختصين فإنما الدين يقوم على معرفة كتاب الله وسنة رسوله وإن كان علمائنا الأجلاء قد قاموا بخدمة علوم الدين كافة على أكمل وجة إلا أن أغلب المؤلفات فى العلوم الشرعية أكثر عمقاً وأثقل محتوى من مستوى القارئ العامي من أمثالى ولمَّا كنت قد واجهت صعوبة فى تحصيل مقدمات علوم الحديث من المؤلفات القيمة التى نصح بها الشيوخ فقد رأيت ان أجمع مختصراً ينفعنى وقد تمنيت لو كان بيدى ليوفر علي الجهد والوقت فيكون مقدمة للتوسع فى الاطلاع و التعلم لمَنْ اراد ويعطى نبذة مختصرة لمن يريد فهم محدود لأبجديات علوم الحديث دون التعمق فإنما هو عمل عامي موجه الى نظرائه من العامة فعمدت الى بعض مؤلفات المختصين وأهل العلم والثقة فجمعت منها بعض فوائد فكان هذا الكتيب، وأسال الله العلي العظيم ان يجعل هذا العمل الضئيل نافعاً وخالصاً لوجه الكريم.

نشأة وتطور علوم الحديث:
الحديث في الأصل يطلق على الجديد من الأشياء ويطلق على الخبر، ومنه قوله تعالى: {ومَنْ أصدَقُ مِنَ اللهِ حديثاً}, وقوله: {فجعلناهم أحاديث}.

وفي الاصطلاح:
هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة.

أما الحديث القدسي:
فالقدسي نسبة إلى القدس وهو الطهر.
وقد جاءت هذه الكلمة في القرآن الكريم وصفاً لجبريل عليه السلام قال عز شأنه: {قل نزله روح القدسِ من ربك بالحق} وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الروح المقدس أي المطهر، وهو الروح الأمين في قوله عز وجل: {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين} وجبريل هو الأمين على وحي الله إلى أنبيائه ورسله.

وقد أختلف العلماء في الحديث القدسي:
أهو بلفظه ومعناه من الله تبارك وتعالى أم هو لفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعناه بوحي من الله تعالى؟
فذهب كثير من العلماء إلى أن لفظه ومعناه من الله تعالى وأنه أوحى به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأي طريق من طرق الوحي كقذف في القلب، أو في المنام، وعلى هذا يكون الفرق بينه وبين الحديث النبوي ظاهر ذلك أن هذا لفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- وذاك لفظه من عند الله تبارك وتعالى وعلى هذا أيضاً يكون موافقا للقرآن الكريم من حيث كونه كل منهما نزل بلفظه على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن كلاً منهما بوحي من الله تبارك وتعالى.

ويكون الفرق بينه وبين القرآن الكريم من وجوه متعددة ومنها:
أن القرآن الكريم كله موحى به عن طريق الوحي الجلي وهو جبريل عليه السلام وهذا أمر يكاد يكون مجمعاً عليه بين العلماء.

أن الصلاة لا تصح:
إلا بالقرآن الكريم أما الحديث القدسي فلا تجوز به الصلاة، وأن القرآن الكريم متعبد بتلاوته ففي الحديث الذي رواه الترمذي مرفوعًا: "مَنْ قرأ حرفاً من القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول: {الم} حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"، وأما الأحاديث القدسية فلا يتعبد بتلاوتها.

أن القرآن الكريم كله منقول بالتواتر المفيد للقطع واليقين في نسبته إلى الله تبارك وتعالى، أما الأحاديث القدسية فليست كذلك، وأن القرآن الكريم مكتوب كله في المصاحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس، أما الأحاديث القدسية فلا، وأن القرآن الكريم لا يجوز مسه للمحدث بغير حائل، ويحرم على الجنب قراءته وكذا الحائض والنفساء بخلاف الأحاديث القدسية.

واليك بعض المصطلحات الأساسية المستعملة فى علوم الحديث:
الخبر:
لغة: النبأ.
اصطلاحاً: فيه ثلاثة أقوال وهي:
1) هو مرادف للحديث: أي إن معناهما واحد اصطلاحاً.

2) مغاير له: فالحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. والخبر ما جاء عن غيره.
3) أعم منه: أي إن الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والخبر ما جاء عنه أو عن غيره.

الأثر:
أ) لغة: بقية الشيء.
ب) اصطلاحاً: فيه قولان هما:
1) هو مرادف للحديث: أي أن معناهما واحد اصطلاحاً.
2) مغاير له: وهو ما أضيف إلى الصحابة والتابعين من أقوال أو أفعال.

الإسناد:
له معنيان:
أ) عزو الحديث إلى قائله مسنداً.
وصلة للمتن.
وهو بهذا المعنى مرادف للسند.
ب) سلسلة الرجال.

السند:
أ) لغة: المعتمد.
وسمي كذلك لأن الحديث يستند إليه ويعتمد عليه.
ب) اصطلاحا: سلسلة الرجال الموصلة للمتن.

المتن:
أ) لغة: ما صلب وارتفع من الأرض.
ب) اصطلاحاً: ما ينتهي إليه السند من الكلام.

المسنَد: (بفتح النون)
أ) لغة: اسم مفعول من أسند الشيء إليه بمعنى عزاه ونسبه له.
ب) اصطلاحاً: له ثلاثة معان.
1) كل كتاب جمعَ فيه مرويات كل صحابي على حِدَة.
2) الحديث المرفوع المتصل سنداً.
3) إن يراد به "السند" فيكون بهذا المعنى مصدراً ميمياً.

المسنِد: (بكسر النون)
هو من يروي الحديث بسنده، سواء أكان عنده علم به، أم ليس له إلا مجرد الرواية.

المحدث:
هو من يشتغل بعلم الحديث رواية ودراية ويطلع على كثير من الروايات وأحوال ر واتها.

الحافظ:
فيه قولان:
أ) مرادف للمحدث عند كثير من المحدثين.
ب) وقيل هو أرفع درجة من المحدث.
بحيث يكون ما يعرفه في كل طبقة أكثر مما يجهله.

الحاكم:
هو من أحاط علماً بجميع الأحاديث حتى لا يفوته منها إلا اليسير على رأي بعض أهل العلم.

ظهور علم الحديث:
لم تبدأ العناية بأسانيد الحديث وباقى فروع هذا العلم تباعاً إلا من بعد تباعد الزمن ووفاة الكثير من الصحابة وخشية الكذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلم يكن الصحابة يكذبون على النبى وأنما كان أن أخطأ احدهم (وأخطأهم قليلة) استدرك غيره عليه وصححه كما استدركت أم المؤمنين عائشة على أكثر من صاحبي أخطاء وقعوا بها فى النقل أو الفهم عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

قال الإمام التابعي محمد بن سيرين:
"لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" رواه مسلم في مقدمة صحيحه ومنذ طبقة تابعى التابعين بدأ هذا العلم فى النضوج و بدأت تظهر له قواعد ثم بدأت التصانيف فيه تظهر تباعاً وهذا ما سنعرض له فيما يلى:

الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
كان معظم الصحابة رضوان الله عليهم يأخذون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوحي بطريق السماع المباشر ومن لم تمكنه ظروف حياته من التلقي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مباشرة بسبب السفر أو الاشتغال بالجهاد أو أمور المعاش أخذ عمَّن تلقى عن الرسول, فقد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يتناوب هو وجار له من الأنصار في الذهاب إلى مجلس الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا ينزل يوماً وذاك ينزل يوماً, فإذا نزل أحدهما جاء للآخر بخبر ذلك اليوم من الوحي والأحاديث والأخبار.

وقبائل العرب كانوا يرسلون الوفود لتأتيهم بخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- والوحي قرآناً أو سنة كما فعل قوم ضمام بن ثعلبة وكوفد عبد القيس وغيرهم وفدوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وسألوه عن الإيمان وشرائع الإسلام فأجابهم وعلمهم وأوصاهم أن يبلغوا من وراءهم وكذلك كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرسل مع الوفود من علماء الصحابة من يُقرئهم القرآن ويعلمهم السنة ويفقههم في الدين وذلك كما فعل مع الأنصار قبل الهجرة, فقد أرسل معهم الصحابي الجليل مصعب ابن عمير.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر بحفظ الأحاديث والسنن وشرائع الدين وتبليغها، كقوله -صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأً سمع مني مقالة فحفظها ووعاها، فأداها كما سمعها فربَّ مبلغ أوعى من سامع"، وقال -صلى الله عليه وسلم: "ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ مَنْ هو أوعى منه"، وقال -صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً, وإنما ورثوا العلم فمَنْ أخذه أخذ بحظ وافر", وغير ذلك العديد من الأحاديث التي كانت تحمل الصحابة على تعلم السنن والشرائع وتبليغها.

كتابة الصحابة عن رسول الله:
يوجد من الأدلة الكثيرة على أن تدوين السنن قد بدأ فى حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- واستمر بعد ذلك ومنها:
ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: "ما من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد أكثر حديثاً مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب، وما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما: أن أبا شاه اليمني التمس من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب له شيئاً سمعه من خطبته عام الفتح فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اكتبوا لأبي شاه، وأنه -صلى الله عليه وسلم- كتب كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن لعمر بن عزم وغيره وكذلك روى البخاري في صحيحه بسنده عن أنس: "أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين والتي أمر بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط..." إلى آخر الحديث، وقد اختلف السلف من الصحابة والتابعين في كتابة الأحاديث وتدوينها في الكتب فى أول الأمر فكرهها طائفة منهم وينسب هذا القول إلى: ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم أجمعين، وأباحها أو فعلها طائفة منهم: عمر, وعلي، وابنه الحسن, وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس، وجابر، وابن عباس, والحسن البصري, وعطاء بن أبي رباح, وسعيد بن جبير, وعمر بن عبد العزيز, وحكاه القاضي عياض عن أكثر الصحابة والتابعين.

ثم أجمعوا بعد ذلك على جوازها بل على وجوبها:
قال ابن الصلاح في مقدمته: ثم إنه زال ذلك الخلاف, وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الأخيرة.

وقال الحافظ ابن حجر:
ولم يعد من السلف من كان يتحرج من الكتابة وبذلك ارتفع الخلاف الذي كان بينهم أولاً في كتابة الحديث.

واستقر الأمر, وانعقد الإجماع على جواز كتابته, بل على استحبابه, بل على وجوبه على من خشي عليه النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم.

فماذا عن الاحاديث فى النهى عن كتابة الحديث؟
قد اختلف العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي فمنهم من قال: إن الإذن لمن خيف عليه النسيان كأبي شاه, والرجل الأنصاري, والنهي لمن أمن عليه النسيان ووثق بحفظه, وخيف اتكاله على الكتابة, فيكون النهي مخصوصًا به ومنهم من قال: إن النهي خشية أن يلتبس على البعض الحديث بالقرآن الكريم, أو أن يكون شاغلًا لهم عنه, والإذن لمن أمن عليه ذلك بأن كان قارئًا كاتبًا, ويؤمن عليه الانصراف عن القرآن والاشتغال بالسنة كعبد الله بن عمرو بن العاص وسيدنا عليّ رضي الله عنهم، ومنهم من أعل حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مسلم ويقتضى النهى اساساً وقال إنه موقوف عليه.

ومنهم من قال:
إن أحاديث الإذن ناسخة لحديث النهي, وإن النهي كان في مبدأ الأمر حين خيف اشتغالهم بالأحاديث عن القرآن أو خيف اختلاط غير القرآن بالقرآن, ثم لما أمن ذلك نسخ, قال الحافظ في الفتح "وهو أقربها مع أنه لا ينافيها", وهذا الرأي هو الصحيح, ويؤيد القول بالنسخ, أن بعض أحاديث الإذن متأخرة التاريخ فأبو هريرة رضي الله عنه راوي حديث كتابة عبد الله بن عمرو وهو متأخر الإسلام فقد أسلم في أوائل العام السابع عقب خيبر مما يدل على أن عبد الله كان يكتب بعد إسلامه, وقصة أبي شاه كانت عام الفتح سنة ثمانٍ, وحديث طلب النبي كتابًا ليكتبوا له ما كان يريد قبيل وفاته, ولو كان حديث أبي سعيد في النهي متأخرًا عن هذه الأحاديث لعرف ذلك عند الصحابة يقينًا، إذ مثل ذلك مما لا يخفى عليهم.

ثم جاء إجماع الأمة على الكتابة بعد قرينة على أن الإذن هو الأمر الأخير, ومهما يكن من شيء فقد انقضى العصر النبوي والذين كانوا يكتبون الأحاديث من الصحابة أقل ممن كانوا لا يكتبون الحديث في عهد الصحابة وكبار التابعين أستمرت العناية بالحديث وطلبه بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكان من جمع بعض الاحاديث من الصحابة لا يضن بها على غيره ومن ذلك ما روى الدارمي والحارث في مسنديهما بسنديهما عن ابن عباس قال: "لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنهم اليوم كثير قال: واعجباً لك!! أترى الناس يفتقرون إليك؟ قال: فترك ذلك -يعني هذا الرجل- قال ابن عباس: وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل منهم فآتي بابه, وهو قائل فأتوسد ردائي يسفي الريح علي من التراب فيخرج فيراني فيقول: يابن عم رسول الله ما حاجتك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك؟! فأقول: لا أنا أحق أن آتيك. فأسأله عن الحديث, فعاش الأنصاري حتى رآني. وقد اجتمع الناس حولي يسألوني. فقال: هذا الفتى كان أعقل مني.

ثم أن عمر -رضي الله عنه- هم أن يجمع الأحاديث ويقيدها في كتب فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأشاروا عليه أن يكتبها, فطفق يستخير الله في ذلك شهراً, ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: "إني كنت أردت أن أكتب السنن وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا". رواه البيهقي في المدخل وعلى سنة التثبت في الرواية التي أشار إليها القرآن, وحث عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- سار الصحابة بعده والخلفاء الراشدون.

روى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث. فقال: "ما أجد لكِ في كتاب الله شيئاً, وما علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر لكِ شيئاً", ثم سأل الناس, فقام المغيرة بن شعبة فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطيها السدس. فقال له الصديق: "هل معك أحد" فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه، على هذه السنة سار الفاروق عمر -رضي الله عنه- فقد نهج منهج الصديق في تثبته بل وزاد عليه.

روى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن أبا موسى -يعني الأشعري- سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات, فلم يؤذن له, فرجع. فأرسل عمر في إثره فقال له: لم رجعت؟ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا سلم أحدكم ثلاثاً فلم يجب فليرجع", قال: لتأتيني على ذلك ببينة أو لأفعلن بك, فجاء أبو موسى منتقعاً لونه, ونحن جلوس, فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرنا, وقال: هل سمعه أحد منكم؟ قلنا: كلنا سمعه, فأرسلوا معه رجلاً حتى أتى عمر فأخبره وروي أنه قال لأبي موسى: "إن كنت لأميناً على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكني أردت أن أستثبت" وقال عمر الفاروق: "بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم في مقدمة صحيحه وهذا أبو الحسن علي رضي الله عنه يقول: "كنت إذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني به, وكان إذا حدثني "غيره استحلفته فإذا حلف صدقته" ويقول: "حدثوا الناس بما يعرفون, ودعوا ما ينكرون, أتحبون أن يُكذب الله ورسوله؟.

قال الإمام الذهبي: "فقد زجر الإمام رضي الله عنه عن رواية المنكر وحث على التحديث بالمشهور وهذا أصل كبير في الكف عن بث الأشياء الواهية والمنكرة من الأحاديث في الفضائل، والعقائد, والرقائق، ولا سبيل إلى معرفة هذا من هذا إلا بالإمعان في معرفة الرجال والله أعلم".

وقد اتبع هذا المنهج أيضاً سائر الصحابة المكثر منهم والمقل, يقول عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع. رواه مسلم.

وهي دعوة صادقة إلى التثبث، فإن المرء إذا حدث بكل ما سمع فإنه يقع في الكذب لا محالة إذ هو يسمع في العادة الصدق والكذب ولم تكن مراجعة بعض الصحابة لبعضهم وطلبهم راوياً أخر أو استحلافهم عند الرواية طعناً في عدالتهم ولا تكذيباً لهم ولكن ذلك كان على سبيل التحوط والتثبت من المرويات وكذلك لتكون سنة متبعة لمَنْ يأتي بعدهم تعظيماً للسنه النبوية وتقديراً لعظم أمرها وليس أدل على هذا من قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه لسيدنا أبي موسى الأشعري: إن كنت لأميناً على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكني أردت أن أستثبت.

وبلغ عدد من روى الحديث من الصحابة قرابة 1800 صحابى وصحابية منهم مَنْ روى حديث او حديثان ومنهم مَنْ أكثر من الرواية ومنهم مَنْ روى أكثر من ألف حديث وهم عائشة وابن عمر وأبى هريرة وابن عباس وجابر وسعد وأنس رضى الله عنهم أجمعين ولم يكن إكثار المكثرين من الصحابة في الرواية أستهانة بأمرها وإنما كان ذلك لعوامل متعددة كطول العمر, وجلوسهم للرواية وقلة الاشتغال بأمور الدنيا وسكنى الأمصار التي يقصدها طالبوا الحديث وإكثار مَنْ تلقوا منهم فمما لا شك فيه أن كثير من الروايات متعددة الطرق لم تصل إلينا من كافة هذه الطرق وأنما بلغ بعض من سمع من الصحابة ولم يبلغ بعضهم ما جاءهم ويلاحظ أن كثير من روايات المكثرين من الصحابة لم يسمعوها من رسول الله مباشرة وإنما جمعوها من غيرهم من الصحابة فيما يعرف بمرسل الصحابى ورواها إلى طلاب العلم من التابعين.

الرواية فى عصر التابعين:
وفى عصر التابعين رضوان الله عليهم تمت معظم الفتوحات وسكن الصحابة الذين حملوا الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأمصار وتفرغ للعلم والرواية والفتوى الكثيرين وتكونت المدارس العلمية وأضحى لهذه المدارس أساتذة وأئمة, وطلاب كثيرون وكان الإقبال على التعليم شديداً وكان لرواية الأحاديث والسنن من ذلك حظ كبير مع شدة التحرز فى طلبها.

فيقول ابن سيرين التابعي الجليل:
إن هذا العلم -أي علم الحديث والرواية- دين فانظروا عمَّنْ تأخذون دينكم، ويقول عبد الله بن ذكوان فقيه أهل المدينة: أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال: ليس من أهله. رواه مسلم.
والإمام عبد الرحمن بن مهدي يقول: "لا يكون الرجل إماماً يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع" رواه مسلم، ويقول ابن وهب: قال لي مالك: "اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ولا يكون إماماً أبداً وهو يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
وكان الإمام مالك يقول: "لقد أدركت في هذا المسجد -أي النبوي- سبعين ممَّن يقول: قال فلان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولو أن أحدهم اؤتمن على بيت مال لكان أميناً عليه. ولكني ما أخذت عنهم؛ لأنهم ليسوا من أهل هذا الشأن"، وغير ذلك من النصوص الدالة على العناية بالأسانيد, ونقد الرواية والتثبت في الرواية الكثير.

بداية تدوين الحديث تدويناً عاماً:
روى الإمام مالك في الموطأ, أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: "أن انظر ما كان من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو سننه أو حديث عمر أو نحو هذا فاكتبه, فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء, وأوصاه أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية, والقاسم بن محمد بن أبي بكر" ورواه الإمام البخاري في صحيحه تعليقاً فقال: "وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: رضي الله عنهما: أن انظر ما كان عندك -أي في بلدك- من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ولتفشوا العلم, ولتجلسوا حتى يعلم مَنْ لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا"، وكان ذلك على رأس المائة الأولى.

- التدوين في القرن الثاني 100هـ:
ثم شاع التدوين في الطبقة التي تلى طبقة الزهري, وأبي بكر بن حزم فألف الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس المتوفى سنة 179هـ بالمدينة كتابه "الموطأ" توخى فيه القوى من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم وألف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المتوفى سنة 150هـ وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي المتوفى سنة 156هـ وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري المتوفى سنة 161هـ وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار المتوفى سنة 176هـ ومعمر بن راشد المتوفى سنة 153هـ وهشيم بن بشير السلمي الواسطي المتوفى سنة 188هـ وجرير بن عبد الحميد المتوفى سنة 188هـ وعبد الله بن المبارك المتوفى سنة 181هـ وكثيرون من أهل عصرهم حتى أنه ما من مصر من الأمصار الإسلامية إلا وقد جمع الأحاديث فيه إمام أو أئمة, وكانت طريقة هؤلاء في التأليف مزج أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم، والأثر الباقي من كتب هذا القرن هو الموطأ قال الحافظ ابن حجر: "إن ما ذكر إنما هو بالنسبة لى الجمع في الأبواب. وأما جمع حديث إلى مثله في باب واحد فقد سبق إليه الشعبي فإنه روى عنه أنه قال: هذا باب من الطلاق جسيم. وساق فيه أحاديث.

إفراد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن غيره:
ثم رأى بعض الأئمة أن يفرد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن غيره, وكان ذلك على رأس المائتين فألفوا فيه ما يعرف بالمسانيد، فألف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي المتوفى سنة ثلاث عشرة ومائتين مسنداً، وألف مسدد بن مسرهد البصري المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائتين مسنداً، وألف أسد بن موسى الأمور المتوفى سنة اثني عشرة ومائتين مسنداً، وألف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائتين مسنداً، ثم اقتفى الأئمة أثرهم.

فقل إمام من أئمة الحديث إلا رتب حديثه على المسانيد:
وذلك كالإمام الجليل أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241هـ إحدى وأربعين ومائتين، والإمام إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائتين، والإمام عثمان بن أبي شيبة المتوفى سنة 279هـ تسع وسبعين ومائتين وغيرهم من النبلاء، ومنهم من ألف على الأبواب وعلى المسانيد معاً كأبي بكر بن أبي شيبة المتوفى سنة 230هـ 300هـ.

- التدوين في القرن الثالث 200هـ:
ويعتبر القرن الثالث الهجري أخصب القرون بالنسبة لتدوين السنة وأزهاها ففيه ظهر أصحاب الكتب الستة المشهورة التي تعتبر أهم دواوين السنة وكتبها وأوفاها وأشملها للأحاديث النبوية وقد نهج التأليف في هذا القرن منهج التأليف على الأبواب الفقهية فيبدءون بالطهارة ثم الصلاة ثم الزكاة ثم الصوم ثم الحج ثم المعاملات والحدود وهكذا, ومن هؤلاء من اقتصر على الأحكام, ومنهم من لم يقتصر على ذلك فعرض للوحي وللعلم
وللتفسير وللمغازي والسير وذلك كما فعل البخاري ومسلم ومنهم من التزم تخريج الصحيح فحسب في كتابه وذلك كصاحبي الصحيحين وهما: الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري المتوفى سنة 256هـ،  والإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري المتوفى سنة 261هـ، ومنهم من لم يلتزم الصحة, فذكر في كتابه الصحيح والحسن والضعيف وقد تفاوت كتبهم في المنزلة بحسب تفاوتهم في العلم والمعرفة وذلك كأصحاب السنن الأربعة وهم: الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى سنة 275هـ، والإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي المتوفى سنة 279هـ، والإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة 315هـ، وأبو عبد الله محمد بن بن يزيد بن ماجه القزويني المتوفى سنة 273هـ، وهناك غير هؤلاء الأئمة الستة علماء كثيرون ظهروا في هذا القرن فلا عجب أن كان هذا القرن يعتبر العصر الذهبي لتدوين السنة.

- التدوين في القرن الرابع 300
استدرك أهل هذا القرن الرابع على أهل القرن الثالث ما فاتهم وأكملوا الصرح الشامخ الذي أسسوه وبنوه بحيث لم ينته هذا القرن حتى كادت الأحاديث تكون قد جمعت كلها ودونت، كما عني بعضهم بالاستدراك عليهم في نقد الرجال وتعليل الأحاديث وأشهر الكتب المؤلفة في هذا القرن.

المعاجم الثلاثة:
الكبير والأوسط والصغير، للإمام سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة 360هـ رتب في الكبير الصحابة على حروف المعجم, وهو مشتمل على نحو خمسمائة وعشرين ألف حديث, ورتب في الأوسط والصغير شيوخه على الحروف أيضاً، وصحيح الإمام الكبير محمد بن إسحاق بن خزيمة المتوفى سنة 311هـ، صحيح أبي عوانة يعقوب بن إسحاق المتوفى سنة 316هـ، ومصنف الطحاوي الفقيه الحنفي المحدث المتوفى سنة 321هـ، والمنتقى لقاسم بن أصبغ محدث الأندلس المتوفى سنة 340هـ، والصحيح المنتقى لابن السكن سعيد بن عثمان البغدادي المتوفى سنة 353هـ، وصحيح أبي حاتم محمد بن حبان البستي المتوفى سنة 354هـ، وسنن الإمام أبي الحسن الدارقطني المتوفى سنة 385هـ، ومستدرك الإمام أبي عبد الله الحاكم المتوفى سنة 405هـ وغيرهم كثير.

التدوين بعد القرن الرابع:
وبعد القرن الرابع انتهى عصر الرواية فقد كان طريقة مؤلفيها أنهم يهذبون كتب المتقدمين، أو يرتبوها، أو يجمعون ما تشتت منها في كتب متفرقة في كتاب واحد، أو يختصرون الأسانيد والمتون أو يتكلمون في رجالها، أو يبينون غريبها، أو يشرحون متونها، أو يجمعون الأحاديث المتعلقة بالأحكام، أو بالترغيب والترهيب في كتب مستقلة، أو يخرجون أحاديث بعض كتب الفقه والتفسير والوعظ واللغة.

ومن امثلة ذلك:
الإمام في أحاديث الأحكام ومختصره الإلمام في أحاديث الأحكام وكلاهما للإمام محمد بن علي بن دقيق العيد المتوفى سنة 702هـ وبلوغ المرام من أدلة الأحكام" للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ، الترغيب والترهيب للإمام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المتوفى سنة 656هـ، ورياض الصالحين للإمام أبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة 676هـ.
يتبع إن شاء الله...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
داعية الخير
المدير العام
المدير العام
داعية الخير


وسام المدير العام
الدولة : مصر
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين C13e6510
انثى
عدد المساهمات : 24384
تاريخ التسجيل : 25/08/2011
العمر : 53
المزاج المزاج : ولله الحمد

 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين    تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15الأربعاء أبريل 13, 2016 10:26 am

ذكر تحريم الإفتاء في دين الله بغير علم وذكر الإجماع على ذلك
قد تقدم قوله تعالى {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وأن ذلك يتناول القول على الله بغير علم في أسمائه وصفاته وشرعه ودينه، وتقدم حديث أبي هريرة المرفوع: "من أفتي بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه".

لا ضير على من لا يعلم ان يقول الله أعلم:
وروى الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون في القرآن فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه ببعض وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا ولا يكذب بعضه بعضا فما علمتم منه فقولوا وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه" فأمر من جهل شيئا من كتاب الله أن يكله إلى عالمه ولا يتكلف القول بما لا يعلمه.

وروى مالك بن مغول عن أبي حصين عن مجاهد عن عائشة "أنه لما نزل عذرها قبل أبو بكر رأسها قالت: فقلت ألا عذرتني عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت ما لا أعلم".

وروى أيوب عن ابن أبي مليكة قال: سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن آية فقال: "أي أرض تقلني وأي وسماء تظلني وأين أذهب وكيف أصنع إذا أنا قلت في كتاب الله بغير ما أريد الله بها".

وذكر البيهقي من حديث مسلم البطين عن عزرة التميمي قال: قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة: "وابردها على كبدي ثلاث مرات قالوا: يا أمير المؤنين وما ذاك قال: أن يسأل الرجل عما لا يعلم فيقول: الله أعلم".

وذكر أيضا عن علي رضي الله عنه قال: خمس إذا سافر فيهن رجل إلى اليمن كن فيه عوضا من سفره: لا يخشى عبد إلا ربه ولا يخاف إلا ذنبه ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم ولا يستحي من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم والصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد.

وقال الزهري عن خالد بن أسلم وهو أخو زيد بن أسلم: "خرجنا مع ابن عمر نمشي فلحقنا أعرابي فقال: أنت عبد الله بن عمر؟ قال: نعم قال: سألت عنك فدللت عليك فأخبرني أترث العمة؟ قال: لا أدري قال: أنت لا تدري قال: نعم اذهب إلى العلماء بالمدينة فاسألهم فلما أدبر قبل يديه وقال: نعما قال أبو عبد الرحمن سئل عما لا يدري فقال لا أدري".

وقال ابن مسعود: "من كان عنده علم فليقل به ومن لم يكن عنده علم فليقل الله أعلم فإن الله قال لنبيه {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}".

وصح عن ابن مسعود وابن عباس: "من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه فهو مجنون".

وقال ابن شبرمة: سمعت الشعبي إذا سئل عن مسألة شديدة قال: "رب ذات وبر لا تنقاد ولا تنساق ولو سئل عنها الصحابة لعضلت بهم".

وقال أبو حصين الأسدي: "إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر".

وقال ابن سيرين: "لأن يموت الرجل جاهلا خير له من أن يقول ما لا يعلم".

وقال القاسم: "من إكرام الرجل نفسه أن لا يقول إلا ما أحاط به علمه" وقال: "يا أهل العراق والله لا نعلم كثيرا مما تسألوننا عنه ولأن يعيش الرجل جاهلا إلا أن يعلم ما فرض الله عليه خير له من أن يقول على الله ورسوله ما لا يعلم".

وقال مالك: من فقه العالم أن يقول: "لا أعلم" فإنه عسى أن يتهيأ له الخير وقال: سمعت بن هرمز يقول: "ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري حتى يكون ذلك أصلا في أيديهم يفزعون إليه".

وقال الشعبي: "لا أدري" نصف العلم.

وقال ابن جبير: "ويل لمن يقول لما لا يعلم إني أعلم".

وقال الشافعي: سمعت مالكا يقول: سمعت ابن عجلان يقول: "إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتلة" وذكره ابن عجلان عن ابن عباس.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: جاء رجل إلى مالك فسأله عن شيء فمكث أياما ما يجيبه فقال: يا أبا عبد الله إني أريد الخروج فأطرق طويلا ورفع رأسه فقال: ما شاء الله يا هذا إني أتكلم فيما أحتسب فيه الخير ولست أحسن مسألتك هذه.

وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: "العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق" قال: وكان يقال: "التأني من الله والعجلة من الشيطان" وهذا الكلام قد رواه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "التأني من الله والعجلة من الشيطان" وإسناده جيد.

وقال ابن المنكدر: "العالم بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم.

وقال ابن وهب: قال لي مالك وهو ينكر كثرة الجواب في المسائل: "يا عبد الله ما عملت فقل وإياك أن تقلد الناس قلادة سوء".

وقال مالك: حدثني ربيعة قال: قال لي أبو خلدة وكان نعم القاضي "يا ربيعة أراك تفتي الناس فإذا جاءك الرجل يسألك فلا يكن همك أن تتخلص مما سألك عنه".

وكان ابن المسيب لا يكاد يفتي إلا قال: "اللهم سلمني وسلم مني".

وقال مالك ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني: هل تراني موضعا لذلك؟ سألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك فقيل له: يا أبا عبد الله فلو نهوك؟ قال: كنت أنتهى.

وقال ابن عباس لمولاه عكرمة: اذهب فأفت الناس وأنا لك عون فمن سألك عما يعنيه فأفته ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته فإنك تطرح عن نفسك ثلثي مؤنة الناس.

تكرير السؤال وفوائده:
وكان أيوب إذا سأله السائل قال له: أعد فإن أعاد السؤال كما سأله عنه أولا أجابه وإلا لم يجبه وهذا من فهمه وفطنته رحمه الله وفي ذلك فوائد عديدة: منها أن المسألة تزداد وضوحا وبيانا بتفهم السؤال ومنها أن السائل لعله أهمل فيها أمرا يتغير به الحكم فإذا أعادها ربما بينه له ومنها أن المسؤل قد يكون ذاهلا عن السؤال أولا ثم يحضر ذهنه بعد ذلك ومنها أنه ربما بان له تعنت السائل وأنه وضع المسألة فإذا غير السؤال وزاد فيه ونقص فربما ظهر له أن المسألة لا حقيقة لها وأنها من الأغلوطات أو غير الواقعات التي لا يجب الجواب عنها فإن الجواب بالظن إنما يجوز عند الضرورة فإن وقعت المسألة صارت حال ضرورة فيكون التوفيق إلى الصواب أقرب والله أعلم.

ذكر تفصيل القول في التقليد وانقسامه إلى ما يحرم القول فيه والإفتاء به وإلى ما يجب المصير إليه وإلى ما يسوغ من غير إيجاب:
فأما النوع الأول فهو ثلاثة أنواع أحدها: الإعراض عما أنزل الله وعدم الالفتات إليه اكتفاء بتقليد الآباء الثاني: تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله الثالث التقليد بعد قيام الحجة وظهور الدليل على خلاف قول المقلد والفرق بين هذا وبين النوع الأول أن الأول قلد قبل تمكنه من العلم والحجة وهذا قلد بعد ظهور الحجة له فهو أولى بالذم ومعصية الله ورسوله.

وقد ذم الله سبحانه هذه الأنواع الثلاثة من التقليد في غير موضع من كتابه كما في قوله تعالى{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} وقال تعالى {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} وقال تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} وهذا في القرآن كثير يذم فيه من أعرض عما أنزله وقنع بتقليد الآباء.

فإن قيل: إنما ذم من قلد الكفار وآباءه الذين لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ولم يذم من قلد العلماء المهتدين بل قد أمر بسؤال أهل الذكر وهم أهل العلم وذلك تقليد لهم فقال تعالى {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} وهذا أمر لمن لا يعلم بتقليد من يعلم.

فالجواب أنه سبحانه ذم من أعرض عما أنزله إلى تقليد الآباء وهذا القدر من التقليد هو مما اتفق السلف والأئمة الأربعة على ذمه وتحريمه وأما تقليد من بذل جهده في اتباع ما أنزل الله وخفي عليه بعضه فقلد فيه من هو أعلم منه فهذا محمود غير مذموم ومأجور غير مأزور كما سيأتي بيانه عند ذكر التقليد الواجب والسائغ إن شاء الله.

وقال تعالى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} والتقليد ليس بعلم باتفاق أهل العلم كما سيأتي وقال تعالى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وقال تعالى {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} فأمر باتباع المنزل خاصة والمقلد ليس له علم أن هذا هو المنزل وإن كان قد تبينت له الدلالة في خلاف قول من قلده فقد علم أن تقليده في خلافه اتباع لغير المنزل وقال تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} فمنعنا سبحانه من الرد إلى غيره وغير رسوله وهذا يبطل التقليد وقال تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} ولا وليجة أعظم ممن جعل رجلا بعينه مختارا على كلام الله وكلام رسوله وكلام سائر الأمة يقدمه على ذلك كله ويعرض كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة على قوله فما وافقه منها قبله لموافقته لقوله وما خلفه منها تلطف في رده وتطلب له وجوه الحيل فإن لم تكن هذه وليجة فلا ندري ما الوليجة وقال تعالى {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} وهذا نص في بطلان التقليد.

فإن قيل: إنما فيه ذم من قلد من أضله السبيل أما من هداه السبيل فأين ذم الله تقليده؟.

قيل: جواب هذا السؤال في نفس السؤال فإنه لا يكون العبد مهتديا حتى يتبع ما أنزل الله على رسوله فهذا المقلد إن كان يعرف ما أنزل الله على رسوله فهو مهتد وليس بمقلد وإن كان لم يعرف ما أنزل الله على رسوله فهو جاهل ضال بإقراره على نفسه فمن أين يعرف أنه على هدى في تقليده وهذا جواب كل سؤال يوردونه في هذا الباب وأنهم إذا كانوا إنما يقلدون أهل الهدى فهم في تقليدهم على هدى.

فإن قيل: فأنتم تقرون أن الأئمة المقلدين في الدين على هدى فمقلدوهم على هدى قطعا لأنهم سالكون خلفهم.

قيل: سلوكهم خلفهم مبطل لتقليدهم لهم قطعا فإن طريقتهم كانت اتباع الحجة والنهي عن تقليدهم كما سنذكره عنهم إن شاء الله فمن ترك الحجة وارتكب ما نهوا عنه ونهى الله ورسوله عنه قبلهم فليس على طريقتهم وهو من المخالفين لهم وإنما يكون على طريقتهم من اتبع الحجة وانقاد للدليل ولم يتخذ رجلا بعينه سوى الرسول صلى الله عليه وسلم يجعله مختارا على الكتاب والسنة يعرضهما على قوله وبهذا يظهر بطلان فهم من جعل التقليد اتباعا وإيهامه وتلبيسه بل هو مخالف للاتباع وقد فرق الله ورسوله وأهل العلم بينهما كما فرقت الحقائق بينهما فإن الاتباع سلوك طريق المتبع والإتيان بمثل ما أتي به.

الاتباع والتقليد:
قال أبو عمر في الجامع: باب فساد التقليد ونفيه والفرق بينه وبين الاتباع قال أبو عمر قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه فقال {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} روي عن حذيفة وغيره وقال لم يعبدوهم من دون الله ولكنهم أحلوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم وقال عدي ابن حاتم: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب فقال: "يا عدي ألق هذا الوثن من عنقك" وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال فقلت: يا رسول الله إنا لم نتخذهم أربابا قال: "بلى أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ويحرمون عليكم ما أحل لكم فتحرمونه" فقلت بلى: قال: "فتلك عبادتهم".

قلت: الحديث في المسند والترمذي مطولا.

وقال أبو البختري في قوله عز وجل {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال: "أما إنهم لو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم ولكنهم أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه وحرامه حلاله فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية".

وقال وكيع: ثنا سفيان والأعمش جميعا عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي ثابت عن أبي البختري قال: قيل لحذيفة في قوله تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} أكانوا يعبدونهم فقال: "لا ولكن كانوا يحلون لهم الحرام فيحلونه ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه".

وقال تعالى {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} فمنعهم الاقتداء بآبائهم من قبول الاهتداء فقالوا {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} وفي هؤلاء ومثلهم قال الله عز وجل {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} وقال تعالى معاتبا لأهل الكفر وذاما لهم {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} وقال {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} ومثل هذا في القرآن كثير من ذم تقليد الآباء والرؤساء وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر وإنما وقع التشبيه بين المقلدين بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجلا فكفر وقلد آخر فأذنب وقلد آخر في مسألة فأخطأ وجهها كان كل واحد ملموما على التقليد بغير حجة لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الآثام فيه وقال الله عز وجل {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}.



قال: فإذا أبطل التقليد بكل ما ذكرنا وجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها وهي الكتاب والسنة وما كان في معناهما بدليل جامع ثم ساق من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لا أخاف على أمتي من بعدي إلا من أعمال ثلاثة قالوا" وما هي يا رسول الله؟ قال: أخاف عليهم زلة العالم ومن حكم جائر ومن هوى متبع" وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم".

قلت: والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله وبيان زلة العالم ليبينوا بذلك فساد التقليد وأن العالم قد يزل ولا بد إذ ليس بمعصوم فلا يجوز قبول كل ما يقوله وينزل قوله منزلة قول المعصوم فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض وحرموه وذموا أهله وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم فإنهم يقلدون العالم فيما زل فيه وفيما لم يزل فيه وليس لهم تمييز بين ذلك فيأخذون الدين بالخطأ ولا بد فيحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله ويشرعون ما لم يشرع ولا بد لهم من ذلك إذ كانت العصمة منتفية عمن قلدوه فالخطأ واقع منه ولا بد وقد ذكر البيهقي وغيره من حديث كثير هذا عن أبيه عن جده مرفوعا: "اتقوا زلة العالم وانتظروا فيئته".

وذكر من حديث مسعود بن سعد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشد ما أتخوف على أمتي ثلاث زلة عالم وجدال منافق بالقرآن ودنيا تقطع أعناقكم".

ومن المعلوم أن المخوف في زلة العالم تقليده فيها إذ لولا التقليد لم يخف من زلة العالم على غيره.

فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين فإنه اتباع للخطأ على عمد ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه وكلاهما مفرط فيما أمر به وقال الشعبي: قال عمر: "يفسد الزمان ثلاثة: أئمة مضلون وجدال المنافق بالقرآن والقرآن حق وزلة العالم" وقد تقدم أن معاذا كان لا يجلس مجلسا للذكر إلا قال حين يجلس: "الله حكم قسط هلك المرتابون" الحديث وفيه "وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول الضلالة على لسان الحكيم وقد يقول المنافق كلمة الحق" قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال لي: اجتنب من كلام الحكيم المشبهات التي يقال ما هذه ولا يثنيك ذلك عنه فإنه لعله يراجع وتلق الحق إذا سمعته فإن على الحق نورا.

وذكر البيهقي من حديث حماد بن زيد عن المثنى بن سعيد عن أبي العالية قال: قال ابن عباس: ويل للأتباع من عثرات العالم قيل: وكيف ذاك يا أبا العباس؟ قال: يقول العالم من قبل رأيه ثم يسمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدع ما كان عليه وفي لفظ: فيلقى من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منه فيخبره فيرجع ويقضي الأتباع بما حكم.

وقال تميم الداري: اتقوا زلة العالم فسأله عمر: ما زلة العالم؟ قال: يزل بالناس فيؤخذ به فعسى أن يتوب العالم والناس يأخذون بقوله.

وقال شعبة: عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال قال معاذ بن جبل: يا معشر العرب كيف تصنعون بثلاث: دنيا تقطع أعناقكم وزلة عالم وجدال منافق بالقرآن فسكتوا فقال: أما العالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم وإن افتتن فلا تقطعوا منه إياسكم فإن المؤمن يفتتن ثم يتوب وأما القرآن فله منار كمنارالطريق فلا يخفى على أحد فما عرفتم منه فلا تسألوا عنه وما شككتم فكلوه إلى عالمه وأما الدنيا فمن جعل الله الغني في قلبه فقد أفلح ومن لا فليس بنافعته دنياه.

وذكر أبو عمر من حديث حسين الجعفي عن زائدة عن عطاء بن السائب عن أبي البختري قال: قال سلمان: "كيف أنتم عند ثلاث زلة عالم وجدال منافق بالقرآن ودنيا تقطع أعناقكم فأما زلة العالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم وأما مجادلة المنافق بالقرآن فإن للقرآن منار كمنار الطريق فلا يخفى على أحد فما عرفتم منه فخذوه وما لم تعرفوه فكلوه إلى الله وأما دنيا تقطع أعناقكم فانظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم".

قال أبو عمر: "وتشبه زلة العالم بانكسار السفينة لأنها إذا غرقت غرق معها خلق كثير".

قال أبو عمر: "وإذا صح وثبت أن العالم يزل ويخطىء لم يجز لأحد أن يفتي ويدين بقول لا يعرف وجهه".

وقال غير أبي عمر: "كما أن القضاة ثلاثة قاضيان في النار وواحد في الجنة فالمفتون ثلاثة ولا فرق بينهما إلا في كون القاضي يلزم بما أفتى به والمفتي لا يلزم به".

وقال ابن وهب: سمعت سفيان بن عيينة يحدث عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه كان يقول: "اغد عالما أو متعلما ولا تغد إمعة فيما بين ذلك" قال ابن وهب: فسألت سفيان عن الإمعة فحدثني عن أبي الزناد عن أبي الأحوص عن أبي مسعود قال: "كنا ندعو الإمعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيأتي معه بغيره وهو فيكم المحقب دينه الرجال".

وقال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري: ثنا أبو مسهر ثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن السائب بن يزيد ابن أخت نمر أنه سمع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول: "إن حديثكم شر الحديث إن كلامكم شر الكلام فإنكم قد حدثتم الناس حتى قيل قال فلان وقال فلان ويترك كتاب الله من كان منكم قائما فليقم بكتاب الله وإلا فليجلس" فهذا قول عمر لأفضل قرن على وجه الأرض فكيف لو أدرك ما أصبحنا فيه من ترك كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة لقول فلان وفلان فالله المستعان.

حديث علي لكميل بن زياد:
قال أبو عمر: وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة لكميل ابن زياد النخعي وهو حديث مشهور عند أهل العلم يستغني عن الإسناد لشهرته عندهم: يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير والناس ثلاثة فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل صائح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ثم قال آه إن ههنا علما وأشار بيده إلى صدره لو أصبت له حملة بل قد أصبت لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين للدنيا ويستظهر بحجج الله على كتابه وبنعمه على معاصيه أو حامل حق لا بصيرة في إحيائه ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لا يدري أين الحق أن قال أخطأ وإن أخطأ لم يدر مشغوف بما لا يدري حقيقته فهو فتنة لمن فتن به وإن من الخير كله من عرفه الله دينه وكفى بالمرء جهلا لا يعرف دينه.

النهي عن الاستنان بالرجال:
وذكر أبو عمر عن أبي البختري عن علي قال: إياكم والاستنان بالرجال فإن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل النار فيموت وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت وهو من أهل الجنة فإن كنتم لابد فاعلين فبالأموات لا بالأحياء.

وقال ابن مسعود: لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه لاأسوه في الشر.

قال أبو عمر: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يذهب العلماء ثم يتخذ الناس رءوسا جهالا يسألون فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون" قال أبو عمر: "وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدى لرشده".

ثم ذكر من طريق يونس بن عبد الأعلى ثنا سفيان بن عينية قال: اضطجع ربيعة مقنعا رأسه وبكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: رياء ظاهر وشهوة خفية والناس عند علمائهم كالصبيان في إمامهم: ما نهوهم عنه انتهوا وما أمروا به ائتمروا.

وقال عبد الله بن المعتمر: "لا فرق بين بهيمة تنقاد وإنسان يقلد".

ثم ساق من حديث جامع بن وهب: أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن بكر بن عمر عن عمروا بن أبي نعيمة عن مسلم بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال علي مالم أقل فليتبوأ مقعده من النار ومن استشار أخاه فأشار عليه بغير رشده فقد خانه ومن أفتى بفتيا بغير ثبت فإنما إثمها على من أفتاه" وقد تقدم هذا الحديث من رواية أبي داود وفيه دليل على تحريم الإفتاء بالتقليد فإنه إفتاء بغير ثبت فإن الثبت الحجة التي يثبت بها الحكم باتفاق الناس كما قال أبو عمر.

الرد على من أجاز التقليد بحجج عقلية:
وقد احتج جماعة من الفقهاء وأهل النظر على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية بعدما تقدم فأحسن ما رأيت من ذلك قول المزني وأنا أورده قال: يقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجة فيما حكمت به؟ فإن قال: "نعم" بطل التقليد لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد وإن قال: "حكمت به بغير حجة" قيل له: فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج وأتلفت الأموال وقد حرم الله ذلك إلا بحجة قال الله عزوجل {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} أي من حجة بهذا فإن قال: "أنا أعلم أني قد أصبت وإن لم أعرف الحجة لأني قلدت كبيرا من العلماء وهولا يقول إلا بحجة خفيت علي" قيل له: إذا جاز تقليد معلمك لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عليك فتقليد معلم معلمك أولى لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك فإن قال: "نعم" ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أبى ذلك نقض قوله وقيل له كيف تجوز تقليد من هو أصغر وأقل علما ولا تجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علما وهذا تناقض فإن قال لأن معلمي وإن كان أصغر فقد جمع علم من هو فوقه إلى علمه فهو أبصر بما أخذ وأعلم بما ترك قيل له وكذلك من تعلم من معلمك فقد جمع علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمه فيلزمك تقليده وترك تقليد معلمك وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك لأنك جمعت علم معلمك وعلم من هو فوقه إلى علمك فإن قلد قوله جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصاحب عنده يلزمه تقليد التابع والتابع من دونه في قياس قوله والأعلى للأدنى أبدا وكفى بقول يؤول إلى هذا تناقضا وفسادا.

وقال أبو عمر: قال أهل العلم والنظر: "حد العلم البتيين وإدراك المعلوم على ما هو به فمن بان له الشيء فقد علمه" قالوا: والمقلد لا علم له ولم يختلفوا في ذلك ومن ههنا والله أعلم.

قال البحتري.
عرف العالمون فضلك بالعلم… وقال الجهال بالتقليد
وأرى الناس مجمعين على فضلك… من بين سيد ومسود


وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصري المالكي: التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه وذلك ممنوع منه في الشريعة والاتباع: ما ثبت عليه حجة.

وقال في موضع آخر من كتابه: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب ذلك فأنت مقلده والتقليد في دين الله غير صحيح وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت متبعه والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع وقال: وذكر محمد بن حارث في أخبار سحنون بن سعيد عنه قال: كان مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم بن دينار وغيرهم يختلفون إلى ابن هرمز فكان إذا سأله مالك وعبد العزيز أجابهما وإذا سأله ابن دينار وذووه لا يجيبهم فتعرض له ابن دينار يوما فقال له: يا أبا بكر لم تستحل مني ما لا يحل لك فقال له: يا ابن أخي وما ذاك قال يسألك مالك وعبد العزيز فتجيبهما وأسألك أنا وذووي فلا تجيبنا فقال أوقع ذلك يا ابن أخي في قلبك قال نعم قال إني قد كبرت سني ودق عظمي وأنا أخاف أن يكون خالطني في عقلي مثل الذي خالطني في بدني ومالك وعبد العزيز عالمان فقيهان إذا سمعا مني حقا قبلاه وإن سمعا خطأ تركاه وأنت وذووك ما أجبتكم به قبلتموه.

قال ابن حارث: "هذا والله الدين الكامل والعقل الراجح لا كمن يأتي بالهذيان ويريد أن ينزل قوله من القلوب منزلة القرآن".

قال أبو عمر: يقال لمن قال بالتقليد: لم قلت به وخالفت السلف في ذلك فإنهم لم يقلدوا فإن قال: "قلدت لأن كتاب الله لا علم لي بتأويله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أحصها والذي قلدته قد علم ذلك فقلدت من هو أعلم مني" قيل له: أما العلماء إذا أجمعوا على شيء من تأويل الكتاب أو حكاية عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه ولكن قد اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض فما حجتك في تقليد بعضهم دون بعض وكلهم عالم ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه فإن قال: "قلدته لأني اعلم أنه على صواب" قيل له: علمت ذلك بدليل من كتاب الله أو سنة أو إجماع فإن قال: "نعم" أبطل التقليد وطولب بما ادعاه من الدليل وإن قال: "قلدته لأنه أعلم مني" قيل له: فقلد كل من هو أعلم منك فإنك تجد من ذلك خلقا كثيرا ولا تخص من قلدته إذ علتك فيه أنه أعلم منك فإن قال: "قلدته لأنه أعلم الناس" قيل له: فإنه إذا أعلم من الصحابة وكفى بقول مثل هذا قبحا فإن قال: "أنا أقلد بعض الصحابة" قيل له: فما حجتك في ترك من لم تقلد منهم ولعل من تركت قوله منهم أفضل ممن أخذت بقوله على أن القول لا يصح لفضل قائله وإنما يصح بدلالة الدليل عليه.

وقد ذكر ابن مزين عن عيسى بن دينار قال: عن القاسم عن مالك قال: ليس كلما قال رجل قولا وإن كان له فضل يتبع عليه لقول الله عز وجل {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} فإن قال: "قصري وقلة علمي يحملني على التقليد" قيل له: أما من قلد فيما ينزل به من أحكام شريعته عالما يتفق له على علمه فيصدر في ذلك عما يخبره فمعذور لأنه قد أدى ما عليه وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله ولا بد له من تقليد عالم فيما جهله لإجماع المسلمين أن المكفوف يقلد من يثق بخبره في القبلة لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك ولكن من كانت هذه حاله هل تجوز له الفتيا في شرائع دين الله فيحمل غيره على إباحة الفروج وإراقة الدماء واسترقاق الرقاب وإزالة الأملاك ويصيرها إلى غير من كانت في يديه بقول لا يعرف صحته ولا قام الدليل عليه وهو مقر أن قائله يخطىء ويصيب وأن مخالفه في ذلك ربما كان المصيب فيما خالفه فيه فإن أجاز الفتوى لمن جهل الأصل والمعنى لحفظه الفروع لزمه أن يجيزه للعامة وكفى بهذا جهلا وردا للقرآن وقال الله تعالى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وقال {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وقد أجمع العلماء على أن مالم يتبين ولم يتيقن فليس بعلم وإنما هو ظن والظن لا يغني من الحق شيئا ثم ذكر حديث ابن عباس: "من أفتى بفتيا وهو يعمى عنها كان إثمها عليه" موقوفا ومرفوعا قال وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".

قال: ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد ثم ذكر من طريق ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو عثمان بن مسنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العلم بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء" ومن طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء" قيل: له يا رسول الله وما الغرباء؟ قال: "الذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله" وكان يقال: العلماء غرباء لكثرة الجهال ثم ذكر عن مالك عن زيد بن أسلم في قوله {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} قال: "بالعلم" وقال ابن عباس في قول الله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} قال: "يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات".

وروى هشام بن سعد عن زيد بن أسلم في قوله {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} قال: "بالعلم وإذا كان المقلد ليس من العلماء باتفاق العلماء لم يدخل في شيء من هذه النصوص" وبالله التوفيق.

فصل: نهى الأئمة عن تقليدهم
وقد نهى الأئمة الأربعة عن تقليدهم وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة فقال الشافعي: "مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري" ذكره البيهقي.

وقال إسماعيل بن يحيى المزني في أول مختصره: اختصرت هذا من علم الشافعي ومن معنى قوله لأقربه على من أراده مع إعلاميه نهيه عن تقليده وتقليد غيره لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه.

وقال أبو داود: قلت لأحمد: الأوزاعي هو أتبع من مالك؟ قال: "لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ثم التابعي بعد الرجل فيه مخير".

وقد فرق أحمد بين التقليد والاتباع فقال أبو داود: سمعته يقول: "الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد في التابعين مخير" وقال أيضا: "لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الثوري ولا الأوزاعي وخذ من حيث أخذوا" وقال: "من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال".

وقال بشر بن الوليد: قال أبو يوسف: "لا يحل لأحد ان يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا".

وقد صرح مالك بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النخعي أنه يستتاب فكيف بمن ترك قول الله ورسوله لقول من هو دون إبراهيم أو مثله.

وقال جعفر الفريابي: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني الهيثم بن جميل قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله إن عندنا قوما وضعوا كتبا يقول أحدهم ثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطاب بكذا وكذا وفلان عن إبراهيم بكذا ويأخذ بقول إبراهيم قال مالك: وصح عندهم قول عمر قلت: إنما هي رواية كما صح عندهم قول إبراهيم فقال مالك: هؤلاء يستتابون والله أعلم.

فصل: في عقد مجلس مناظرة بين مقلد وبين صاحب حجة منقاد للحق حيث كان
قال المقلد: نحن معاشر المقلدين ممتثلون قول الله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} فأمر الله سبحانه مَنْ لا علم له أن يسأل من هو أعلم منه وهذا نص قولنا وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من لا يعلم إلى سؤال من يعلم فقال في حديث صاحب الشجة: "ألا سألوا إذا لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال" وقال أبو العسيف الذي زنى بامرأة مستأجره: "وإني سألت أهل العلم فأخبروني أنما علي ابنى جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم" فلم ينكر عليه تقليد من هو أعلم منه وهذا عالم الأرض عمر قد قلد أبا بكر فروى شعبة عن عاصم الأحول عن الشعبي أن أبا بكر قال في الكلالة: "أقضي فيها فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله منه بريء هو ما دون الولد والوالد" فقال عمر بن الخطاب: "إني لأستحي من الله أن أخالف أبا بكر" وصح عنه أنه قال له: "رأينا لرأيك تبع" وصح عن ابن مسعود أنه كان يأخذ بقول عمر.

وقال الشعبي عن مسروق: كان ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفتون الناس: ابن مسعود وعمر بن الخطاب وعلي وزيد بن ثابت وأبي ابن كعب وأبو موسى وكان ثلاثة منهم يدعون قولهم لقول ثلاثة كان عبد الله يدع قوله لقول عمر وكان أبو موسى يدع قوله لقول علي وكان زيد يدع قوله لقول أبي بن كعب وقال جندب: "ما كنت أدع قول ابن مسعود لقول أحد من الناس" وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن معاذا قد سن لكم سنة فكذلك فافعلوا" في شأن الصلاة حيث أخر فصلى ما فاته من الصلاة مع الإمام بعد الفراغ وكانوا يصلون ما فاتهم أولا ثم يدخلون مع الإمام.

قال المقلد: وقد أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر وهم العلماء أو العلماء والأمراء وطاعتهم تقليدهم فيما يفتون به فإن لولا التقليد لم يكن هناك طاعة تختص بهم.

وقال تعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وتقليدهم اتباع لهم ففاعله ممن رضي الله عنهم ويكفي في ذلك الحديث المشهور: "أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم".

وقال عبد الله بن مسعود: "من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".
يتبع إن شاء الله...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
داعية الخير
المدير العام
المدير العام
داعية الخير


وسام المدير العام
الدولة : مصر
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين C13e6510
انثى
عدد المساهمات : 24384
تاريخ التسجيل : 25/08/2011
العمر : 53
المزاج المزاج : ولله الحمد

 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين    تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15الأربعاء أبريل 13, 2016 10:27 am

قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" وقال: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" "واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن أم عبد" وقد كتب عمر إلى شريح: أن اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بما قضى به الصالحون وقد منع عمر عن بيع أمهات الأولاد وتبعه الصحابة وألزم بالطلاق الثلاث وتبعوه أيضا واحتلم مرة فقال له عمرو بن العاص: "خذ ثوبا غير ثوبك فقال: لو فعلتها صارت سنة" وقال أبي بن كعب وغيره من الصحابة: "ما استبان لك فاعمل به وما اشتبه عليك فكله إلى عالمه".

وقد كان الصحابة يفتون ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي بين أظهرهم وهذا تقليد لهم قطعا إذ قولهم لا يكون حجة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} فأوجب عليهم قبول ما أنذروهم به إذا رجعوا إليهم وهذا تقليد منهم للعلماء.

وصح عن ابن الزبير أنه سئل عن الجد والإخوة فقال: أما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذته خليلا" فإنه أنزله أبا وهذا ظاهر في تقليده له وقد أمر الله سبحانه بقبول شهادة الشاهد وذلك تقليد له وجاءت الشريعة بقبول قول القائف والخارص والقاسم والمقوم للمتلفات وغيرها والحاكمين بالمثل في جزاء الصيد وذلك تقليد محض.

وأجمعت الأمة على قبول قول المترجم والرسول والمعرف والمعدل وإن اختلفوا في جواز الاكتفاء بواحد وذلك تقليد محض لهؤلاء.

وأجمعوا على جواز شراء اللحمان والثياب والأطعمة وغيرها من غير سؤال عن أسباب حلها وتحريمها اكتفاء بتقليد أربابها ولو كلف الناس كلهم الاجتهاد وأن يكونوا علماء فضلاء لضاعت مصالح العباد وتعطلت الصنائع والمتاجر وكان الناس كلهم علماء مجتهدين وهذا مما لا سبيل إليه شرعا والقدر قد منع من وقوعه.

وقد أجمع الناس على تقليد الزوج للنساء اللاتي يهدين إليه زوجته وجواز وطئها وتقليدا لهن في كونها هي زوجته.

وأجمعوا على أن الأعمى يقلد في القبلة وعلى تقليد الأئمة في الطهارة وقراءة الفاتحة وما يصح به الاقتداء وعلى تقليد الزوجة مسلمة كانت أو ذمية أن حيضها قد انقطع فيباح للزوج وطؤها بالتقليد ويباح للولي تزويجها بالتقليد لها في انقضاء عدتها وعلى جواز تقليد الناس للمؤذنين في دخول أوقات الصلوات ولا يجب عليهم الاجتهاد ومعرفة ذلك بالدليل.

وقد قالت الأمة السوداء لعقبة بن الحارث: أرضعتك وأرضعت امرأتك فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بفراقها وتقليدها فيما أخبرته به من ذلك.

وقد صرح الأئمة بجواز التقليد فقال حفص بن غياث: سمعت سفيان يقول: إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه وأنت ترى تحريمه فلا تنهه.

وقال محمد بن الحسن: يجوز للعالم تقليد من هو أعلم منه ولا يجوز له تقليد من هو مثله.

وقد صرح الشافعي بالتقليد فقال: في الضبع بعير قلته تقليدا لعمر وقال في مسألة بيع الحيوان بالبراءة من العيوب: قلته تقليدا لعثمان وقال في مسألة الجد مع الإخوة: إنه يقاسمهم ثم قال: وإنما قلت بقول زيد وعنه قبلنا أكثر الفرائض وقد قال في موضع آخر من كتابه الجديد قلته تقليدا لعطاء.

وهذا أبو حنيفة رحمه الله قال في مسائل الآبار: ليس معه فيها إلا تقليد من تقدمه من التابعين فيها وهذا مالك لا يخرج عن عمل أهل المدينة ويصرح في موطئه بأنه أدرك العمل على هذا وهو الذي عليه أهل العلم ببلدنا ويقول في غير موضع: ما رأيت أحدا أفتدي به يفعله ولو جمعنا ذلك من كلامه لطال.

وقد قال الشافعي في الصحابة: "رأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا" ونحن نقول ونصدق أن رأى الشافعي والأئمة معه لنا خير من رأينا لأنفسنا.

وقد جعل الله سبحانه في فطر العباد تقليد المتعلمين للأستاذين والمعلمين ولا تقوم مصالح الخلق إلا بهذا وذلك عام في كل علم وصناعة وقد فاوت الله سبحانه بين قوى الأذهان كما فاوت بين قوى الأبدان فلا يحسن في حكمته وعدله ورحمته أن يفرض على جميع خلقه معرفة الحق بدليله والجواب عن معارضه في جميع مسائل الدين دقيقها وجليلها ولو كان كذلك لتساوت أقدام الخلائق في كونهم علماء بل جعل سبحانه هذا عالما وهذا متعلما وهذا متبعا للعالم مؤتما به بمنزلة المأموم مع الإمام والتابع مع المتبوع وأين حرم الله تعالى على الجاهل أن يكون متبعا للعالم مؤتما به مقلدا له يسير بسيره وينزل بنزوله وقد علم الله سبحانه أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق فهل فرض على كل منهم فرض عين أن يأخذ حكم نازلته من الأدلة الشرعية بشروطها ولوازمها وهل ذلك في إمكان أحد فضلا عن كونه مشروعا وهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا البلاد وكان الحديث العهد بالإسلام يسألهم فيفتونه ولا يقولون له عليك أن تطلب معرفة الحق في هذه الفتوى بالدليل ولا يعرف ذلك عن أحد منهم البتة وهل التقليد إلامن لوازم التكليف ولوازم الوجود فهو من لوازم الشرع والقدر والمنكرون له مضطرون إليه ولا بد وذلك فيما تقدم بيانه من الأحكام وغيرها.

ونقول لمن احتج على إبطاله: كل حجة أثرية ذكرتها فأنت مقلد لحملها ورواتها إذ لم يقم دليل قطعي على صدقهم فليس بيدك إلا تقليد الراوي وليس بيد الحاكم إلا تقليد الشاهد وكذلك ليس بيد العامي إلا تقليد العالم فما الذي سوغ لك تقليد الراوي والشاهد ومنعنا من تقليد العالم وهذا سمع بأذنه ما رواه وهذا عقل بقلبه ما سمعه فأذى هذا مسموعه وأدى هذا معقوله وفرض على هذا تأدية ما سمعه وعلى هذ تأدية ما عقله وعلى من لم يبلغ منزلتهما القبول منهما.

ثم يقال للمانعين من التقليد: أنتم منعتموه خشية وقوع المقلد في الخطأ بأن يكون من قلده مخطئا في فتواه ثم أوجبتم عليه النظر والاستدلال في طلب الحق ولا ريب أن صوابه في تقليده للعالم أقرب من صوابه في اجتهاده هو لنفسه وهذا كمن أراد شراء سلعة لا خبرة له بها فإنه إذا قلد عالما بتلك السلعة خبيرا بها أمينا ناصحا كان صوابه وحصول غرضه أقرب من اجتهاده لنفسه وهذا متفق عليه بين العقلاء.

قال أصحاب الحجة: عجبا لكم معاشر المقلدين الشاهدين على أنفسهم مع شهادة أهل العلم بأنهم ليسوا من أهله ولا معدودين في زمرة أهله كيف أبطلتم مذهبكم بنفس دليلكم فما للمقلد وما للاستدلال وأين منصب المقلد من منصب المستدل وهل ما ذكرتم من الأدلة إلا ثيابا استعرتموها من صاحب الحجة فتجملتم بها بين الناس وكنتم في ذلك متشبعين بما لم تعطوه ناطقين من العلم بما شهدتم على أنفسكم أنكم لم تؤتوه وذلك ثوب زور لبستموه ومنصب لستم من أهله غصبتموه فاخبرونا: هل صرتم إلى التقليد لدليل قادكم إليه وبرهان دلكم عليه فنزلتم به من الاستدلال أقرب منزل وكنتم به عن التقليد بمعزل أم سلكتم سبيله اتفاقا وتخمينا من غير دليل وليس إلى خروجكم عن أحد هذين القسمين سبيل وأيهما كان فهو بفساد مذهب التقليد حاكم والرجوع إلى مذهب الحجة منه لازم ونحن إن خاطبناكم بلسان الحجة قلتم لسنا من أهل هذه السبيل وإن خاطبناكم بحكم التقليد فلا معنى لما أقمتموه من الدليل.

والعجب أن كل طائفة من الطوائف وكل أمة من الأمم تدعى أنها على حق حاشا فرقة التقليد فإنهم لا يدعون ذلك ولو ادعوه لكانوا مبطلين فإنهم شاهدون على أنفسهم بأنهم لم يعتقدوا تلك الأقوال لدليل قادهم إليه وبرهان دلهم عليه وإنما سبيلهم محض التقليد والمقلد لا يعرف الحق من الباطل ولا الحالي من العاطل.

وأعجب من هذا أن أئمتهم نهوهم عن تقليدهم فعصوهم وخالفوهم وقالوا نحن على مذاهبهم وقد دانوا بخلافهم في أصول المذهب الذي بنوا عليه فإنهم بنوا على الحجة ونهوا عن التقليد وأوصوهم إذا ظهر الدليل أن يتركوا أقوالهم ويتبعوه فخالفوهم في ذلك كله وقالوا نحن من أتباعهم تلك أمانيهم وما أتباعهم إلا من سلك سبيلهم واقتفى آثارهم في أصولهم وفروعهم.

وأعجب من هذا أنهم مصرحون في كتبهم ببطلان التقليد وتحريمه وأنه لا يحل القول به في دين الله ولو اشترط الإمام على الحاكم أن يحكم بمذهب معين لم يصح شرطه ولا توليته ومنهم من صحح التولية وأبطل الشرط وكذلك المفتي يحرم عليه الإفتاء بما لا يعلم صحته باتفاق الناس والمقلد لا علم له بصحة القول وفساده إذ طريق ذلك مسدودة عليه ثم كل منهم يعرف من نفسه أنه مقلد لمتبوعه لا يفارق قوله ويترك له كل ما خالفه من كتاب أو سنة أو قول صاحب أو قول من هو أعلم من متبوعه أو نظيره وهذا من أعجب العجب.

وأيضا فإنا نعلم بالضرورة أنه لم يكن في عصر الصحابة رجل واحد اتخذ رجلا منهم يقلده في جميع أقواله فلم يسقط منها شيئا وأسقط أقوال غيره فلم يأخذ منها شيئا ونعلم بالضرورة أن هذا لم يكن في عصر التابعين ولا تابعي التابعين فليكذبنا المقلدون برجل واحد سلك سبيلهم الوخيمة في القرون الفضيلة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما حدثت هذه البدعة في القرن الرابع المذموم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قالمقلدون لمتبوعهم في جميع ما قالوه يبيحون به الفروج والدماء والأموال ويحرمونها ولا يدرون أذلك صواب أم خطأ على خطر عظيم ولهم بين يدي الله موقف شديد يعلم فيه من قال على الله ما لا يعلم أنه لم يكن على شيء.

وأيضا فنقول لكل من قلد واحدا من الناس دون غيره: ما الذي خص صاحبك أن يكون أولى بالتقليد من غيره فإن قال: "لأنه أعلم أهل عصره" وربما فضله على من قبله مع جزمه الباطل أنه لم يجيء بعده أعلم منه قيل له: وما يدريك ولست من أهل العلم بشهادتك على نفسك أنه أعلم الأمة في وقته فإن هذا إنما يعرفه من عرف المذاهب وأدلتها وراجحها من مرجوحها فما للأعمى ونقد الدراهم وهذا أيضا باب آخر من القول على الله بلا علم ويقال له ثانيا فأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وعائشة وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أعلم من صاحبك بلا شك فهلا قلدتهم وتركته بل سعيد بن المسيب والشعبي وعطاء وطاوس وأمثالهم أعلم وأفضل بلا شك فلم تركت تقليد الأعلم الأفضل الأجمع لأدوات الخير والعلم والدين ورغبت عن أقواله ومذاهبه إلى من هو دونه فإن قال: "لأن صاحبي ومن قلدته أعلم به فتقليدي له أوجب علي مخالفة قوله لقول من قلدته لأن وفور علمه ودينه يمنعه من مخالفة من هو فوقه وأعلم منه إلا لدليل صار إليه هو أولى من قول كل واحد من هؤلاء" قيل له: ومن أين علمت أن الدليل الذي صار إليه صاحبك الذي زعمت أنت أنه صاحبك أولى من الدليل الذي صار إليه من هو أعلم منه وخير منه أو هو نظيره وقولان معا متناقضان لا يكونان صوابا بل أحدهما هو الصواب ومعلوم أن ظفر الأعلم الأفضل بالصواب أقرب من ظفر من هو دونه فإن قلت: "علمت ذلك بالدليل" فههنا إذا قد انتقلت عن منصب التقليد إلى منصب الاستدلال وأبطلت التقليد.

ثم يقال لك ثالثا: هذا لا ينفعك شيئا البتة فيما اختلف فيه فإن من قلدته ومن قلده غيرك قد اختلفا وصار من قلده غيرك إلى موافقة أبي بكر وعمر أو علي وابن عباس أو عائشة وغيرهم دون من قلدته فهلا نصحت نفسك وهديت لرشدك وقلت هذان عالمان كبيران ومع أحدهما من ذكر الصحابة فهو أولى بتقليدي إياه.

ويقال له رابعا: إمام بإمام ويسلم قول الصحابي فيكون أولى بالتقليد.

ويقال له خامسا: إذا جاز أن يظفر من قلدته بعلم خفي على عمر بن الخطاب وعلى علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وذويهم فأحق وأحق وأجوز وأجوز أن يظفر نظيره ومن بعده بعلم خفي عليه هو فإن النسبة بين من قلدته وبين نظيره ومن بعده أقرب أقرب بكثير من النسبة بين من قلدته وبين الصحابة والخفاء على من قلدته أقرب من الخفاء على الصحابة.

ويقال سادسا: إذا سوغت لنفسك مخالفة الأفضل الأعلم لقول المفضول فهلا سوغت لها مخالفة المفضول لمن هو أعلم منه وهل كان الذي ينبغي ويجب إلا عكس ما ارتكبت؟.

ويقال سابعا: هل أنت في تقليد إمامك وإباحة الفروج والدماء والأموال ونقلها عمن هي بيده إلى غيره موافق لأمر الله أو رسوله أو إجماع أمته أو قول أحد من الصحابة فإن قال: "نعم" قال ما يعلم الله ورسوله وجميع العلماء بطلانه وإن قال: "لا" فقد كفانا مؤنته وشهد على نفسه بشهادة الله ورسوله وأهل العلم عليه.

ويقال ثامنا: تقليدك لمتبوعك يحرم عليك تقليده فإنه نهاك عن ذلك وقال: لا يحل لك أن تقول بقوله حتى تعلم من أين قاله ونهاك عن تقليده وتقليد غيره من العلماء فإن كنت مقلدا له في جميع مذهبه فهذا من مذهبه فهلا اتبعته فيه؟.

ويقال تاسعا: هل أنت على بصيرة في أن من قلدته أولى بالصواب من سائر من رغبت عن قوله من الأولين والآخرين أم لست على بصيرة؟ فإن قال: "أنا على بصيرة" قال ما يعلم بطلانه وإن قال: "لست على بصيرة" وهو الحق قيل له: فما عذرك غدا بين يدي الله حين لا ينفعك من قلدته بحسنة واحدة ولا يحمل عنك سيئة واحدة إذا حكمت وأفتيت بين خلقه بما لست على بصيرة منه هل هو صواب أم خطأ؟.

ويقال عاشرا: هل تدعى عصمة متبوعك أو تجوز عليه الخطأ؟ والأول لا سبيل إليه بل تقر ببطلانه فتعين الثاني وإذا جوزت عليه الخطأ فكيف تحلل وتحرم وتوجب وتريق الدماء وتبيح الدماء وتبيح الفروج وتنقل الأموال وتضرب الأبشار يقو من أنت مقر بجواز كونه مخطئا.

ويقال حادي عشر: هل تقول إذا أفتيت أو حكمت بقول من قلدته: إن هذا هو دين الله الذي أرسل به رسوله وأنزل به كتابه وشرعه لعباده ولا دين له سواه أو تقول إن دين الله الذي شرعه لعباده خلافه؟ أو تقول: لا أدري؟ ولا بد لك من قول من هذه الأقوال ولا سبيل لك إلى الأول قطعا فإن دين الله الذي لا دين له سواه لا تسوغ مخالفته وأقل درجات مخالفه أن يكون من الآثمين والثاني لا تدعيه فليس لك ملجأ إلا الثالث فيالله الله العجب كيف تستباح الفروج والدماء والأموال والحقوق وتحلل وتحرم بأمر أحسن أحواله وأفضلها لا أدري؟

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة… وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

ويقال ثاني عشر: على أي شيء كان الناس قبل أن يولد فلان وفلان وفلان الذين قلدتموهم وجعلتم أقوالهم بمنزلة نصوص الشارع؟ وليتكم اقتصرتم على ذلك بل جعلتموها أولى بالاتباع من نصوص الشارع أفكان الناس قبل وجود هؤلاء على هدى أو على ضلالة؟ فلا بد من أن تقروا بأنهم كانوا على هدى فيقال لهم: فما الذي كانوا عليه غير اتباع القرآن والسنن والآثار وتقديم قول الله ورسوله وآثار الصحابة على ما يخالفها والتاحكم إليها دون قول فلان أو رأي فلان وإذا كان هذا هو الهدى فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تؤفكون؟ فإن قالت كل فرقة من المقلدين وكذلك يقولون: صاحبنا هو الذي ثبت على ما مضى عليه السلف واقتفى منهاجهم وسلك سبيلهم قيل لهم: فمن سواه من الأئمة هل شارك صاحبكم في ذلك أو انفرد صاحبكم بالاتباع وحرمه من عداه فلا بد من واحد من الأمرين فإن قالوا بالثاني فهم أضل سبيلا من الأنعام وإن قالوا بالأول فيقال: كيف وقفتم لقبول قول صاحبكم كله ورد قول من هو مثله أو أعلم منه كله فلا يرد لهذا قول ولا يقبل لهذا قول حتى كأن الصواب وقف على صاحبكم والخطأ وقف على من خالفه ولهذا أنتم موكلون بنصرته في كل ما قاله وبالرد على من خالفه في كل ما قاله وهذه حال الفرقة الأخرى معكم.

ويقال ثالث عشر: فمن قلدتموه من الأئمة قد نهوكم عن تقليدهم فأنتم أول مخالف لهم قال الشافعي: "مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري" وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: "لا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه" وقال أحمد: "لا تقلد دينك أحدا".

ويقال رابع عشر: هل أنتم موقنون بأنكم غدا موقوفون بين يدي الله وتسألون عما قضيتم به في دماء عباده وفروجهم وأبشارهم وأموالهم وعما أفتيتم به في دينه محرمين ومحللين وموجبين فمن قولهم: "نحن موقنون بذلك" فيقال لهم: فإذا سألكم "من أين قلتم ذلك" فماذا جوابكم؟ فإن قلتم: جوابنا إنا حللنا وحرمنا وقضينا بما في كتاب الأصل لمحمد بن الحسن مما رواه عن أبي حنيفة وأبي يوسف من رأى واختيار وبما في المدونة من رواية سحنون عن ابن القاسم من رأى واختيار وبما في الأم من رواية الربيع من رأى واختيار وبما في جوابات غير هؤلاء من رأي واختيار وليتكم اقتصرتم على ذلك أو صعدتم إليه أو سمت هممكم نحوه بل نزلتم عن ذلك طبقات فإذا سئلتم: هل فعلتم ذلك عن امري أو أمر رسولي؟ فماذا يكون جوابكم إذا؟ فإن أمكنكم حينئذ أن تقولوا: فعلنا ما أمرتنا به وأمرنا به رسولك فزتم وتخلصتم وإن لم يمكنكم ذلك فلا بد أن تقولوا: لم تامرنا بذلك ولا رسولك ولا أئمتنا ولا بد من أحد الجوابين وكأن قد.

ويقال خامس عشر: إذا نزل عيسى بن مريم إماما عدلا وحكما مقسطا فبمذهب من يحكم؟ وبرأي من يقضي؟ ومعلوم أنه لا يحكم ولا يقضي إلا بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم التي شرعها الله لعباده فذلك الذي يقضى به أحق وأولى الناس به عيسى بن مريم هو الذي أوجب عليكم أن تقضوا به وتفتوا ولا يحل لأحد أن يقضى ولا يفتي بشيء سواه البتة فإن قلتم: نحن وأنتم في هذا السؤال سواء قيل: أجل ولكن نفترق في الجواب فنقول: يا ربنا إنك لتعلم أنا لم نجعل أحدا من الناس عيارا على كلامك وكلام رسولك وكلام أصحاب رسولك ونرد ما تنازعنا فيه إليه ونتحاكم إلى قوله ونقدم أقواله على كلامك وكلام رسولك وكلام أصحاب رسولك وكان الخلق عندنا أهون أن نقدم كلامهم وآراءهم على وحيك بل أفتينا بما وجدناه في كتابك وبما وصل إلينا من سنة رسولك وبما أفتى به أصحاب نبيك وإن عدلنا عن ذلك فخطأ منا لا عمد ولا نتخذ من دونك ولا دون رسولك ولا المؤمنين وليجة ولم نفرق ديننا ونكون شيعا ولم نقطع أمرنا بيننا زبرا وجعلنا أئمتنا قدوة لنا ووسائط بيننا وبين رسولك في نقلهم ما بلغوه إلينا عن رسولك فاتبعناهم في ذلك وقلدناهم فيه إذ أمرتنا أنت وأمرنا رسولك بأن نسمع منهم ونقبل ما بلغوه عنك وعن رسولك فسمعا لك ولرسولك وطاعة ولم نتخذهم أربابا نتحاكم إلى أقوالهم ونخاصم بها ونوالي ونعادي عليها بل عرضنا أقوالهم على كتابك وسنة رسولك فما وافقهما قبلناه وما خالفهما أعرضنا عنه وتركناه وإن كانوا اعلم منا بك وبرسولك فمن وافق قوله قول رسولك كان أعلم منهم في تلك المسألة فهذا جوابنا ونحن نناشدكم الله: هل أنتم كذلك حتى يمكنكم هذا الجواب بين يدي من لا يبدل القول لديه ولا يروج الباطل عليه؟.

ويقال سادس عشر: كل طائفة منكم معاشر طوائف المقلدين قد أنزلت جميع الصحابة من أولهم إلى آخرهم وجميع التابعين من أولهم إلى آخرهم وجميع علماء الأمة من أولهم إلى آخرهم إلا من قلدتموه في مكان من لا يعتد بقوله ولا ينظر في فتاواه ولا يشتغل بها ولا يعتد بها ولا وجه للنظر فيها إلا للتمحل وإعمال الفكر وكده في الرد عليهم إذا خالف قولهم قول متبوعهم وهذا هو المسوغ للرد عليهم عندهم فإذا خالف قول متبوعهم نصا عن الله ورسوله فالواجب التمحل والتكلف في إخراج ذلك النص عن دلالته والتحيل لدفعه بكل طريق حتى يصح قول متبوعهم فيالله لدينه وكتابه وسنة رسوله ولبدعة كادت تثل عرش الإيمان وتهد ركنه لولا أن الله ضمن لهذا الدين أن لا يزال فيه من يتكلم بأعلامه ويذب عنه فمن أسوأ ثناء على الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين وأشد استخفافا بحقوقهم وأقل رعاية لواجبهم وأعظم استهانة بهم ممن لا يلتفت إلى قول رجل واحد منهم ولا إلى فتواه غير صاحبه الذي اتخذه وليجة من دون الله ورسوله؟.

ويقال سابع عشر: من أعجب أمركم أيها المقلدون انكم اعترفتم وأقررتم على أنفسكم بالعجز عن معرفة للحق بدليله من كلام الله وكلام رسوله مع سهولته وقرب مأخذه واستيلائه على أقصى غايات البيان واستحالة التناقض والاختلاف عليه فهو نقل مصدق عن قائل معصوم وقد نصب الله سبحانه الأدلة الظاهرة على الحق وبين لعباده ما يتقون فادعيتم العجز عن معرفة ما نصب عليه الأدلة وتولى بيانه ثم زعمتم أنكم قد عرفتم بالدليل أن صاحبكم أولى بالتقليد من غيره وأنه أعلم الأمة وأفضلها في زمانه وهلم جرا وغلاة كل طائفة منكم توجب اتباعه وتحرم اتباع غيره كما هو في كتب أصولهم فعجبا كل العجب لمن خفي عليه الترجيح فيما نصب الله عليه الأدلة من الحق ولم يهتد إليها واهتدى إلى ان متبوعه أحق وأولى بالصواب ممن عداه ولم ينصب الله على ذلك دليلا واحدا.

ويقال ثامن عشر: أعجب من هذا كله من شأنكم معاشر المقلدين أنكم إذا وجدتم آية من كتاب الله توافق رأي صاحبكم أظهرتم أنكم تأخذون بها والعمدة في نفس الأمر على ما قاله لا على الآية وإذا وجدتم آية نظيرها تخالف قوله لم تأخذوا بها وتطلبتم لها وجوه التأويل وإخراجها عن ظاهرها حيث لم توافق رأيه وهكذا تفعلون في نصوص السنة سواء وإذا وجدتم حديثا صحيحا يوافق قوله أخذتم به وقلتم: "لنا قوله صلى الله عليه وسلم كيت وكيت" وإذا وجدتم مائة حديث صحيح بل وأكثر تخالف قوله لم تلتفتوا إلى حديث منها ولم يكن لكم منها حديث واحد فتقولون: "لنا قوله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا" وإذا وجدتم مرسلا قد وافق رأيه أخذتم به وجعلتموه حجة هناك وإذا وجدتم مائة مرسل تخالف رأيه أطرحتموها كلها من أولها إلى آخرها وقلتم لا نأخذ بالمرسل.

ويقال تاسع عشر: أعجب من هذا كله أنكم إذا أخذتم بالحديث مرسلا كان أو مسندا لموافقته رأي صاحبكم ثم وجدتم فيه حكما يخالف رأيه لم تأخذوا به في ذلك الحكم وهو حديث واحد وكأن الحديث حجة فيما وافق رأي من قلدتموه وليس بحجة فيما خالف رأيه، ولنذكر من هذا طرفا فإنه من عجيب أمرهم.

المقلدون يتضاربون في أقوالهم:
فاحتج طائفة منهم في سلب طهورية الماء المستعمل في رفع الحدث بأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة والمرأة بفضل وضوء الرجل" وقالوا: الماء المنفصل عن أعضائهما هو فضل وضوئهما وخالفوا نفس الحديث: فجوزوا لكل منهما أن يتوضأ بفضل طهور الآخر وهو المقصود بالحديث فإنه نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت بالماء وليس عندهم للخلوة أثر ولا لكون الفضلة فضلة امرأة أثر فخالفوا نفس الحديث الذي احتجوا به وحملوا الحديث على غير محمله إذ فضل الوضوء بيقين هو الماء الذي فضل منه ليس هو الماء المتوضأ به فإن ذلك لا يقال له فضل الوضوء فاحتجوا به فيما لم يرد به وأبطلوا الاحتجاج به فيما أريد به.

ومن ذلك احتجاجهم على نجاسة الماء بالملاقاة وإن لم يتغير بنهيه صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الدائم ثم قالوا: لو بال في الماء الدائم لم ينجسه حتى ينقص عن قلتين.

واحتجوا على نجاسته أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا" ثم قالوا: لو غمسها قبل غسلها لم ينجس الماء ولا يجب عليه غسلها وإن شاءان يغمسها قبل الغسل فعل.

واحتجوا في هذه المسألة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفر الأرض التي بال فيها البائل وإخراج ترابها ثم قالوا: لا يجب حفرها بل لو تركت حتى يبست بالشمس والريح طهرت.

واحتجوا على منع الوضوء بالماء المستعمل بقوله صلى الله عليه وسلم: "يابني عبد المطلب إن الله كره لكم غسالة أيدي الناس" يعني الزكاة ثم قالوا: لا تحرم الزكاة على بني عبد المطلب.

واحتجوا على أن السمك الطافي إذا وقع في الماء لا ينجسه بخلاف غيره من ميتة البر فإنه ينجس الماء بقوله صلى الله عليه وسلم في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" ثم خالفوا هذا الخبر بعينه وقالوا: لا يحل ما مات في البحر من السمك ولا يحل شيء مما فيه أصلا غير السمك.

واحتج أهل الرأي على نجاسة الكلب وولوغه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات" ثم قالوا: لا يجب غسله سبعا بل يغسل مرة ومنهم من قال ثلاثا.

واحتجوا على تفريقهم في النجاسة المغلظة بين قدر الدرهم وغيره بحديث لا يصح من طريق غطيف عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعه "تعاد الصلاة من قدر الدرهم" ثم قالوا: لا تعاد الصلاة من قدر الدرهم.

واحتجوا بحديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة في الزكاة في زيادة الإبل على عشرين ومائة أنها ترد إلى أول الفريضة فيكون في كل خمس شاة وخالفوه في اثنى عشر موضعا منه ثم احتجوا بحديث عمرو بن حزم "أن ما زاد على مائتي درهم فلا شيء فيه حتى يبلغ أربعين فيكون فيها درهم" وخالفوا الحديث بعينه في نص ما فيه في أكثر من خمسة عشر موضعا.

واحتجوا على أن الخيار لا يكون أكثر من ثلاثة أيام بحديث المصراة وهذا من إحدى العجائب فإنهم من أشد الناس إنكارا له ولا يقولون به فإن كان حقا وجب اتباعه وإن لم يكن صحيحا لم يجز الاحتجاج به في تقدير الثلاث مع أنه ليس في الحديث تعرض لخيار الشرط فالذي أريد بالحديث ودل عليه خالفوه والذي احتجوا عليه به لم يدل عليه.

واحتجوا لهذه المسألة أيضا بخبر حبان بن منقذ الذي كان يغبن في البيع فجعل له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثة أيام وخالفوا الخبر كله فلم يثبتوا الخيار بالغبن ولو كان يساوي عشر معشار ما بذله فيه وسواء قال المشتري: "لا خلابة" أو لم يقل وسواء غبن قليلا أو كثيرا لا خيار له في ذلك كله.

واحتجوا في إيجاب الكفارة على من أفطر في نهار رمضان بأن في بعض ألفاظ الحديث أن رجلا أفطر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفر ثم خالفوا هذا اللفظ بعينه فقالوا: إن استف دقيقا أو بلع عجينا أو أهليلجا أو طيبا أفطر ولا كفارة عليه.

واحتجوا على وجوب القضاء على من تعمد القيء بحديث أبي هريرة ثم خالفوا الحديث بعينه فقالوا: إن تقيأ أقل من ملء فيه فلا قضاء عليه.

واحتجوا على تحديد مسافة الفطر والقصر بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع زوج أو ذي محرم" وهذا مع أنه لادليل فيه البتة على ما ادعوه فقد خالفوه نفسه فقالوا: يجوز للممولكة والمكاتبة وأم الولد السفر مع غير زوج ومحرم".

واحتجوا على منع المحرم من تغطية وجهه بحديث ابن عباس في الذي وقصته ناقته وهو محرم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" وهذا من العجب فإنهم يقولون: إذا مات المحرم جاز تغطية رأسه ووجهه وقد بطل إحرامه.

واحتجوا على إيجاب الجزاء على من قتل ضبعا في الإحرام بحديث جابر أنه أفتى بأكلها وبالجزاء على قاتلها وأسند إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خالفوا الحديث بعينه فقالوا: لا يحل أكلها.

واحتجوا فيمن وجبت عليه ابنة مخاض فأعطى ابنة لبون تساوي ابنة مخاض أو حمارا يساويها أنه يجزئه بحديث أنس الصحيح وفيه "من وجبت عليه ابنة مخاض وليست عنده وعنده ابنة لبون فإنها تؤخذ منه ويرد عليه الساعي شاتين أو عشرين درهما" وهذا من العجب فإنهم لا يقولون بما دل عليه الحديث من تعيين ذلك ويستدلون به على ما لم يدل عليه بوجه ولا أريد به.

واحتجوا على إسقاط الحدود في دار الحرب إذا فعل المسلم أسبابها بحديث لا تقطع الأيدي في الغزو وفي لفظ "في السفر" ولم يقولوا بالحديث فإن عندهم لا أثر للسفر ولا للغزو في ذلك.

واحتجوا في إيجاب الأضحية بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بالأضحية وأن يطعم منها الجار والسائل" فقالوا: لا يجب أن يطعم منها جار ولا سائل.

واحتجوا في إباحة ما ذبحه غاصب أو ساق بالخبر الذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعى إلى الطعام مع رهط من أصحابه فلما أخذ لقمة قال: إني أجد لحم شاة أخذت بغير حق" فقالت المرأة: يا رسول الله إني أخذتها من امرأة فلان بغير علم زوجها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطعم الأسارى" وقد خالفوا هذا الحديث فقالوا: ذبيحة الغاصب حلال ولا تحرم على المسلمين.

واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "جرح العجماء جبار" في إسقاط الضمان بجناية المواشي ثم خالفوه فيما يدل عليه وأريد به فقالوا: من ركب دابة أو قادها أو ساقها فهو ضامن لمن عضت بفمها ولا ضمان عليه فيما أتلفت برجلها.

واحتجوا على تأخير القود إلى حين البرء بالحديث المشهور "أن رجلا طعن آخر في ركبته بقرن فطلب القود فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يبرأ فأبى فأقادته قبل أن يبرأ" الحديث وخالفوه في القصاص من الطعنة فقالوا: لا يقتص منها.

واحتجوا على إسقاط الحد عن الزاني بأمة ابنه أو أم ولده بقوله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك وخالفوه فيما دل عليه فقالوا ليس للأب من مال ابنه شيء البتة ولم يبيحوا له من مال ابنه عود أراك فما فوقه وأوجبوا حبسه في دينه وضمان ما أتلفه عليه.

واحتجوا على أن الإمام يكبر إذا قال المقيم: "قد قامت الصلاة" بحديث بلال أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقني بآمين" وبقول أبي هريرة لمروان: "لا تسبقني بآمين" ثم خالفوا الخبر جهارا فقالوا: لا يؤمن الإمام ولا المأموم.

واحتجوا على وجوب مسح ربع الرأس بحديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مسح بناصيته وعمامته" ثم خالفوه فيما دل عليه فقالوا: لا يجوز المسح على العمامة ولا أثر للمسح عليها البتة فإن الفرض سقط بالناصية والمسح على العمامة غير واجب ولا مستحب عندهم.

واحتجوا لقولهم في استحباب مساوقة الإمام بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" قالوا: والائتمام به يقتضي أن يفعل مثل فعله سواء ثم خالفوا الحديث فيما دل عليه فإن فيه "فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون".
يتبع إن شاء الله...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
داعية الخير
المدير العام
المدير العام
داعية الخير


وسام المدير العام
الدولة : مصر
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين C13e6510
انثى
عدد المساهمات : 24384
تاريخ التسجيل : 25/08/2011
العمر : 53
المزاج المزاج : ولله الحمد

 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين    تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15الأربعاء أبريل 13, 2016 10:28 am

وتنقسم علوم الحديث أجمالا الى قسمين:
علم رواية: ومجالة معرفة ما نسب للرسول او من هم دونة من الصحابة والتابعين من حيث متنة خاصة.

وعلم دراية:
هو علم بأصول وقواعد يتوصل بها إلى معرفة الصحيح والحسن والضعيف، وأقسام كل منها، وما يتصل بذلك من معرفة معنى الرواية وشروطها وأقسامها.

وحال الرواة وشروطهم, والجرح والتعديل, وتاريخ الرواة ومواليدهم ووفياتهم, والناسخ والمنسوخ ومختلف الحديث وغريبه إلى غير ذلك من المباحث المتعلقة بالحديث.

وعلى هذا يمكن تعريف مصطلح الحديث بانه:
علم بقوانين يعرف به أحوال السند والمتن وموضوعه السند والمتن هكذا عرفه الشيخ عز الدين بن جماعة وغيره وقال الحافظ ابن حجر: هو معرفة القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي أو هو علم بأصول وقواعد يعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول والرد.

و ثمرته:
تمييز الصحيح من السقيم من الأحاديث.

وله جانبين الجانب الأصطلاحى فى معرفة معنى قول الأمام او المحدث على هذا السند ضعيف أو منقطع او معضل أو حسن...  الخ.

وجانب تأصيلى بعد أن عرفنا مقصد المحدث من مصطلح ضعيف وصحيح الخ فهل هذا الحديث يعد من المقبول ام المردود.

وغايته: حفظ السنة النبوية المشرفة من أن يدخل فيها ما ليس منها وصيانتها من الكذب.

نشاة علم المصطلح
قال سبحانة وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} ( 6) سورة الحجرات، فأمر الله عز وجل بالتثبت فى النقل وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم فكانت بواكير هذا العلم فى عهد النبوة وتثبت الصحابة رضوان الله عليهم واشتدوا في أمر الرواية صيانة للدين وحفظا للشريعة وكانوا يطلبون من الراوي أن يأتي لهم بشاهد على ما يرويه كما سبق وقصصنا عن أبى بكر وعمر رضى الله عنهما.

ولما قامت الفتنة بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه اشتدوا أكثر في أمر الرواية، حتى لا تؤدي الفتنة إلى إفشاء الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتكلم من الصحابة كثير في أمر الرواية والجرح والتعديل، فتكلم أنس بن مالك، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وأم المؤمنين عائشة وغيرهم، رضي الله عنهم أجمعين.

ثم توالت حلقات هذا العلم، فتكلم عن بعض قواعده، من التابعين سعيد بن المسيب، والشعبي، والحسن البصري، وابن سيرين، وغيرهم أيضا كثير.

وتكلم من بعد ذلك أناس غيرهم، كالإمام مالك بن أنس والزهري، وسليمان التيمي، وغيرهم أيضا كثير.

وتجد قواعد هذا العلم مبثوثة بين ثنايا أقوالهم، التي نقلت عنهم وحفظتها لنا بطون الكتب الموجودة بين أيدينا الآن و تحولت التعبيرات التى استخدموها للتعبير عن حال الرواية او الرواى الى مصطلحات ذات دلالة عرفية عند أهل الحديث والمشتغلين به.

وقد أرخ بداية نشوء هذين العلمين (علم الإسناد وعلم الجرح والعديل) من علوم الحديث، أحد أئمة التابعين، وهو محمد بن سيرين (ت 110هـ)، عندما قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم.

فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر على أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم أخرجه الإمام أحمد في العلل، ومسلم في مقدمة صحيحه.

علم المصطلح في القرنين الثاني والثالث:
وجاءت مرحلة أخرى تلي ذلك دخل فيها علم أصول الحديث طوراً جديداً من أطوار تكوينه وتطوره، وذلك بتدوين بعض مباحثه بين طيات كتب العلماء، فممَّنْ كتب في بعض موضوعاته في ثنايا مؤلفاته الإمام الشافعي المتوفي سنة 204هـ، رضي الله تعالى عنه، حيث تكلم في كتابيه: الرسالة والأم عن بيان السنة والقرآن الكريم، وعن الاحتجاج بالسنة وعن حجية خبر الواحد، وشرط الحفظ في الراوي، وقبول رواية المدلس إذا صرح بالسماع وغير ذلك.

وتكلم البخاري سنة 256هـ في صحيحه وتواريخه عن بعض مباحث هذا العلم، كما تعرض الإمام مسلم رحمه الله تعالى المتوفي سنة 261هـ في مقدمة صحيحه لبعض مباحث هذا الفن، ونقل تلاميذ الإمام أحمد عنه كثيراً من آرائه المتعلقة بموضوعات علم المصطلح، وسنن الترمذي المتوفي سنة 279هـ أيضا حديث عن بعض قواعد علوم الحديث، ثم تلت ذلك حقبة أخرى دخل فيها هذا خصيصا لعلم مصطلح الحديث.

علم المصطلح بعد القرن الثالث:
ويستعرض الحافظ ابن حجر العسقلاني تلك المرحلة فيقول: فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث، قد كثرت للأئمة في القديم والحديث فمن أول من صنف في ذلك: القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه: "المحدث الفاصل"، لكنه لم يستوعب.

والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، لكنه لم يهذب، ولم يرتب.

وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجاً وأبقى أشياء للمتعقب.

ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف في قوانين الرواية كتاباً سمَّاه: "الكفاية"، وفي آدابها كتاباً سماه: "الجامع لآداب الشيخ والسامع"، وقل فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتاباً مفرداً؛ فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه.

ثم جاء بعض من تأخر عن الخطيب، فأخذ من هذا العلم بنصيب.

فجمع القاضي عياض كتاباً لطيفاً سمَّاه: الألماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع.

وأبو حفص الميانجي جزءاً سمَّاه: "ما لا يسع المحدث جهله". 



وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت، وبسطت؛ ليتوفر علمها، واختصرت؛ ليتيسر فهمها.

إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح بن عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق فجمع -لما ولِّيَّ تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية- كتابه المشهور، فهذب فنونه، وأملاه شيئاً بعد شيء؛ فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المتناسب، واعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة، فجمع شتات مقاصدها، وضم إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره؛ فلهذا عكف الناس عليه، وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر.



وقال أيضاً: إلا أنه لم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب: بأن يذكر ما يتعلق بالمتن وحده, وما يتعلق بالسند وحده, وما يشتركان فيه معاً وما يختص بكيفية التحمل والأداء وحده, وما يختص بصفات الرواة وحده لأنه جمع متفرقات هذا الفن من كتب مطولة في هذا الحجم اللطيف, ورأى أن تحصيله وإلقاءه إلى طالبيه أهم من تأخير ذلك, إلى أن تحصل العناية التامة بحسن ترتيبه.

وقد اعتنى العلماء بكتاب "ابن الصلاح"، وسار في فلكه جل ما ألف بعده في علوم الحديث.

فمنهم من نظمه, ومنهم من أختصره, ومنهم من اقتصر على بعض ما جاء فيه, ومنهم من استدرك عليه بعض ما فاته, ومنهم من انتصر له ونافح عنه.

فمن نظمه الحافظ "أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي" المتوفى سنة 806هـ في كتابه "ألفية الحديث" وشرحها هو بنفسه، وكذلك شرحها بعده الحافظ "السخاوي" في شرح جيد وهو أحسن شروحها.


وممن اختصره الإمام الحافظ "أبو زكريا محيي الدين النووي" المتوفى سنة 676هـ في كتاب سمَّاه "الإرشاد" ثم اختصر المختصر في كتاب سماه " التقريب.

وقد شرح كتاب ابن الصلاح الحافظ "العراقي"، وهو شرح نفيس قيم له فيه عليه إيضاحات وتفسيرات وتقييدات وزيادات, وقد سمَّاه "التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من علوم ابن الصلاح".

وقد تبعه على هذا الترتيب جماعة, منهم وابن كثير, والعراقي, والبلقيني, وغيره جماعة, كابن جماعة, والتبريزي والطيبي,
والزركشى.

وبعد ذلك ظهرت مؤلفات هامة متعددة منها:
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، صنفه جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911هـ، وهو شرح لكتاب تقريب النواوي كما هو واضح من اسمه، جمع فيه مؤلفه من الفوائد الكثير.

نظم الدرر في علم الأثر:
صنفها زين الدين عبدالرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806هـ ومشهورة باسم "ألفية العراقي" نظم فيها "علوم الحديث" لابن الصلاح، وزاد عليه وهي جيدة غزيرة الفوائد وعليها شروح متعددة، منها شرحان للمؤلف نفسه.

فتح المغيث في شرح ألفية الحديث:
صنفه محمد بن عبدالرحمن السخاوي المتوفى سنة 902هـ، وهو شرح على ألفية العراقي، وهو من أوفى شروح الألفية وأجودها.

نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر:
صنفه الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ، وهو جزء صغير مختصر جد اً، لكنه من انفع المختصرات وأجودها ترتيب اً، ابتكر فيه مؤلفه طريقة في الترتيب والتقسيم لم يسبق إليها، وقد شرحه مؤلفه بشرح سمَّاه "نزهة النظر" كما شرحه غيره.

المنظومة البيقونية.
صنفها عمر بن محمد البيقوني المتوفى سنة 1080هـ، وهي من المنظومات المختصرة، إذ لا تتجاوز أربعة وثلاثين بيتاً، وتعتبر من المختصرات النافعة المشهورة، وعليها شروح متعددة.

وهكذا أدت الحاجة الى حفظ السنة النبوية المشرفة وتبليغها للأجيال القادمة الى بناء هذا البنيان من العلوم التى تميز بها الاسلام دون غيره ألا وهو الإسناد وعلومه، التي أطلق عليها بعد ذلك علوم الحديث وأصوله.

الحديث من حيث عدد رواتة

الخبر المتواتر:
لغةً: هو اسم فاعل مشتق من المتواتر أي التتابع، تقول تواتر المطر أي تتابع نزوله.

اصطلاحاً: ما رواه عدد كثير يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب.

أي هو الحديث أو الخبر الذي يرويه في كل طبقة من طبقات سنده رواة كثيرون يحكم العقل عادة باستحالة أن يكون أولئك الرواة قد اتفقوا على اختلاق هذا الخبر.

شروط المتواتر:
-1 أن يرويه عدد كبير على خلاف على عدد وقيل عشرة.

-2 أن تتوافر الكثرة فى كافة طبقات السند.
-3 أن تحيل العادة دون تواطؤهم على الكذب.
-4 أن يكون مستند خبرهم الحس.


كقولهم سمعنا أو رأينا أو لمسنا أو... أما إن كان مستند خبرهم العقل، كالقول بحدوث العالم مثلاً فلا يسمي الخبر حينئذ متواتراً.

حكمه:
المتواتر يفيد العلم الضروري، أي اليقيني الذي يضطر الإنسان إلى التصديق به تصديقاً جازماً كمن يشاهد الأمر بنفسه كيف لا يتردد في تصديقه، فكذلك الخبر المتواتر.

لذلك كان المتواتر كله مقبولا ولا حاجة إلى البحث عن أحوال رواته.

وقال بعضهم:
لا يفيد العلم إلا نظرياً قال الحافظ ابن حجر: وليس بشيء لأن العلم بالمتواتر حاصل لمن ليس له أهلية النظر كالعامي إذ النظر ترتب أمور معلومة أو مظنونة ليتوصل بها إلى علوم أو ظنون وليس في العامي أهلية ذلك فلو كان نظريا لما حصل لهم، ولاح بهذا التقرير الفرق بين العلم الضروري والعلم النظري, إذ الضروري يفيد العلم بلا استدلال، والنظري يفيده لكن مع الاستدلال على الإفادة وأن الضروري يحصل لكل سامع والنظري لا يحصل إلا لمن فيه أهلية النظر والاستدلال.

وقد خالف في إفادة المتواتر العلم بعض شواذ الرأى قال الآمدي في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام": واتفق الكل على أن خبر المتواتر يفيد العلم خلافا للسمنية والبراهمة في قولهم: لا علم في غير الضروريات إلا بالحواس دون الأخبار وغيرها ودليل ذلك ما يجده كل عاقل من نفسه من العلم الضروري بالبلاد النائية والأمم السابقة والقرون الخالية والملوك والأنبياء والأئمة والفضلاء المشهورين والوقائع الجارية بين السلف الماضية بما يرد علينا من الأخبار حسب وجداننا كالعلم بالمحسوسات عند إدراكنا لها بالحواس ومن أنكر ذلك فقد سقطت مكالمته وظهر جنونه.

هل يعتبر التواتر فى أخبار اهل الكتاب كالأخبار على قتل اليهود لعيسى عليه السلام وصلبه؟
مرويات اهل الكتاب عامة قد تكون لها حجية نسبية إن لم تخالف أصلاً شرعياً أقوى منها وكلامهم عن عيسى عليه السلام يعارض القران الكريم المتواتر قطعاً قال تعالى: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله اليه وكان الله عزيزاً حكيماً) بينما لم يتحقق التواتر فى روايتهم فى الطبقة الاولى ولا الثانية على افتراض عدالة الرواة فلا يمكن ان يحتج بتواترهم المزعوم بعد ذلك بإزاء دليل قطعى من الكتاب او السنه بل والقياس عليهما حتى، فليس المراد بالتواتر الكثرة.

أقسامه:
ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين هما، لفظي ومعنوي.

المتواتر اللفظي:
هو ما تواتر لفظه ومعناه، مثل حديث "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" رواه بضعة وسبعون صحابياً.

المتواتر المعنوي:
هو ما تواتر معناه دون لفظه وهذا هو الأغلب فى المتواتر، مثل: أحاديث رفع اليدين في الدعاء.

ويوجد عدد لا بأس به من الأحاديث المتواترة، منها حديث الحوض، وحديث المسح على الخفين، وحديث رفع اليدين في الصلاة وحديث نضر الله امرأً، وغيرها وهى قليلة جداً بالنسبة لأحاديث الاحاد و قد ادعى ابن حبان ومن تبعه عدم وجود المتواتر من الحديث وقال ابن الصلاح ما خلاصته: "إن مثال المتواتر على التفسير المتقدم يعز وجوده إلا أن يدعي ذلك في حديث: "مَنْ كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" وذهب العراقي والحافظ ابن حجر وغيرهما من أئمة الحديث إلى وجود المتواتر لفظاً أو معنى وجود كثرة وقد رد الحافظ ابن حجر على مَنْ قال بالقلة أو العدم فقال: "وما ادعاه من العزة ممنوع، وكذا ما ادعاه غيره من العدم به؛ لأن ذلك نشأ عن قلة الاطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطئوا على الكذب أو يحصل منهم اتفاقاً ومن أحسن ما يقرر به كونه المتواتر موجوداً وجود كثرة في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث وتعددت طرقه تعدداً تحيل العادة تواطؤهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني إلى قائله ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير.

وقد ذهب بعض المحققين إلى أن النزاع لفظي:
فمَنْ جزم بوجود المتواتر فيما يروي أراد المتواتر المعنوي كما يظهر من الأدلة التي ذكروها: ومن جزم بعدمه أو ندرته أراد المتواتر اللفظي.

أشهر المصنفات فيه:
لقد اعتني العلماء بجمع الأحاديث المتواترة وجعلها في مصنف مستقل ليسهل الرجوع إليها.

فمن تلك المصنفات:
- الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: للسيوطي، وهو مرتب على الأبواب.

- قطف الأزهار للسيوطي أيضاً، وهو تلخيص للكتاب السابق.

- نظم المتناثر من الحديث المتواتر: لمحمد بن جعفر الكتانى.

خبر الآحاد:
لغة: الآحاد جمع أحد بمعني الواحد، وخبر الواحد هو ما يرويه شخص واحد.

اصطلاحاً: هو ما لم يجمع شروط المتواتر فيشمل ما رواه واحد في طبقة أو في جميع الطبقات، وما رواه اثنان وما رواه ثلاثة فصاعدا ما لم يصل إلى عدد التواتر.

حكمه:
يفيد العلم النظري، أي العلم المتوقف على النظر والاستدلال.

يقسم خبر الآحاد بالنسبة إلى عدد طرقه إلى ثلاثة أقسام:
مشهور وعزيز وغريب.

- المشهور:
تعريفه: لغة: هو اسم مفعول من"شهرت الأمر" إذا أعلنته وأظهرته وسمى بذلك لظهوره.

اصطلاحاً: ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة ما لم يبلغ حد التواتر.

ومثاله حديث: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه...".

المستفيض:
لغة: اسم فاعل من "استفاض" مشتق من فاض الماء وسمى بذلك لانتشاره.

اصطلاحاً: اختلف في تعريفه على ثلاثة أقوال وهي: هو مرادف للمشهور.

هو أخص منه، لأنه يشترط في المستفيض أن يستوي طرفا إسناده، ولا يشترط ذلك في المشهور.

هو أعم منه أي عكس القول الثاني.

المشهور غير الاصطلاحي:
ويقصد به ما اشتهر على الألسنة من غير شروط تعتبر فيشمل ما له إسناد واحد، وما له أكثر من إسناد، وما لا يوجد له إسناد أصلاً.

وله انواع كثيرة أشهرها المشهور بين أهل الحديث خاصة: ومثاله حديث أنس "أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قنت شهراً بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان".

مشهور بين أهل الحديث والعلماء والعوام:
مثاله "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

مشهور بين الفقهاء:
مثاله حديث "أبغض الحلال إلى الله الطلاق".

مشهور بين الأصوليين: مثاله حديث "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" صححه ابن حبان والحاكم.

مشهور بين النحاة: مثاله حديث "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصهِ" لا أصل له.

مشهور بين العامة: مثاله حديث "العجلة من الشيطان" أخرجه الترمذي وحسنه وقد صنف فى هذا النوع مؤلفات عديدة منها المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة للسخاوي، وكشف الخفاء، ومزيل الإلباس فيما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس للعجلوني، وتمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث لابن الديبغ الشيباني.

حكم المشهور:
المشهور الاصطلاحي وغير الاصطلاحي لا يوصف بكونه صحيحاً أو غير صحيح، بل منه الصحيح ومنه الحسن، والضعيف بل والموضوع، لكن إن صح المشهور الاصطلاحي فتكون له ميزة ترجحه على العزيز والغريب.

العزيز:
تعريفه: لغة: هو صفة مشبهة من "عز يعز" بالكسر أي قل وندر وسمي بذلك إما لقلة وجوده وندرته، وإما لقوته بمجيئه من طريق
آخر.

ب- اصطلاحاً: أن لا يقل رواته عن اثنين في جميع طبقات السند بمعني أن لا يوجد في طبقة من طبقات السند أقل من اثنين أما إن وجد في بعض طبقات السند ثلاثة فأكثر فلا يضر، بشرط أن تبقي ولو طبقة واحدة فيها اثنان، لأن العبرة لأقل طبقة من طبقات السند.

هذا التعريف هو الراجح كما حرره الحافظ ابن حجر وقال بعض العلماء: إن العزيز هو رواية اثنين أو ثلاثة، فلم يفصلوه عن المشهور في بعض صوره.

مثاله ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة والشيخان من حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين", فقد رواه من الصحابة أنس وأبو هريرة ورواه عن أنس اثنان: قتادة، وعبد العزيز بن صهيب ورواه عن قتادة اثنان: شعبة، وسعيد، ورواه عن عبد العزيز اثنان: إسماعيل بن علية، وعبد الوارث ورواه عن كل منهما جماعة.

الغريب:
تعريفه: لغة: هو صفة مشبهة، بمعنى المنفرد، أو البعيد عن أقاربه.

اصطلاحاً: هو ما ينفرد بروايته راوٍ واحد، إما في كل طبقة من طبقات السند، أو في بعض طبقات السند ولو في طبقة واحدة ولا تضر الزيادة عن واحد في باقي طبقات السند، لأن العبرة للأقل يقسم الغريب بالنسبة لموضع التفرد فيه إلى قسمين هما "غريب مطلق" و "غريب نسبى".

الغريب المطلق - أو الفرد المطلق:
وهو ما كانت الغرابة في أصل سنده، أي ما ينفرد بروايته شخص واحد في أصل سنده كحديث أنما الأعمال بالنيات لم يروى صحيحاً الا عن عمر بن الخطاب تفرد به وقد يستمر التفرد إلى آخر السند وقد يرويه عن ذلك المتفرد عدد من الرواة.

الغريب النسبي - أو الفرد النسبي:
تعريفه: هو ما كانت الغرابة في أثناء سنده أي أن يرويه أكثر من راو في أصل سنده ثم ينفرد بروايته راو واحد عن أولئك الرواة.

مثاله: حديث "مالك عن الزهري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر". تفرد به مالك عن الزهري.

سبب التسمية:
وسمى هذا القسم: "الغريب النسبي" لأن التفرد وقع فيه بالنسبة إلى شخص معين.

وهناك أنواع من الغرابة أو التفرد يمكن اعتبارها من الغريب النسبي، لأن الغرابة فيها ليست مطلقة وإنما حصلت الغرابة فيها بالنسبة إلى شيء معين.

وهذه الأنواع هي:
- تفرد ثقة برواية الحديث: كقولهم: لم يروه ثقة إلا فلان.

- تفرد راو معين عن راو معين: كقولهم: "تفرد به فلان عن فلان" وإن كان مروياً من وجوه أخرى عن غيره.

- تفرد أهل بلد أو أهل جهة: كقولهم "تفرد به أهل مكة أو أهل الشام".

- تفرد أهل بلد أو جهة عن أهل بلد أو جهة أخرى: كقولهم: "تفرد به أهل البصرة عن أهل المدينة، أو تفرد به أهل الشام عن أهل الحجاز.

وقد قسم العلماء الغريب من حيث غرابة السند أو المتن إلى:
غريب متناً وإسناداً: وهو الحديث الذي تفرد برواية متنه راو واحد.

غريب إسناداً لا متناً: كحديث روى متنه جماعة من الصحابة، انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر، وفيه يقول الترمذي: غريب من هذا الوجه.

تقسيم خبر الآحاد بالنسبة إلى قوته وضعفه:
ينقسم خبر الآحاد من مشهور وعزيز وغريب بالنسبة إلى قوته وضعفه إلى قسمين وهما:

مقبول:
وهو ما ترجح صدق المخبر به وحكمه: وجوب الاحتجاج والعمل به.

مردود:
وهو ما لم يترجح صِدق المخبرِ به، وحكمه: أنه لا يحتج به ولا يجب العمل به.

وتقسيم السنة الى متواتر وآحاد مبحث أصولى أصلاً ولم يأت به رجال الحديث ذلك انهم يقسمون الحديث إلى مقبول ومردود ولكن التقسيمات الأخرى كالآحاد والمتواتر والمشهور عند الحنفية كانت لبيان مدى حجية الاحاديث والتى تختلف بحسب المذهب وشروطه.

تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله:
قسم العلماء الحديث من هذه الحيثية إلى ثلاثة أقسام: المرفوع، والموقوف، والمقطوع.

المرفوع:

عرفه جمهور المحدثين بأنه ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفة خِلقية أو خُلقية وسواء أكان متصلاً أم منقطعاً أم مرسلاً، وإذا أطلق المرفوع لا ينصرف إلا إلى المضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعرَّفه الخطيب البغدادي فقال: هو ما أخبر فيه الصحابي عن قول رسول الله أو فعله أو تقريره أو صفته وعلى تعريف الخطيب لا يكون المرفوع مرسلاً وهو ما سقط من سنده الصحابي.

الموقوف:
هو ما روي عن الصحابة -رضوان الله عليهم- من أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم متصلاً كان إسناده أو منقطعاً, وإذا ذكر الموقوف من غير تقييد أريد به الموقوف على الصحابي, أما استعماله في غير الصحابي فلا يكون إلا مقيداً فيُقال مثلاً وقفه مالك عن نافع أو هذا موقوف على الزهري، ونافع والزهري تابعيان.

ومن العلماء مَنْ لا يدخل التقرير في الموقوف، لأن تقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة بخلاف تقرير الصحابي فليس بحجة.

وأما فقهاء خراسان فيسمون الموقوف أثراً قال أبو القاسم الفوراني منهم: "الخبر ما كان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأثر: ما كان عن الصحابي، وهو اصطلاح خاص لهم، ومن ثم يسمى كثير من العلماء الكتب الجامعة لما جاء عن النبي وما جاء عن الصحابة "السنن والآثار" ككتابي البيهقي والطحاوي.

المقطوع:
هو ما جاء عن التابعين موقوفاً عليهم من أقوالهم وأفعالهم وألحق الحافظ ابن حجر في شرح النخبة بالمقطوع الموقوف على من بعد التابعين من اتباع التابعين فمن بعدهم وإن شئت قلت: موقوف على فلان.

وجمهور المحدثين والفقهاء إن المقطوع غير المنقطع فالأول من صفات المتن والثاني من صفات الإسناد وربما وقع في كلام بعض العلماء إطلاق المقطوع على المنقطع وبالعكس ومن هؤلاء الشافعي والحميدي والدارقطني والطبراني وهو تجوز وتوسع في الاصطلاح وإن كان يعتذر عن الإمام الشافعي بأن استعماله قبل استقرار الاصطلاح كقوله في بعض الأحاديث حسن وهو على شرط الشيخين أي صحيح في غاية الصحة.

اشتراك هذه الثلاثة في الصحيح والحسن والضعيف:
وهذه الأقسام الثلاثة تشترك في الصحة والحسن والضعف فما اجتمع فيه شروط الصحة منها فهو صحيح وما رواه اجتمع فيه شروط الحسن فهو حسن وما فقد شرط من شروط الصحيح والحسن فهو ضعيف.

أما ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحيحاً كان أم حسنا فهو حجة باتفاق من يعتد به من العلماء.

وأما ما ثبت عن الصحابة صحيحاً كان أم حسناً فإن أجمعوا عليه كان إجماعاً وحجة، وأما ما اختلفوا فيه فالجمهور على أنه حجة ويتخير منه ما كان أقرب إلى القرآن والسنة وخالف في حجيته البعض.

وأما ما ثبت عن التابعين ففيه خلاف من الأئمة من احتج به ومنهم مَنْ لم يحتج، ومما ذكرناه تبين سبب اعتناء بعض جامعي الأحاديث بجمع الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين.

هذا وقد خرَّج الإمام البخاري بعض الآثار الموقوفة والمقطوعة في تراجم صحيحه لا في أصل كتابه تعليقا ومنها ما هو صحيح ومنها ما ليس بصحيح.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الشمس.
مستشاري الادارة
نور الشمس.


وسام شعلة المنتدى
الدولة : مصر
 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين C13e6510
عدد المساهمات : 2750
تاريخ التسجيل : 10/07/2013

 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين    تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين I_icon15الخميس أبريل 14, 2016 9:56 am

 تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين 384041_1446647630
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تعريف بعلوم الحديث لغير المختصين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تعريف الحديث المرسل
» كيف أبدأ في طلب علم الحديث ؟
» في رحاب الحديث النبوي
» شروط الحديث الصحيح
» تعريف عام بالدين الإسلامى (1)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ملتقى الاحبة في الله__…ـ-*™£آلمـنـتــدي مع رسولنا الحبيب £™*-ـ…_ :: ۞{ملتقى الحديث النبوي الشريف }۞-
انتقل الى: