طيب الكلام ،،، من طيب المقام فاقرأ لهؤلاء الأعلام
أحبابي الفضلاء
أبو حمزة السكري رحمه الله ( هو محمد بن ميمون ) كان أحد الرواة من طبقة سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، وهو من الرواة عن الأعمش رحمه الله، وهو راوٍ ثقة،
وإنما قيل له: السكري لحلاوة كلامه، كان كلامه كالسكر.
فمن ضمن كلام أبي حمزة رحمة الله عليه، ونحن أمة مليئة بالعظماء، فهذا أبو حمزة لا يعرفه أحد، كثير من الناس لا يعرفون أبا حمزة السكري، وقلامة ظفر أبي حمزة بكل العظماء الذين يلمعونهم في الغرب لنا، في علم الاجتماع، وعلم الفلسفة، وعلم النفس، يريدون أن يقنعونا أن هؤلاء الناس عظماء.
هؤلاء العظماء الذين يلمعونهم في الغرب عندما تأتي تبحث عن سيرتهم تجد الذي كان شاذاً جنسياً، والذي كان يلاط به ويلوط، والذي يريد أن يرفعه لأجل أن يجعل له قيمة، نحن أمة كلها عظماء، عندنا ألوف مؤلفة من العظماء.
فهذا أبو حمزة السكري كان يقول: (ما مرض جار لي قط إلا قومت نفقته في مرضه، وتصدقت بها أن عافاني الله مما ابتلاه به) أي: إذا مرض جاره، وذهب للطبيب فأعطاه أدوية بقيمة أربعة آلاف درهم أو خمسة آلاف درهم تصدق بهذا القدر.
انظر العظمة! كان ممكن إذا مرض أن ينفق هذه العشرة آلاف درهم على المرض، طيب! ما رأيك أنه قد لا يؤجر على العشرة آلاف درهم لماذا؟ لأن التداوي ليس بواجب، بل هو مباح، فلو أن رجلاً مرض فأبى أن يتداوى، لا أثم عليه، وليس واجباً.
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما مرض قالوا: (نأتيك بطبيب؟ قال: الطبيب نظر إلي، فقال: إني فعال لما أريد) فترك التداوي جائز.
فأنت إذا أنفقت على رفع العلة تنفق على شيء جائز، فلا يكون التداوي واجباً إلا إذا انضاف شيء آخر كأن يكون مرضك يؤثر في القيام بواجب معين، فحينئذ قد يرت قي التداوي إلى درجة الوجوب، ليس لذاته ولكن لغيره.
فيقوم هو يتصدق، فالصدقة هذه مقبولة، فيها شكر لله عز وجل مع أن فيه هذا المرض.
وذات مرة أراد جار أبي حمزة أن يبيع داره، فجاءه المشتري، فقال له: بكم تبيع هذه الدار؟ قال: أبيعها بألفين لثمن الدار، وبألفين لجوار أبي حمزة.
فبلغ ذلك أبا حمزة فأرسل إليه أربعة آلاف درهم، وقال له: لا تبع الدار.
انظر علماءنا! كان كلامهم جميلاً، عندما تقرأ ترجمة أبي حمزة السكري تستمتع، وهذا رجل غير معروف، فكيف بعلمائنا العظام الكبار الذين هم مشهورون بيننا؟ تجد سيرتهم أطيب وأطيب؛ لأن الكل كان يحرص على نقل سيرتهم، فمثلاً: الرواة الذين لا تعرفهم الجماهير الحسن بن صالح بن حي، وله أخ كان اسمه علي بن صالح بن حي، وكلاهما ثقة، وعلي هو أوثق الرجلين، والاثنان توأم، فهذا علي لم يكن يمشي أمام أخيه أبداً، ولا يتقدمه، ولا يجلس قبله، فسئل: فقال: هو أكبر مني، أتى الدنيا قبلي.
انظر إلى الاحترام! هو جاء إلى الدنيا قبله بدقيقة واحدة، فما كان يمشي أمامه، ولا يجلس قبله، وهو الذي كان يخدمه، وكان علي بن صالح والحسن هؤلاء لهم أم، فكانوا يقسمون الليل أثلاثاً: الحسن يقوم الثلث الأول، وعلي يقوم الثلث الثاني، وأمهم تقوم الثلث الآخر، ماتت أمهم فقسما الليل بينهم، ثم مات الحسن فقام علي بالليل كله.
وكان لهم جارية -وهذا الخبر رواه العجلي في كتاب الثقات في ترجمة الحسن بن صالح - ثم باعوها، فاشتراها رجل، وفي الليلة التي اشتراها الرجل فيها قامت قبل الفجر وجعلت تقول: يا أهل الدار! الصلاة الصلاة! فقالوا لها: أذن للفجر؟ قالت لهم: لا تصلون إلا الفجر.
قالوا: نعم.
قالت لهم: لا تقومون الليل؟ قالوا: لا.
فلما أصبح الصباح ذهبت إلى الحسن، وقالت: ردني إليك، فإنك بعتني لقوم سوء لا يقومون الليل.
نعم، حُق لها أن تكون عابدة، زاهدة، قوامة لليل؛ لأن البيت كله بيت عبادة، لا يعرف الكسل.
نحن لا نعرف شيئاً عن الحسن بن صالح بن حي ولا عن أمه، لذلك أنا أحض على قراءة سير الأسلاف، اقرأ سير العلماء يرق قلبك وتجد الأسوة الطيبة في الاقتداء، لاسيما في زمان الغربة الذي كل شيء فيه يقول لك: هلم إلى النار! ولله در أبي سليمان الخطابي لما كان يقول: وليس غربة الإنسان في شقة النوى ولكنها والله في عدم الشكل وإني غريب بين (بست) وأهلها وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي ليست غربة الإنسان في شقة النوى، أن تترك بلدك وتذهب إلى أي بلد آخر أبداً، لكن غربة الإنسان في عدم الشكل، أن لا يكون لك نظير، الإنسان يعيش في وسط أهله وإخوانه وهو غريب، لا يجد له إلفاً ولا نظيراً، يتجرع الغربة وحده.
أنت بحاجة إلى أن تقرأ سير هؤلاء الأسلاف ليصبروك، وليطول نفسك على السير في هجير الحياة