لغة الصمت: بلاغة تتستر بين سطور الكلام

ترى كم تغير منذ صدح أمير الشعراء أحمد شوقي ببيت شعره الخالد:
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت
عينيّ في لغة الهوى عيناك
ربما تغير الكثير، ذلك أن الصمت هو العلم الأصعب من الكلام، فأحيانا لا يمكن تفسيره بسهولة، وأحيانا، يكون هو أفضل جواب لبعض الأسئلة، وقيل قديما "إن الصمت إجابة رائعة لا يتقنها الآخرون".
وكثيرون من تكلموا وأشعروا وأطلقوا أجمل العبارات في الصمت، ومنهم من عرّفوه بأنه يمثل حياة بكل تفاصيلها.
كما أثبتت دراسة لغوية أجراها العالم النفسي ألبرت مهرابيان، أن حوالي
7 % فقط من معنى الكلام الذي يقصده الإنسان في حواراته، يأتي من خلال الكلمات التي يختارها، لأن هناك عوامل أخرى أكثر أهمية، على غرار نبرة الصوت، والإيقاع اللذين يشكلان التناغم اللغوي، إضافة إلى الأهم من ذلك كله، وهو تعبيرات وقسمات الوجه.
ويضيف أن أي محادثة تدور بين طرفين، تحتوي على معان ضمنية لا يمكن رؤيتها وفك طلاسمها من قبل من يقوم بقراءة نص الكلمات فقط.
ويؤكد خبراء النطق والكلام، أن هناك علامات وانفعالات بصرية تمثل أحد العوامل التي تتحكم في كيفية الاتصال والتفاهم بين الناس.
ويرى مهرابيان في كتابه "الرسائل الصامتة" أن تعبيرات وقسمات الوجه تمثل أكثر من 55 % من معنى الكلام الذي يقصده الإنسان، بينما يمثل الكلام في حد ذاته حوالي 38 % فقط.
غير أن الصمت لا يأتي دائما بحلة إيجابية، فهناك صمت يكون من أسوأ أشكال التواصل، وخصوصا في العمل، إذ يبين خبير مهارات الاتصال ماهر سلامة، أن الصمت المقصود يكون عندما "تطلب من العميل أو الشريك شيئا ما بخصوص العمل ولا يجيب بأي طريقة".
ويؤكد أن الصمت هو أسوأ أنواع التغذية الراجعة، وأشدها تدميرا إن لم يستخدم بطريقة موزونة.
بيد أن من إيجابيات الصمت، حسب سلامة، تعزيز ملكة الاستماع، وفي هذه الأثناء يكون المتكلم غير قادر على التركيز على كل الرسائل التي تكمن في كلامه، ولا من خلال الدلالات التي تخرج منه، عكس المستمع الأكثر انتباها للإشارات المدمجة.
ويشير إلى أن الصمت يشغل ذكاءات الإنسان وحواسه للالتقاطات والإشارات، وهذا ما يسمى بـ"الصمت النشط" وليس "البليد"، فالأخير، حسب سلامة، هو متلق سلبي لا يستوعب ما يدور حوله.
ويلفت إلى أن الصمت هو عبارة عن حياة كاملة وموازية، وحياة نشطة ومليئة بالكلام والدلالات، لأنها حياة داخلية.
وعن الصمت في الحالات العاطفية، يبين أنه يختلف حسب الحالة، فمن الممكن أن يكون الصمت معبرا عن حالة رضا، ومحبة، وعن عواطف لا يمكن للشخص التصريح بها، لأن الكلام لا يعطيها دلالاتها وكفايتها، ومن الممكن أن يكون الصمت في العاطفة أمرا سلبيا، يمثل رفضا وحزنا وخوفا من المجهول.
أما الصمت في الحياة الزوجية، فهو كثيرا ما يكون مجازا، وعادة يكون صمتا لطيفا، لكن أيضا حسب الحالة التي يعيشها الزوجان، فإن كان الصمت ناجما عن كونهما يسمعان أغنية، مثلا، يكون جميلا، وكذلك، لأنهما ينظران إلى بعضهما بعضا، ففي مثل هذا الصمت، يكمن الكثير من العواطف والمشاعر الجميلة.
أما إذا كان الصمت سلبيا نتيجة عدم وجود كلام، أو لأن الشخص ضجر من الزواج، فهذا الأمر يؤدي إلى قتل الكثير من المشاعر الجميلة.
ويضيف بأن الصمت عند الرجل يختلف عن صمت المرأة، فالأخيرة إن صمتت يكون صمتها أعمق، لأن للمرأة قوة كبيرة في التركيز، وفي الغوص إلى أعماق ذاتها.
أما الرجل فإن صمت فهو يعيش مع حياة خارجية بعيدة عما يدور من حوله، ولا يوجد لصمته أي دلالة في العادة، مبينا أن صمت المرأة يخبئ الكثير، أما صمت الرجل، في كثير من الأحيان، فلا تكون له غاية محددة.
أما في علم البرمجة العصبية، فيبين
د. ماهر العربي، أن الصمت "يمنحك طاقة قوية للتفكير بعمق في كل ما يحصل حولك، والتركيز بعقلانية على إجابتك، يجعلك تسيطر على من أمامك، من خلال نظرات محملة بمعان غير منطوقة، تجعلهم حائرين في تفسيرها".
ويرى أن الصمت المصحوب ببعض الحركات والإيماءات، "يرغم من أمامك على البوح بما يشعر به، فيقول أكثر مما يريد فعلا، ويولد لدى الآخرين شعورا بالغيظ الشديد لأنهم يعتبرون صمتك هجوما مستترا، فتكون الأقوى من دون كلام، ولا تعب، وهو الحل الأفضل أمام المشاكل الزوجية الصغيرة".
أما الصمت في المواقف الصعبة، فيؤكد العربي أنه يولد الاحترام، بعكس الصراع والجدل اللذين يولدان التنافر والحقد، ويدمران أسلحة من "تتشاجر معهم، ويجردهم من القدرة على مواصلة الكلام، ويعلمك حسن الاستماع الذي يفتقده الكثيرون".
ما قيل عن الصمت
- قال صلى الله عليه وسلم :"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".
- قال لقمان لولده:" يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك".
- "بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء، تسع منها بالصمت والعاشر في عزلة الناس". (وهب ابن الورد).
- "إذا أراد أحدكم الكلام فعليه أن يفكر في كلامه، فإن ظهرت المصلحة تكلم، وإن شك لم يتكلم حتى تظهر". (الإمام الشافعي).
- الصمت فن عظيم من فنون الكلام. (وليم هنريت).
- لا بد أحيانا من لزوم الصمت ليسمعنا الآخرون. (جلاسكو).
- لأننا نتقن الصمت حملونا وزر النوايا. (غادة السمان).
- إذا قلت المحال رفعت صوتي، وإذا قلت اليقين أطلت همسي. (أبو العلاء المعري).
- يجدر بالمرء أن يتوقف عن الكلام حين يهز المستمع إليه رأسه موافقا من دون أن يقول شيئا. (هنري كيسنجر).
- - لن تكون متحدثا جيدا حتى تتعلم كيف تحسن الإصغاء. (كريستوفر مورلي).
- القراءة هي فن الإنصات. (أنيس منصور).
ديما محبوبه

عمان

بارك الله بك ولا تحرمنا من ابداعاتك وتميزك المتواصل
واصل في كل ما هو جديد ومفيد لديــــــــــــــك
فنحن بانتظار جديدك الرائع والجميــــــل

أختي في الله سهل الله لك أمرك ورفع قدرك وجمعك ووالديك في الفردوس الأعلى من الجنة

» مهدي الشيعه المزعوم في سطور!!!!!!!!!!!!!!!!!!
» بلاغة القرآن في حرف!
» من بلاغة القران الكريم :لماذا حذف حرف الجر...
» بلاغة القرآن الكريم في الإعجاز إعراباً وتفسيراً بإيجاز
» روح ولدت من صلب الصمت