شرح المُنتقى من أسماء الصّحابيات " رضوان الله عليهنّ .

--------------------------------------------------------------------------------

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

[1] أَمَةُ الله

من تسمّت به :
قال الحافظ ابن حجر :
" - أمة الله بنت عبد شمس بن عبد ياليل اللّيثية والدة عبدالله بن هشام بن زهرة القُرشي التّيمي ذكر خليفة بن خياط أنّها ذهبت بابنها وهو صغير إلى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم ليبايعه و أصل القصّة عند الحاكم في المستدرك لكن في صحيح البخاري أنّ اسمها زينب بنت حميد " .
و قال تحت قسم من لهنّ رؤية :
" - أمة الله بنت أبي بكرة الثقفي قال أبو عمر مذكورة في الصحابة روى عنها عطاء بن أبي ميمونة تعد في أهل البصرة وقال الذّهبي في التجريد هي بايعت .
- أمة الله بنت حمزة بن عبد المطلب تكنى أم الفضل قيل هي أمامة ...و قيل أختها فإن كانت غيرها فلعلها ماتت صغيرة " اهـ.
و الّتي ذكرها الذّهبي في " تجريد أسماء الصّحابة " ( 2/ 247 رقم2987 ) هي :
- أمة الله بنت خديج أخت رافع بن خديج
قال : " أسلمت و بايعت " ، فالله أعلم .
زاد الذّهبي :
- أمة الله بنت رزينة ، خادمة النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم ، و عزا ذكرها إلى : كتابي : " معرفة الصّحابة " للحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده ( ت 395 ) و " معرفة الصّحابة " للحافظ أبي نعيم الأصبهاني ( ت 430 ) .

المعنى اللّغويّ :
الأمة هي المملوكة ضدّ الحرّة ، و تُجمع على : إماءٌ و أمَوَاتٌ و آمٌ و إمْوَانٌ على وزن إخوان ، و الاسم هنا مضافٌ إلى الله تبارك و تعالى ، و هو تأنيث اسم : عبد الله ، و يصلحُ أن تخاطب به كلّ امرأة ، و لا شرف للنّساء بعد شرف مقام العبودية لله ، لمن حقّقت تلك العبوديّة .
و العبوديّة عبوديتان : العبودية القدريّة ، فكلّ مخلوقٍ عبدٌ لله شاء أم أبى ، و العبوديّة الشّرعية ، المطلوب تحقيقُها من المكلّفين ، و بها يَشرُفُ الخَلقُ و يتفاضلون ؛ كلٌّ بحسب تحقيقه و إتيانه لها .
قال الله عزّ وجلّ : ﴿ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ﴾ (آل عمران : 83 )
قال الحافظ ابن كثير : " أي استسلم له من فيهما طوعاً و كرهاً ... فالمؤمن مستسلمٌ بقلبه و قالبه لله ، و الكافر مستسلمٌ لله كرهاً ، فإنّه تحت التّسخير و القهر و السّلطان العظيم الّذي لا يخالف و لا يمانع " .
و قال تعالى : ﴿ وَ للَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَ ٱلأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً ﴾ ( الرّعد : 145 ) .
قال ابن كثير : " يخبر تعالى عن عظمته و سلطانه ، الّذي قهر كل شيء ، و دان له كلّ شيء، و لهذا يسجد له كلّ شيء طوعاً من المؤمنين و كرهاً على الكافرين "

[2] إِدَام

من تسمّت به :
قال ابن حجر رحمه الله :
" - إدام بنت الجموح الأنصارية أخت عمرو بن الجموح سيّد الخزرج ؛ ذكرها ابن سعدٍ .
- إدام بنت قرط بن خنساء الأنصاريّة من المبايعات ؛ ذكرها ابن سعدٍ " اهـ .

المعنى اللّغويّ :
جاء في لسان العرب :
" الأُدْمُ : الأُلْفَةُ و الاتِّفاق ؛ و أَدَمَ الله بينهم يَأْدِمُ أَدْماً ، و يقال : آدَم بينهما يُؤْدِمُ إِيداماً أَيضاً ، فَعَل و أَفْعَل بمعنًى ... و أَدَمَ : لأَمَ و أَصْلَح و أَلَّفَّ و وفَّق وكذلك آدم يُؤْدِمُ بالمدّ ، وكلّ مُوافقٍ إِدامٌ .
قالت غاية الدُّبَيْرِيَّة : ** كانُوا لمن خَالَطَهَم إِدَاماً **
و في الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم : أَنّه قال للمغيرة بن شُعبة و خَطَبَ امرأَةً : " لو نَظَرْت إِليها فإِنّه أَحْرى أَن يُؤْدَمَ بينكما "
قال الكسائي : يُؤدَم بينكما : يعني أَن تكون بينهما المحبَّة و الاتِّفاق .
قال أَبو عبيد : لا أَرى الأَصل فيه إِلاّ من أََدْمِ الطّعام لأَنّ صَلاحَه و طِيبَه إِنّما يكون بالإِدامِ ، و لذلك يقال : طعامٌ مَأْدُومٌ .
قال ابن الأَعرابي: و إِدامُ اسمُ امرأَةٍ من ذلك ؛ و أَنشد : أَلا ظَعَنَتْ لِطِيَّتِهـا إِدامُ .... وكلُّ وِصالِ غانِيةٍ زِمامُ " . اهـ
و الحديث المذكور أخرجه أحمد و أصحاب السنّن إلاّ أبا داود و هو صحيح ، و انظر تمام تخريجه في السلسلة الصحيحة ( 1/150 رقم 96 ) .
قال التّرمذي عقب الحديث : " معنى قوله أحرى أن يؤدم بينكما ؛ قال : أحرى أن تدوم المودّة بينكما " .

[3] أَرْوَى

من تسمّت به :
ذكر الحافظ ابن حجر ثمانيةً من الصّحابيات تسمّين به ، منهنّ أربعٌ هاشميّاتٌ رضي الله عنهنّ جميعا .
أَولاهنّ بالذّكر :
- أروى بنت عبد المطّلب بن هاشم الهاشمية عمّة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم .
و الأخريات هنّ :
- أروى بنت أنيس ، غير منسوبةٍ لا في الإصابة و لا في التّجريد ، قال الذّهبيّ : ذكرها ابن منده و لها ذكرٌ في [ جامع ] التّرمذي في الوضوء .
- أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب الهاشميّة من بنات عمّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم .
- أروى بنت ربيعة بن الحارث الهاشمية ، والدها ابن عمّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم .
- أروى بنت أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس الأمويّة أخت الحكم والد مروان و هي عمّة عثمان بن عفّان رضي الله عنه .
- أروى بنت عُميس قال ابن حجر : ذكرها ابن الأثير في آخر ترجمة أروى بنت كريز .
- أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس العبشمية والدة عثمان بن عفّان ، أمّها البيضاء بنت عبد المطلّب عمّة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم .
- أروى بنت المقوّم بن عبد المطّلب الهاشميّة ابنة عمّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كانت زوج ابن عمّها أبي سفيان بن الحارث .
و ذكر الذّهبيّ تاسعةًً هي :
- أروى بنت مالك بن خنساء بن سنان من المبايعات .

المعنى اللّغوي :
جاء في اللّسان :
" قال الجوهري : الأُرويّة : الأنثى من الوُعُول ، قال : و بها سمّيت المرأة ، و هي أُفعولة في الأصل إلاّ أنّهم قلبوا الواو الثّانية ياء و أدغموها في الّتي بعدها وكسروا الأولى لتسلم الياء ، و الأروى مؤنّثة .
قال أيضاً : ثلاثُ أَراويّ ، على أَفاعيلَ ، إِلى العشر، فإِذا كثرت فهي الأَرْوَى ، على أَفْعَل على غير قياس ، قال ابن سيّده : و ذهب أَبو العبّاس إِلى أَنّها فَعْلَى والصّحيح أَنها أَفْعَل لكون أُرْوِيَّةٍ أُفْعُولةً ؛ قال و الّذي حكيته من أَنّ أَراويَّ لأَدنى العدد و أَرْوَى للكثير قول أَهل اللّغة ، قال : و الصّحيح عندي أَن أَراوِيَّ تكسير أُرْوِيَّةٍ كأُرْجُوحةٍ و أَراجِيحَ ، و الأَرْوَى اسمٌ للجمع " اهـ .
و من شواهد إتيان كلمة أروى بمعنى أفعل ما قاله الأزهريّ : سمعت أعرابيًّا يقول : الجَرْع أَرْوَى و الرّشيف أَشرَبُ . و في " العين " للخليل الفراهيدي : المصّ أروى ، بدل الجرع .
و تقول العرب : أروى من النقّاق ، أي الضّفدع .
و قد تأتي هذه الكلمة بمعنى الفعل ، تقول : أشرب حتّى أروى ؛ من الريّ ، و أروَى فلانٌ غيرَه .

من جميل الشّعر العربيّ :
و استفدت هذه الأبيات من مواضع متفرّقة من لسان العرب :
قال النّابغة :

بتكلُّمٍ لو تستطيعُ كلامَه ... لَدَنَتْ له أروى الهضاب الصُّخَّد

و قال الفرزدق :

و إلى سليمانَ الّذي سَكَنَت ... أروى الهضابِ له من الذُّعْر

و قال رؤبة :

داينتُ أروى و الدّيونُ تُقضى ... فمَطَلَتْ بعضاً و أدّتْ بعضاً

و قال الأخطل :

خَيالٌ لأروى والرّباب ومن يكن ... له عند أروى و الرّباب تُبُولُ
يَبِتْ و هو مشحوذٌ عليه و لا يرى ... إلى بَيْضَتَيْ وكرِ الأَنوقِ سبيلُ

وأنشد ابن الأعرابي :

و لمْ أرَ شيئًا بعد لَيْلَى أَلَذُّه ... و لا مشرباً أروى به فأعيجُ

و قال الشماخ :
و ما أروى و إن كَرُمَت علينا ... بأدنى من مُوقَّفَةٍ حَرُون

و الحرون هي التي لا تبرح أَعلى الجَبل من الصَّيْد .
و قال عطارد بن قرّان - كما في معجم البلدان - يريد قريةً لا امرأةً :

و في القلب من أَروَى هوىً كلّما نأَت ... و قد جعلْتُ داراً بأَرْوَى تجانبُ

[4] أَزَدَة

من تسمّت به :
قال ابن حجرٍ :
" أَزَدَة بنت الحارث بن كلدة الثقفية زوج عتبة بن غزوان أمير البصرة وكانت صحبته لمّا قدم البصرة و مصّرها ، و بسببها قدم البصرة إخوتها من أمّها : أبو بكرة و نافع و زياد بن عبيد الّذي صار بعد ذلك يقال له زياد بن أبي سفيان ، و أمّ الجميع سميّة مولاة الحارث بن كلدة ذكر ذلك البلاذري " .
و الحارث بن كلدة الثّقفي هو المشهور بطبيب العرب أدرك النّبيّ صلى الله عليه و لم يُسلم .

المعنى اللّغويّ :
جاء في اللّسان : " الأَزْدُ : لغةٌ فـي الأَسْد ، تـجمع قبائل و عمائر كثـيرة فـي الـيمن . و أَزْدٌ : أَبو حيٍّ من الـيمن ، و هو أَزْدُ بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان بن سبإ ، و هو أَسَدٌ ، بالسّين ، أَفصح . يقال: أَزد شَنُوءة وأزدُ عُمان وأَزْدُ السّراة ، قال النـّجاشي : و اسمه قـيس بن عمرو ، وكان عاهد أَزد شنوءة و أَزد عُمان أَن لا يحولا علـيه فثبتت أَزد شنوءة علـى عهده دون أَزد عمان ؛ فقال :

وكنتُ كذي رِجْلـينِ رجلٍ صحيحةٍ ... و رجْلٍ بها رَيبٌ من الـحَدَثانِ
فأَمّا الّتـي صحَّتْ فأَزْدُ شنوءَةٍ ... و أَمّا الّتـي شُلَّت فأَزْدُ عُمَانِ " اهـ .
و في القاموس المحيط : أنّ الأنصار كلّهم من أبناء أزد بن الغوث .
و في كتاب " العين " للخليل بن أحمد الفراهيدي : " أنّ السّين قريبة من الزّاي كما قالوا للأسَد : أزَدٌ ، فإذا صُغّر أَزَدٌ رجعوا إلى السّين فقالوا أُسيد ".
فعلى هذا يكون اسم أَزَدَة بمعنى أَسَدَة ، أنثى الأسَد .
و قد يكون مشتقًّا من أزد القبيلة ، لكنّ الأوّل أظهر ، و العرب من عادتها التّسمية بأسماء الحيوانات الّتي يستحسنون شيئاً من صفاتها ، و الله أعلم .

فائدةٌ :
في حديث أمّ زرع المتّفق عليه ، قالت إحدى النّساء تصف زوجها : " زوجي إذا دَخَلَ فَهِدَ ، و إن خَرَجَ أسِدَ ، و لا يَسألُ عمّا عَهد " .
قال النّوويّ رحمه الله : " تصفه إذا دخل البيت بكثرة النّوم و الغفلة في منزله عن تعهّد ما ذهب من متاعه و ما بقي ، و شبّهَتْهُ بالفهد لكثرة نومه ، يقال : أنوَمُ من فهدٍ ، و هو معنى قولها : لا يَسأل عمّا عهد ، أي لا يسأل عمّا كان عهده في البيت من ماله و متاعه ، و إذا خرج أَسِدَ : بفتح الهمزة و كسر السّين ، و هو وصفٌ له بالشّجاعة و معناه إذا صار بين النّاس أو خالط الحرب كان كالأسد ، يقال : أَسِدَ و اسْتَأْسَد ، قال القاضي : قال ابن أبي أويس : معنى فهد ، إذا دخل البيت وثب عليّ وثوب الفهد فكأنّها تريد ضربها ، و المبادرة بجماعها ، والصّحيح المشهور التّفسير الأوّل " .

[5] آسِيَة

من تسمَّت به :
ذكر الحافظُ تحت هذا الاسمِ صحابيتين هما :
- آسِيَةُ بنتُ الحارث السّعدية ، أختُ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم من الرّضاعة ، و قال : ذكرها أبو سعدٍ النّيسابوريّ في " شرف المُصطفى " .
- آسِيَةُ بنتُ الفرَج الجرهميّة و قال : ذكرها ابنُ منده و أورد من طريق أيّوب بن محمد الوزّان عن يَعلَى بن الأشدق قال جاءت آسية بنت الفرَج امرأة من جرهم - و كان مسكنها الحجون بمكّة - إلى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم فقالت : يا رسول الله إنّي قد أخطأتُ على نفسي و زَنَيتُ ، فطهّرني ، فقال : هل ولدتِ ؟ قالت : لا ، قال : فما بقي عليك من ولادتك ؟ فأخبرته بنحو شهر ، فقال : لستُ بمطهّرك حتّى تلدي ، قال : فولدت ، فأتته فأخبرته . فذكر الحديث بطوله كذا في الأصل ، و لم يخرّجه ابن منده . اهـ كلام الحافظ .
و يعلى بنُ الأشدق متّهمٌ كما في : " التّجريد " للذّهبيّ ، و قال الحافظُ في " لسان الميزان " : " كان حيًّا في دولة الرّشيد ، قال ابنُ عديّ : روى عن عمّه عبد الله بن جراد ، و زعمَ أنّ لعمّه صحبةٌ ، فذكر أَحادِيث كثيرةً منكرةً ، و هو و عمّه غيرُ معروفين . و قال البُخَاريّ : لا يُكتب حديثه ، و قال ابنُ حِبّان : وضعوا له أحاديث ، فحدّث بها و لم يدرِ ، و قال أبو زُرْعَة : ليس بشيءٍ ، لا يُصدّق . قلت : و روى عن رقاد بن ربيعة ، و كُليب بن جري ، و زعمَ أنّهما صحابيّان " .
فالخبرُ إذاً لأجل ابنِ الأشدق ، لا يثبتُ .

طُرْفَةٌ :
ممّا ذكروه عن يعلى هذا ؛ ما نقله ابنُ حجرٍ في اللّسان عن الحافظ ابن عديّ قال : بلغني عن أبي مسهرٍ قال : قلتُ ليعلى بن الأشدق : ما سمع عمُّك من النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم ؟ قال : « جامع سفيانَ » ، و « موطّأ مالكٍ » ، و شيئاً من « الفوائد » !!!
و هذا يشبه الخبر الطّريف الّذي ذكره بعضهم في مسألة سماع الحسن من أبي هريرة ، أنّهم سألوا عن ذلك بعض الرّواة المغفّلين المعروفين بوضع الحديث ، فروى بسنده إلى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم أنّه قال : " سمع الحسنُ من أبي هريرة " !!!

المعنى اللّغويّ :
جاء في لسان العرب :
الأَسى : مفتوحاً مقصوراً : الحُزْن ، و هو آسٍ ، و امرأَةٌ آسِيَةٌ و أَسْيا ، و الجمع أَسْيانون و أَسْيانات و أَسْيَـيَاتٌ و أَسايا ، و أَسِيتُ لفلانٍ أَي : حَزِنْتُ له ...
و أَسا الجُرْحَ أَسْواً و أَساً : دَاوَاه ، و الأَسُوُّ و الإِساءُ ، جميعاً : الدّواء ، و الـجمع آسِيَة ...
وأَهل الباديةِ يسمّون الـخَاتِنَة آسِيةً كنايةً .
و الآسِي : الطَّبيبُ .
و ذكرأهلُ اللّغة في الّلسان و غيره ، لمادّة أسا معانيَ أخرى ، تركتُها اختصاراً .
فيُحتمل ، أن يكون اسم المرأة أُخذ من الأسى بمعنى الحُزن ، أو من الأسى بمعنى المداواة ، و يؤيّدُ ذلك ، تسميتهم الخاتنةَ آسيةً و الطّبيبَ آسٍ ، و يُحتمل أنّهم أخذوه من غير ذلك ، و الله أعلم .

فائدةٌ :
ثبتَ في الصّحيحين أنّ آسيةَ هو اسمُ امرأة فرعون ، في الحديث الّذي رواه البخاريّ في كتاب الأنبياء ، و مسلمٌ في كتاب فضائل الصّحابة عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " كَملَ منَ الرّجالِ كثيرٌ ، و لم يَكمُلْ منَ النّساء إلاَّ آسيةُ امرأةُ فرعونَ ، و مريمُ بنتُ عِمرانَ ، و إنًّ فضلَ عائشةَ على النّساء كفضلِ الثَّريدِ على سائر الطّعام "

[6] أَسْمَاء

من تسمَّت به :
" أسماء " من الأسماء الشّهيرة و المتداولة كثيراً ، و هو من الأسماء المنتشرة في وقتنا و لله الحمد .
ذكر الحافظُ ابنُ حجر رحمه الله إحدى و عشرين صحابيّةً تسمّت به ، أربعاً منهنّ مكرّرات ، فأكتفي بذكر ثلاثةٍ منهنّ :
الأولى و هي أشهرهنّ على الإطلاق :
أسماء بنت عبدالله بن عثمان التّيميّة ، والدة عبدالله بن الزّبير بن العوّام ، بنتُ أبي بكر الصّديق ، أسلمت قديماً بمكّة ، و تزوّجها الزّبير بن العوّام و هاجرت و هي حاملٌ منه بولده عبدالله ، فوضعته بقباء و عاشت إلى أن وَلِيَ ابنُها الخلافة ، ثمّ إلى أن قُتل و ماتت بعده بقليل ، و كانت تُلقّب ذات النطاقين ، قال أبو عمر ابن عبد البرّ : سمّاها رسول الله صلّى الله عليه و سلّم لأنّها هيّأت له لمّا أراد الهجرة سُفْرَةً (1) ، فاحتاجت إلى ما تشدّها به ، فشقّت خمارها نصفين فشدّت بنصفه السفرة و اتّخذت النّصف الآخر منطقاً ، قال كذا ذكر ابن إسحاق و غيره ، قال الحافظ : و أصل القصّة في صحيح مسلم دون التّصريح برفع ذلك إلى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم . روت أسماء عن النّبيّ صلى الله عليه و سلّم عدّة أحاديث و هي في الصّحيحين و السّنن .
الثّانية :
أسماء بنت عُمَيْس بن مَعد بوزن سعد الخثعميّة ، أخت ميمونة بنت الحارث زوج النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم لأمّها ، و أخت جماعة من الصّحابيّات لأب أو أم أو لأب و أم ، قال أبو عمر : كانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فولدت له هناك أولاده فلمّا قُتل جعفر تزوّجها أبو بكرٍ فولدت له محمّداً ثم تزوّجها عليّ بن أبي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين .
الثّالثة :
أسماء بنت يزيد بن السّكن بن رافع بن امرئ القيس الأنصاريّة الأوسيّة ثمّ الأشهليّة ، قال أبو علي بن السّكن : هي بنت عمّ معاذ بن جبل ،و كانت تكنّى أمّ سلمة ، و كانت يقال لها : " خطيبة النّساء " ، روت عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم عدّة أحاديث ، و قال عبد بنُ حميد : أمّ سلمة الأنصاريّة هي أسماء بنت يزيد بن السّكن ، شهدت اليرموك و قَتلت يومئذٍ تسعةً من الرّوم بعمود فسطاطها و عاشت بعد ذلك دهراً .

المعنى اللّغويّ :
جاء في لسان العرب : " قال الزّجاج : معنى قولنا اسمٌ هو مُشْتَقٌّ من السُّموِّ و هو الرِّفْعَة ، قال : و الأَصل فيه سِمْوٌ مثلُ قِنْوٍ و أَقْناءِ . [ و قال ] الجوهريّ : و الإسمُ مُشْتَقٌّ من سَموْتُ لأَنه تَنْويهٌ و رِفْعَةٌ ، و تقديرُه إفْعٌ ، و الذّاهب منه الواو لأَنَّ جمعَه أَسماءٌ و تصغيره سُمَيٌّ ، و اخْتُلف في تقدير أَصله فقال بعضهم : فِعْلٌ ، وقال بعضهم: فُعْلٌ ، و أَسماء يكونُ جَمْعاً لهذا الوَزْن " . اهـ
فالظّاهر أنّ السُّموّ هو الأصل اللّغويّ ل " أسماء " و الله أعلم .

فائدةٌ و تنبيهٌ :
هذا الاسم من الأسماء المشتركة بين الرّجال و النّساء ، فقد ذكر الحافظ في الإصابة ثلاثةً من الصّحابة تسمّوا به ، هم : أسماء بن حارثة أبو هند الأسلمي ، و أسماء بن رياب بن معاوية الجرمي ، و أسماء بن مالك الكعبي و قيل العكلي كما في " ثقات " ابن حبّان .
و ممّن اشتهر بهذا الاسم من الرّجال أيضا : أسماء بن خارجة الأمير أبو حسّان ، من كبار الأشراف ، لأبيه صحبة يسيرة ترجمته في ( السّير 5/48 ) .

لطيفةٌ في أسماء الرّواة :
جويريّةُ بن أسماء ، اتُّفق أنّ اسمه و اسم أبيه من الأعلام المشتركة بين الرّجال و النّساء .كما قال ذلك الشّيخ عبد المحسن العبّاد في " مجموع كتبه و رسائله " ( 8/394 ) و عزا ذلك إلى " الفتح " ( 1/578 ) ، و جويريّة له رواية في الكتب الستّة إلاّ التّرمذي ، و هو صدوق مات سنة ثلاثٍ و سبعين و مائة ، كما في " تقريب التّهذيب " .

__________________
(1) : بالضمّ ، طعامٌ يُتّخذ للمسافر ( اللّسان ، مادّة : سفر ) .

[7] أُمَامَة

أورد الحافظُ رحمه الله ثماني عشرة صحابيّةً بهذا الاسم ، ثنتان مكرّرتان ، تسعٌ منهنّ أنصاريّاتٌ ، و خمسٌ قرشيّاتٌ ، رضي الله عنهنّ جميعاً .
أكتفي بذكر اثنتين منهنّ لقرابتهما من النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و هما :
الأولى :
أُمامَةُ بنت أبي العاص بن الرّبيع العبشميّة ، و أمُّها زينبُ بنتُ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، وثبت ذكرُها في الصّحيحين من حديث أبي قتادة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم كان يحملُ أُمامةَ بنت زينبَ على عاتقه فإذا سجد وضعها و إذا قام حملها ، قال الحافظ : " قال أبو عمر : تزوَّجَها عليّ بن أبي طالبٍ بعد فاطمة ، زوّجها منه الزّبير بن العوّام و كان أبوها قد أوصى بها إلى الزّبير " .
الثّانية :
أُمامَةُ بنتُ حمزةَ بن عبد المطّلب الهاشميّة ، بنتُ حمزة الشّهيد عمِّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم ، قال الحافظ : و ثبتَ ذكرُها في الصّحيحين من حديث البراء فذكر في قصّة عمرة القضاء : " فلمّا خرجوا تَبِعَتْهُم بنتُ حمزة تنادي : يا بن عمّ ، فقال عليٌّ لفاطمة : دونَكِ ابنة عمّ أبيك ، فاختصمَ فيها عليٌّ و جعفر و زيد بن حارثة ..." الحديث ، و فيه قول جعفر : عندي خالتُها ، و قول النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم : " الخالة بمنزلة الأمّ " وكانت اسمُها سلمى بنت عميس ، وكانت أختها أسماء بنت جعفر بن أبي طالب ... و ذكر الخطيبُ في المبهمات أيضاً أنّ اسمها أُمامة و زاد : ثمّ زوّجها رسول الله صلّى الله عليه و سلّم من سلمةَ بن أمّ سلمة ، و قال حين زوّجها منه : " هل جزيتُ سلمة ؟ " و ذلك أنّ سلَمةَ هو الّذي كان زوّج أمّ سلَمة من رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " اهـ .
نعم ، فكما قال الحافظُ ثبت ذكرها في الصّحيحين ، لكن لم يَرِد التّصريح باسمها فيهما .

المعنى اللّغوي :
جاء في لسان العرب ( تحت مادّة : أ م م ) :
أُميمة و أُمامة اسمُ امرأة ، قال أبو ذؤيبٍ :

قالت أميمةُ ما لجسمك شاحباً ..... منذ ابتَذَلْتَ و مثل مالِك ينفعُ

و روى الأصمعيّ " أمامة " بالألف ، فمن روى أمامة على التّرخيم .
و أُمامةُ : ثلثمائة من الإبل ، قال :

أَ أَبْثُرُه مالي و يحتُر رِفدَه ..... تَبَيَّن رُويدًا ما أمامةُ من هندِ

أراد بأُمامةَ ما تقدّم ، و أراد بهندٍ هُنيْدَةَ و هي المائة من الإبل ، قال ابن سيده هكذا فسّره أبو العلاء و رواية الحماسة :

أيوعدُني و الرّمل بيني و بينَه ..... تَبَيَّن رُوَيداً ما أُمامةُ من هِندِ

انتهى ما أردتُ نقله من اللّسان .
فيحتمل أن يكون اسم أُمامَة مأخوذاً من هذا المعنى المذكور ، و يحتمل أن يكون مأخوذاً من معنى آخرَ من المعاني الّتي ذُكرت في مادّة ( أمم ) منها : الأَمُّ بمعنى القصدِ ، و منها الأَمُّ بمعنى التّقدّم و الّذي اشتقّوا منه الإِمامَة بمعنى الرّئاسة ، و من تلك المعاني أيضاً القُربُ ، فالمقصود أنّ العرب استعملت هذا الأصل لمعانيَ كثيرة ، و الله أعلم .

من شعرِ جريرٍ ( ت 110 هـ ) :

و هو أحد الشّعراء الثّلاثة المشاهير في العصر الأُمويّ مع الفرزدق و الأخطل ، ترجمته في السّير (5/475 ) .
ورد في شعره ذكرُ أمامةَ كثيراً ، أحببت أن أُمتع القرّاء ببعض ما وقفتُ عليه ، فمن ذلك قوله :

حَيُّوا أُمامَةَ و اذكروا عهداً مَضَى ..... قَبْلَ التّصَدّعِ مِنْ شَماليلِ النّوَى
قالتْ بُليتَ فما نراك كعهدِنا ..... ليتَ العهودَ تجدّدتْ بعدَ البِلى
أَ أُمَامُ غَيَّرَني و أنتِ غَريرَةٌ ..... حاجاتُ ذي أربٍ و همٌّ كالجوى
قالَتْ أُمامَة ما لجَهْلِكَ ما لَهُ ..... كيف الصِّبابة ُ بعد ما ذهب الصِّبا
و رأت أُمامَةُ في العِظام تحنّياً ..... بعدَ استقامته و قصراً في الخُطا
و رأتْ بلِحْيتِه خضاباً راعَها ..... وَ الوَيْلُ للفَتَياتِ مِنْ خَضْبِ اللِّحَى
و تقولُ أنّي قدْ لقيتُ بليَّةً ..... من مسح عينِك ما يزالُ بها قَذَى

و قال أيضاً :

أَتَعْرِفُ أَم أَنْكَرْتَ أَطلالَ دِمْنَةٍ ..... بإِثبيتَ فالجَوْنَيْن بالٍ جديدُها
لياليَ هِند حاجةٌ لا تُريحُنا ..... بِبُخْلٍ و لا جُودٍ فيَنفَع جودُها
لعَمْرِي لقد أَشفَقتُ من شَرِّ نَظرةٍ ..... تَقُودُ الهوى من رامة و يقودُها
ولو صَرَمَتْ حَبْلي أُمَامَةُ تبتغي ..... زيادةَ حُبٍّ لم أَجِدْ ما أَزيدُها

و قال أيضاً :

تُعلِّلُنا أُمامةُ بالعِداتِ ..... و ما تشفي القلوبَ الصّادِياتِ

و العِدَاتُ جمعُ عِدَةٍ ، بمعنى الوَعد .

و قال أيضاً :
كِلاَ يومي أُمامَةَ يومُ صَدِّ ..... و إن لم نَأْتِهَا إلاّ لِمَامَا

و من الشّعر العربيّ الرّائع أيضاً :

قولُ ابنِ هرمةَ :
عَجِبَتْ أُمَامَةُ أن رَأَتْني شاحباً ..... ثَكِلَتكِ أُمُّكِ أيّ ذاك يروعُ
قد يدركُ الشَّرفَ الفتى و رداؤُه ..... خَلَقٌ و جيبُ قميصهِ مَرْقوعُ
و ينالُ حاجتَه الّتي يَسمو لها ..... و يُطلّ وِتْرُ المرْء و هوَ وَضيعُ

[8] أُمَيْمَة

من تسمَّت به :
ذكر الحافظ ابنُ حجرٍ في الإصابة اسم أُميمةَ لأكثر من ثلاثين صحابيّة ، تسعٌ منهنّ مكرّرات .
و أذكر منهنّ اثنتين :
الأولى :
أُمَيْمَة بنتُ صُبَيْح - أو صُفَيْح - بن الحارث والدةُ أبي هريرة ، و قيل اسمُها ميمونة ، دعا لها رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بالهداية إلى الإسلام فأسلمت في الحين كما في صحيح مسلم ، و جاء في آخرالحديث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : " اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هذَا - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ – و َأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ حَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ " ، و روى ابن سيرين عن أبي هريرة " أنّ عمر بن الخطّاب دعاه ليستعمله فأبى أن يعمل له ، فقال : أتكره العمل و قد طلبه من كان خيرا منك ؟ قال : من ذاك ، قال : يوسف بن يعقوب ، قال : يوسف نبيّ بن نبيّ و أنا أبو هريرة بن أُمَيْمَة " .
الثّانية :
أُمَيْمَةُ بنت رُقيْقة ، و أمّها رُقيقة بنت خويلد بن أسد أخت خديجة ، و روت عن النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم ، و قيل رُقيقة هذه هي عمّة خديجة ، و قد ورد ذكر أميمة في سنن التّرمذيّ و في سنن ابن ماجه في حديث المبايعات ، و رواه أيضا مالك و ابن حبّان و لفظه : " أتيتُ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم في نسوةٍ يبايعنه فقلنا يا رسول الله نبايعك على ألاّ نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ... " الحديث ، و لأميمةَ حديثٌ آخر عند أبي داود و النّسائي .

المعنى اللّغوي :
سبق في اسم أمامة أنّ أُميمة وأُمامة اسمُ امرأة ، و سبق أيضاً قول أبي ذؤيبٍ :

قالت أميمةُ ما لجسمك شاحباً ..... منذُ ابتَذَلْتَ و مثلُ مالِك ينفعُ

و أُميمة تصغير أمٍّ عند بعضهم ، و يصغَّر إلى أميم ، قال عمر بن الجعد الخزاعي :

أَ أميمُ هل تدرين أنَّ ربّ صاحبٍ ..... فارقتُ يوم خَشَاش غير ضعيفِ

يوم خشاش يوم كان بينهم و بين هذيل قتلتهم فيه هذيل و ما سلم إلا ابن الجعد .

أُميمة في شعر العرب :
قال النّابغة :

كِلِيني لهمٍّ يا أميمةَ ناصِبِِِ ..... و ليلٍ أقاسيه بطيء الكواكبِ
ناصب : يعني مُتْعِبٍ ، و كليني أي دعيني .

وقال الجعدي :

ألمَّ خيالٌ من أميمةَ موهناً ......طروقاً و أصحابي بدارَة خَنْزَر
و دارة خنزر اسمُ موضع .

و قال الآخر :

صَرمَت أميمةُ خُلَّتي و صِلاتي ..... و نَوَت و لمّا تَنْتَوي كنَوَاتي
أي لم تَنْوِ فيّ كما نويت في مودّتها .

و قال الآخر :

فوا كبداً من لاعِجِ الحبّ و الهوى ..... إذا اعتادَ نفسي من أُميمة عيدُها
لعَجَ الحزن يلعَجُ لعجاً و هو حرارته في الفؤاد .

و قال أعرابيٌّ :

فما القلبُ من ذكرى أُميمةَ نازعٌ .....و لا الدّمعُ ممّا أضمر القلبُ جامدُ

و قال جامع بن عمرو بن مُرْخِيَة :

أرِقتُ بذي الآرام وَهْناً و عادَني .... عِدادُ الهوى بين العناب و خَنْثَل
فلمّا رمَينا بالعيون و قد بدَتْ .....عساقيلُ في آل الضُّحى المُتغوّل
بَدَت لي و للتّيْميّ صَهْوَةُ ضَلْفَع ..... على بعدها مثل الحِصان المحجَّل
فقلتُ ألا تبكي البلادَ الّتي بها ..... أُمَيمةُ يا شوقَ الأسير المُكبَّل

و قال الهذيل :

أَبْلِغ أُمَيْمَةَ و الخطوبُ كثيرةٌ ..... أُمّ الوليد بأنّني لم أُقتلِ
لمّا رأيتُ بني عديّ مَرحوا ..... و غلتْ جوانبهم كغلي المِرْجَل

و في الأخير :
قيل إنّ الأصمعي دخل على سعيد بن سلم و كان ولد سعيد يتردّد إليه ابنُ الأعرابي فقال له الأصمعي أنشد عمُّك مما رواه أستاذك ، فأنشد :

رَأَت نِضْوَ أسفارٍ أُمَيْمَةُ قاعداً ..... على نضوِ أسفار فجُنَّ جُنونها
فقالت من أيّ النّاس أنتَ و مَنْ تكن ..... فإنّك راعي ثلَّة لا يَزينُها
قلتُ لها ليس الشُّحوب على الفتى ..... بعارٍ ولا خيرُ الرّجال سمينُها
عليك براعي ثلّة مُسْلَحِبَّةٍ ...... يروح عليه محضُها وحَقينُها
سمين الضّواحي لم تؤرّقه ليلةً ..... و أنْعمَ أبكارُ الهموم و عُونُها

[9] آمِنَةُ

من تسمّت به :
أورد الحافظ هذا الاسم ستّة عشرة مرّة ، و هو لعشر صحابيّاتٍ عدا المكرّرات .
أذكر منهنّ :
- آمِنَةُ بنت عفّان بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس الأموية أختُ أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ، قال الحافظ : " قال أبو موسى أسلمت يوم الفتح و كانت عند سعدٍ ، حليفِ بني مخزوم ، و كانت من النّسوة اللاّتي بايعنَ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم مع هندٍ ، امرأة أبي سفيان ، على ألاّ يشركن بالله شيئاً و لا يسرقن ولا يزنينَ ذكر ذلك ابن إسحاق في المغازي " .
- و أمّ قيسٍ بنت محصن الأسدية ، صحابيةٌ مشهورة ، يُقال أنّ اسمها آمنة ، و هي أخت الصّحابيّ المشهور عُكاشة بن محصن ، روت عن النّبيّ صّلى الله عليه و سلّم ، و أحاديثها في الكتب الستّة .

ِ
المعنى اللّغويّ :
اسم فاعلة من أَمِن يأمَن من الأَمْنِ ، و الأمنُ ضدّ الخوف ، و في التّنزيل : ﴿ وَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً ﴾
و في صحيح مسلم و مسند أحمد و غيرهما عن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال يوم فتح مكّة : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمِنٌ ، و من ألقى السّلاح فهو آمِنٌ ، و من أغلق بابه فهو آمنٌ " .

تعريف الصّحابيّ :
آمنة بنت وهب هو اسم أمّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم ، إلاّ أنّها لا تعدّ صحابيّةً ، لأنّ الصّحبة لا تثبت إلاّ لمن لقي النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم أو رآه - و لو ساعة - مؤمناً به و مات على الإسلام .

فائدةٌ في التّفسير ( ذكرُ الأَمْنِ في القرآن الكريم ) :
كثيراً ما يقرن الله تبارك و تعالى في كتابه العزيز نعمة الأمن بنعمة الرّزق و الإطعام ، فمن ذلك قوله تبارك و تعالى في سورة النّحل : ﴿ وَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً من كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَ ٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾ ، و قال أيضا : ﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ . ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم من جُوعٍ وَ آمَنَهُم منْ خَوْفٍ ﴾ .
فالأمن نعمةٌ عظيمةٌ امتنّ بها الله على عباده في الدّنيا ، و أعظمها ما يحصل في قلوب المؤمنين الموحدّين ، و هو شعورٌ باطنٌ يتحقّق لهم و لو كانت الدّنيا بأسرها حرباً عليهم ، و يخصّهم الله بهذه النّعمة يوم القيامة دون غيرهم ، قال تعالى حاكياً عن إبراهيم عليه الصّلاة و السّلام إمام الحنفاء و قدوة الموحّدين محاجَّتَه لقومه : ﴿ وَ حَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّوۤني فِي ٱللَّهِ وَ قَدْ هَدَانِي وَ لاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبّي شَيْئاً وَسِعَ رَبّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ . وَ كَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَ لاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَ لَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَ هُمْ مُّهْتَدُونَ . وَ تِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾
و قال تعالى في سورة النّمل : ﴿ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ منْهَا وَ هُمْ من فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ .
و قال أيضا في سورة سبأ : ﴿ وَ مَآ أَمْوَالُكُمْ وَ لاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَربُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَ هُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾
و قال تعالى في سورة الأحقاف : ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
و قال في سورة يونس : ﴿ أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ . لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾
و في سورة فصّلت : ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَ لاَ تَحْزَنُواْ وَ أَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَ فِي ٱلآخِرَةِ وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلاً منْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ﴾ .

و الآيات في ذلك كثيرةٌ ، نسأل الله أن يجعلنا من الآمنين في الدّنيا و يوم الفزع الأكبر .

أبو حاتم سفيان الورقلي

بارك الله فيكم

» شرح المُنتقى من أسماء الصّحابيات " رضوان الله عليهنّ .
» القاب بعض الصحابة رضوان الله عليهم
» أسماء الله الحسنى
» أسماء بنت أبى بكر ـ رضي الله عنها ـ.
» بين أسماء رضي الله عنها والحجاج