إن
حقوق الزوجة على زوجها ، حقوق مهمة وعظيمة.ومن الملاحظ أن هناك من الأزواج
من يريد من زوجته أن تعرف حقوقه ويهتم بذلك.ولكنه بالمقابل لا يريد أ ن
يعرف حقوق زوجته عليه لماذا؟لأنه يظن أنه لو أعطاها حقوقها ،تعالت عليه
وتكبرت.وهذا تفكير غير صحيح لأنه لو عرفها بحقوق الله عليها أولاً ، ثم أدى
إليها الحقوق التي أمر بها الإسلام ، فإنها ستكون حريصة على معرفة حقوقه ،
والقيام بها جيدًا.
فأول حق على الزوج ناحية زوجته هو:حسن المعاشرة، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى
وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ [النساء: 19]. فعلى الزوج أن يحسن خلقه مع زوجته فيتحدث معها برفق، ولين .
ويحتمل الأذى منها ، ويوفيها حقها من المهر والنفقة ، وألا يعبس في وجهها
من غير ذنب.
ويستحب
أن يتزين لها كما تتزين له.فينظف نفسه ويزيل عرقه.ويتطيب ويلبس الملابس
المناسبة قال ابن عباس (إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي).
وكما
قلنا فعليه أن يحتمل ما يبدر منها من أخطاء ، لأن الزوجة الكاملة ليست
موجودة إلا في الجنة ، ولأن المرأة خلقت من ضلع أعوج كما قال :
((إن المرأة خلقت من ضلع ولن تستقيم لك على طريق فإن استمتعت استمتعت وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها)) [مسلم/النكاح باب الوصية بالنساء].
لهذا
فعليه أن لا يكثر من اللوم والتأنيب ، وإن حصل منها ما يغضبه ، فعليه أن
ينظر إلى حسناتها ولا يركز على سيئاتها فقط ، هذا إذا أراد أن يعيش عيشة
السعداء، إذن لابد من المعاشرة والابتعاد عن سوء المعاشرة ، يخطئ بعض
الأزواج عندما يظن أنهم عندما يكرهون زوجاتهم بعض الأشياء أن ذلك يعطيهم
الحق في شتم زوجاتهم واحتقارهن. لأن الإسلام لا يعتبر كره الزوج لزوجته
سبباً في احتقارها وإهانتها. قال تعالى
: فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء: 19]. وقد يكره الرجل زوجته لأنها ليست جميلة أو لأنها لا تحسن
الطبخ ، ولأنها لا تحسن الكلمة الحلوة ، لكن هذا ليس مبرراً لاحتقارها أو
تطليقها فعلاً، فقد تكون امرأة عفيفة ، أمينة على بيتها ، تحسن تربية
أبنائها ، وإذا أصيب زوجها بمحنة فقد يجدها صابرة تقف بجواره في السراء
والضراء.
ثم هذا الزوج هل نظر إلى نفسه ، هل فيه كل الأخلاق التي تحبها المرأة ، أم أن فيه أيضاً طباعاً سيئة. لهذا يقول
تحذيراً من هذا النوع من الأزواج.يقول:
((لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إذا كره منها خلقاً رضي منها آخر)) مسلم /النكاح باب الوصية بالنساء.
وليس
معنى هذا أن يترك لها الحبل على الغارب ، ويوافقها حتى وإن أتت بعمل يخالف
شرع الله، لا لكن المراد أن ينبسط معها في البيت ، ويستمع إلى
حديثها.ويمازحها تقديراً لها أو تطييباً لخاطرها، وقد يظن البعض أن مداعبة
الزوجة وممازحتها يتنافى مع الهيبة والوقار ، لكن هذا خطأ فاحش ، ويدل على
الجهل ، لأن الرسول
وهو بطل الأبطال وسيد الرجال والعابد الخاشع والقائد الحاكم والمربي المعلم.كان من أفكه الناس مع زوجاته وأحسنهم خلقاً معهن.
قالت أمنا عائشة رضي الله عنها :كنت أشرب وأنا حائض ، ثم أناوله النبي
فيضع فاه على موضع في ، فيشرب، وأتعرق العرق (اللحم المختلط بالعظم) وأنا حائض ثم أناوله
فيضع فاه على موضع فيّ) رواه مسلم.
وقالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله
من إناء بيني وبينه ، تختلف أيدينا عليه ، فيبادرني حتى أقول:دع لي، دع لي قالت : وهما جنبان) [البخاري ومسلم].
وهذا
أمير المؤمنين عمر ، وهو صاحب الشخصية القوية ، والذي كان الشيطان يهرب
منه إذا رآه ، كان يقول:ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي (يعني في الأنس
والبشر والسهولة) فإذا كان في الناس وجد رجلاً.
ويتصل
بهذا الحق أيضًا. حق الزوجة في الاستمتاع بالنزهات والرحلات مع زوجها
وأولادها. فليس لائقاً أن يمتع الزوج نفسه بالنزهة والرحلات إلى شتى
الأماكن طلباً للراحة والاستجمام ، ثم يبخل عن زوجته برحلة يصطحبها معه
لتأخذ حقها من الراحة والنشاط والتسلية ليس لائقاً أبداً هذا. ولنا في رسول
الله
أسوة حسنة فقد ورد أن عائشة كانت مع رسول الله في سفر وهي جارية، قالت: لم أحمل اللحم ولم أبدن (أي لم أسمن) فقال لأصحابه:
((تقدموا
فتقدموا ، ثم قال: تعالي أسابقك فسابقته ، فسبقته على رجلي. فلما كان بعد ،
خرجت معه في سفر ، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك ، ونسيت
الذي كان وقد حملت اللحم وبدنت (أي وسمنت) ، فقلت ، كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال ، قال:لتفعلن ، فسابقته ، فسبقني. فجعل يضحك ويقول:هذه بتلك)) أي بتلك السبقة.
لهذا فعلى الزوج أن يمتع زوجته وأولاده ويرفه عنهم ، في حدود الشرع؟ومع الابتعاد عن التبرج والاختلاط.
ومن الحقوق أيضا:النفقة:
وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:
233]. يقول الإمام ابن كثير "أي وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن
بالمعروف ، أي بما جرت به عادة أمثالهن ، من غير إسراف ولا إقتار".
إذن
بالمطلوب في النفقة هو التوسط مع الأخذ بعين الاهتمام ، حال الزوج ومدى
قدرته ، وللعلم فما من شيء ينفقه الرجل على زوجته أو أولاده ، إلا كان له
به عند الله أجر وثواب. فقد قال
:
((دينار
أنفقته في سبيل الله.ودينار أنفقته في رقبة.ودينار تصدقت به على مسكين ،
ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك)) [رواه مسلم عن أبي هريرة].
وعلى
الرجل أن يتحرى الحلال في إنفاقه على أهله وأولاده ، ومن يعولهم ، وإلا
محقت البركة ،وكان عليه إثم من أطعمهم حراما. ونريد أن ننبه هنا:أن الرجل
الكريم هو الذي يكرم أهله وأولاده ولا يتركهم ينظرون إلى ما عند الناس من
مال ومتاع. أما البخيل فهو الذي يبخل عليهم وهو قادر على الإنفاق، والغريب
أن هناك من يبخل على زوجته وأولاده بالنفقة ، بينما هو يجود بماله على نفسه
وعلى رفاق السوء وفي الليالي الحمراء وفي السفر وفي كل ما يغضب الله ، كما
يقع كثيراً من لا خلاق لهم ولا مروءة.
ويكفي أمثال هؤلاء قول الرسول
:
((كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول)) مسلم.
ومن الحقوق:أن لا يضرب الزوج زوجته إلا في حالة النشوز كقوله تعالى
: وَٱللَّـٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً [النساء: 34].
والنشوز هو الارتفاع.والمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها ، التاركة لأمره ، المعرضة عنه.
فإذا
ظهر هذا في المرأة.فليبدأ في وعظها.فإن لم تنفع الموعظة فليهجرها في
فراشها.فإن لم تفد ضربها ضرباً لا يسيل دماً ولا يكسر عظماً. وأن لا يكون
في الوجه.وأن يتجنب الشتم والسب واللعن كما يحدث الآن.فما أن تحصل أي مشكلة
حتى تسمع السب والشتم واللعن بين الزوج وزوجته.ثم يتطور الأمر.فيقوم الزوج
بضرب زوجته على أمر تافه.ثم يأتي ويتحدث بهذا الأمر أمام الناس بكل فخر
وخيلاء، وكأنه قد انتصر على بطل من أبطال المصارعة العالمية، لهذا فليتق
الله هؤلاء الأزواج ولتكم حياتهم كما قال الله
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ [البقرة: 229].
هذا وفي الحديث أن رسول الله
(ما ضرب خادماً ولا امرأة قط). [رواه أبو داود] بل إنه
عاب على من يضرب امرأته فقال:
((يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها آخر يومه)) [ البخاري].
ومن
الحقوق: أن الزوج مطالب بإعفاف زوجته.لذلك قال الفقهاء"إذا ترك جماع زوجته
المدة الطويلة أمر بالوطأ ، فإن أبى فلها فسخ النكاح.لهذا قال
:
((وإن لزوجك عليك حقا)). [البخاري ] وانطلاقاً من هذا فرض الإسلام على الزوج أن يجامع زوجته بالقدر الذي يحفظ عفة المرأة ويصونها، قال تعالى
فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ [البقرة: 222].
قال
العلماء:وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة فهو أعدل ، لأن عدد النساء
أربعة مجاز التأخير إلى هذا الحد. ويمكن أن يزيد أو ينقص حسب حاجتها في
التحصين ، فإن تحصينها واجب عليه.
ونحن
ننبه إلى هذا لأن البعض يهملون زوجاتهم من هذه الناحية المهمة.ويتعذرون
بأنهم مشغولون بأعمالهم وبعضهم فعلاً مشغول بعمله، لكن البعض الآخر يسهر
الليالي الطويلة خارج منزله، أو يسافر أياماً كثيرة من أجل شهوته الحرام،
وينسى أن له زوجة تنتظره فهل هذا معقول؟ إهمال الزوجة من هذه الناحية ليس
مقبولاً أبداً حتى ولو بشغل الإنسان بالعبادة لله عن زوجته وإحصانها، فهذا
مرفوض.فكيف بغير العبادة.
روى
الشعبي:أن كعب بن سور كان جالساً عند عمر فجاءت امرأة فقالت:يا أمير
المؤمنين ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي والله ، إنه يبيت ليله نائماً،
ويظل نهاره صائماً، فاستغفر لها وأثنى عليها، فاستحيت المرأة وقامت راجعة.
فقال
كعب:يا أمير المؤمنين، هلا أعربت المرأة على زوجها ، فلقد أبلغت إليك في
الشكوى، فأمره أن يقضي بينهما فقال:فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة
هي رابعتهن، وأقضي بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن.ولها يوم وليلة. وهكذا
قضى كعب على زوجها أن لا يتأخر عن وطئها أو مجالستها أكثر من ثلاثة أيام ،
وأقره أمير المؤمنين على ذلك، أما ما زاد عن ذلك فإن اتفق الطرفان عليه كأن
يكون الزوج مسافراً مثلاً. فلا بأس ، إذا تراضى ووافق الطرفان.
بقي
أن نقول استكمالاً لهذه النقطة: أن على الزوج أن يكتم ما يحدث بينه وبين
زوجته في الفراش.لأن بعض الرجال يحبون أن يتفاخروا في الكلام عن هذا
الموضوع في المجالس والمنتديات.لأنهم يظنون مع جهلهم ونقص عقولهم أن هذه
الصفة هي مفخرة لهم.وللعلم فهذه الأفعال ليست من المروءة في شيء.وليست من
شيم الرجال.بل هي من خلق الفساق الذين لا يملكون من الحياء شيئًا لذا يقول
عن أفعال هؤلاء:
((هل منكم رجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه ، وألقى عليه ستره واستتر بستر الله ، ثم يجلس بعد ذلك ويقول:فعلت كذا وفعلت كذا)) ثم قال:
((هل تدرون ما مثل ذلك ، إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة ، فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه)). فالحذر الحذر من الخوض في هذه الأمور ، والكلام موجه للرجال وللنساء جميعاً ، ونسأل الله الستر في الدنيا والآخرة.
ومن
الحقوق العدل في القسمة بين أكثر من زوجة:فإذا كان للرجل زوجتان أو أكثر
وجب عليه أن يعدل بينها في المبيت وفي النفقة وفي السكن، فإن ظلم إحداهن
فلم يبت عندها ليلة أو أكثر وجب عليه أن يقضيها حقها ، فذلك دين عليه ، إلا
أن تتنازل عنه كما فعلت أم المؤمنين سودة عندما تنازلت عن ليلتها لأم
المؤمنين عائشة رضي الله عنها.وكذلك أن أعطى واحدة دون الأخرى من ماله فإنه
يعتبر ظالماً سواء كان العطاء نقوداً أو ملابساً أو حليًا أو غيرها، ففي
مثل هذه الأمور العدل واجب عليه فيه.أما العدل المقصود في قول الله
وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء: 129]. فالمقصود أن الله لا يؤاخذ الزوج ولا يعاقبه في عدم تمكنه
من العدل في المحبة والميل القلبي لأن هذه الأمور لا يمكن للإنسان أن يسيطر
عليها.
ومن
الحقوق المهمة:تعليم الزوجة أمور دينها ، فعليه أن يعلمها ما لم تتعلمه من
الطهارة ، والوضوء ، والصلاة وأحكام الحيض والنفاس والاستحاضة وغيرها.
وذلك لأن هناك من النساء من يصل عمرها إلى 30 أو 40 أو 50 سنة وهي لا تعرف
قراءة الفاتحة ، ولا تعرف الوضوء الصحيح أو الصلاة الصحيحة،أو واجبها نحو
أهليها وأقاربها، ولا كيف تلبس الملابس الشرعية ، أو كيف تجتنب الخلوة
بالرجال ، أو كيف تخاطبهم إن دعا إلى ذلك داع. وهذا واقع وحاصل بين النساء،
هناك من هن طالبات في الجامعات بل قد يكن من المدرسات أو المثقفات كما
يقولون لكنهن لا يعلمن من أمور دينهن إلا القليل، وقد يكون زوجها أيضاً
متعلماً بل قد يكون جامعياً ، ولكنه لا يهتم بتعليمها مع أنه هو المستفيد
الأول. لماذا؟ لأن الزوجة التي تقف بين يدي الله خاشعة متعبدة، تكون من أبر
الزوجات بزوجها وأولادها.وأسعد النساء في بيتها وأسرتها.لهذا عليه أن
يعلمها فإن كان لا يعلم فعليه أن يأذن لها بالخروج إلى المساجد وحلق الذكر
لحضور المحاضرات والخطب والدروس.أو يحضر لها الأشرطة والكتيبات النافعة
الخاصة بتلك الأمور المذكورة سابقاً. المهم هذه مهمة عظيمة للزوج، والمرأة
كما نعلم شديدة التأثر بزوجها وسلوكه فإن رأت منه حرصاً على التعلم والدين
والستر والعفة،استجابت، وإن رأت منه تشجيعاً أو سكوتاً على الاستهانة
بأوامر الدين واستهزاءً به استجابت أيضاً.وكم رأينا وسمعنا عن نساء يكفرن
بسبب سب الدين أو سب القرآن أو إنكار الصلاة والزكاة أو الاستهزاء بالحجاب
والمحجبات ، وقدوتهن في ذلك أزواجهن.وكم سمعنا عن زوجات خرجن من بيوتهن إلى
بيوت أزواجهن عفيفات عابدات ، فما لبثن غير قليل حتى انحرفن عن ذلك كله
بتأثير الزوج وانحرافه وتفريطه في حقوق الله.والغريب أن أمثال هؤلاء
الأزواج مع تفريطهم في حقوق الله ، فإنهم لا يفرطون ولا يتهاونون في حقوقهم
الخاصة مثل الغسيل والطبخ وغيره وقد يقيمون الدنيا ويقعدونها من أجل
ذلك.أما حقوق الله فهم صم بكم عمي فلا يرجعون.
وآخر
الحقوق:الغيرة على الزوجة:وكما قلنا إن الرجل مسؤول عن زوجته مسؤولية
كاملة أمام الله وأمام الناس، ويوم يتخلى الرجل عن هذه المسؤولية، ويترك
امرأته تفعل ما تشاء فإن الناس يسخرون منه ويتهمونه بأنه تبع لها وأنه بلا
شخصية ، وأن الأمر والنهي ليسا بيده ، إلى آخر تلك العبارات التي تسمع من
الناس، والعجيب أن المرأة تحتقر الزوج الضعيف الشخصية حتى ولو لم تصرح
بذلك.لأنها تحب أن تشعر أنها تستند إلى رجل له شخصية قوية ، ومستقيمة ،
ويمكن الاعتماد عليه بعد الله في مواجهة أعباء الحياة.وأهم ميزة من مميزات
الرجولة والشخصية القوية هي ميزة الغيرة، ومعنى الغيرة أن تأخذ الإنسان
الأنفة والحمية والغضب إذا شعر أن غيره يريد أن يشاركه في أهله ، ومن هم في
حوزته ، والمقصود بالغيرة طبعاً هي التي يحكمها الدين وتدفع إليها الكرامة
والحمية الإسلامية ، ومن غير تطرف أو مبالغة ، وعلينا أن نفرق بين الغيرة
وبين سوء الظن ، فلا يكون الإنسان معدوم الغيرة والحمية على عرضه ، ولا
يشدد فيها كل التشدد.
فلا هذا ولا ذاك، بل الاعتدال هو الصحيح والواجب كما يقول
((إن
من الغيرة ما يحبه الله ومنها ما يبغضه الله.فأما الغيرة التي يحبها الله
فالغيرة في الريبة ، والغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة)). [أبو داود والنسائي].
لهذا كان الرجال الحقيقيون في الماضي يغيرون على من يعولونهم، ولا يسمحون لغيرهم أن يصل إلى أعراضهم ، ولو بنظرة عابرة.
فمثلاً دخل القتلة المجرمون على الخليفة عثمان بن عفان
،
فنشرت زوجته نائلة شعرها وكأنها تستنصر بمروءة هؤلاء الظالمين القتلة ،
وتستنجد ما عسى أن يكون بهم من شرف ، لكن أمير المؤمنين عثمان ، التفت
إليها، وصرخ فيها وهو يقتل قائلاً: خذي خمارك فإن دخولهم علي ، أهون من
حرمة شعرك. رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
حادثة
أخرى:تخاصم رجل وزوجته في نفقة ، فاحتكما للقاضي ، فقال الوكيل
للمرأة:قومي ، قال الزوج:ولم.قال الوكيل حتى ينظر إليها الشهود وهي مسفرة
عن وجهها.فقال الزوج للقاضي:أنا أشهد القاضي أن لها علي المهر الذي تدعيه ،
ولا تسفر عن وجهها فأجابت المرأة ـ والمرأة تحترم الرجل الذي يغار عليها ـ
قالت: وأنا أشهد القاضي:أني قد وهبت له هذا المهر ، وأبرأته منه في الدنيا
والآخرة.هكذا كان مفهوم الغيرة.
أما
الآن : فالخطير في الموضوع أن مفهوم الغيرة ، انقلب عند الكثير من الناس
اليوم: فالكثير يفهمون الغيرة بمعنى ضيق جداً ومحدود.لذلك نجد الرجل ينتظر
أن يغازل امرأته أو قريبته أحد وهي معه في الشارع أو في السيارة ، حتى يغار
ويتحرك.هل هذه هي الغيرة فقط؟ إن معنى الغيرة أوسع من ذلك بكثير.
فهذا
الرجل الذي يغار لو تعرض له أحد في الشارع أو في السيارة.هذا نفسه لا يغار
حين يمشي معه زوجته أو أخته أو ابنته وهي كاشفة وجهها ، أو ملثمة ، أو هي
متبرجة ومتعطرة ومتزينة ، وتعرض نفسها لأعين الناس.
ولا
يغار لو ذهبت وحدها مع السائق للسوق وللنزهة.ولا يغار حين تختلط مع الرجال
على الشواطئ أو في الحدائق أو غيرها. ولا يغار حينما تصافح الرجال الغير
محارم لها. ولا يغار إذا تكلمت مع الرجال ولاينتهم وضاحكتهم ومازحتهم. ولا
يغار حين يراها تخرج من منزلها بالكعب العالي والملابس المثيرة ، وتخرج
أمام الناس متراقصة كأنها طاووس تختال.ولا يغار بل هو الذي يطلب من زوجته
أن لا تتحجب أمام أقاربه زاعماً أن تحجبها سيفرق بينهم.الحجاب يفرق بين
الأهل؟!.الإسلام الذي أوصى بصلة الرحم يفرق؟!.لكنه انتكاس المفاهيم وانعدام
الغيرة ، ولا يغار ولا يتنبه لما يحضره إليها إلى المنزل من مجلة خليعة ،
أو شريط مفسد. وغيرها من مثل هذه الأمور التي ينبغي على الرجل فيها أن يكون
رجلاً. رجلاً حقيقياً فعلاً.لأن الرجل الغيور هو الإنسان الطبيعي، والذي
لا يغار إما أن يكون مخبولاً أو أن يكون منكوس النفس كما قال أحد السلف (ما
من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب). وما أجمل قول الرسول
((إن الله يغار والمؤمن يغار)).ويقول
((ثلاثة لا يدخلون الجنة ، العاق لوالديه ، والديوث ، ورجلة النساء)) ومعنى الديوث أي الرجل الذي لا يغار على عرضه والعياذ بالله. هذه أيها
الأخوة حقوق الزوجة على الزوج. فليعرف الزوج حقوق زوجته جيداً، وليحذر
ظلمها وإيذاءها ، فالله يعذب من يؤذي حشرة أو حيواناً. وجميعنا يعرف قصة
المرأة التي حبست الهرة حتى ماتت فدخلت بها النار.فما بالكم بالذي يعذب
إنساناً مثله ، فما بالكم بالذي يعذب أقرب الناس إليه وهي زوجته وأم
أولاده.ولا تظنوا أني أتيت بهذه الحقوق من عندي فكل هذه الحقوق وغيرها هي
من التي فرضها الله ورسوله للنساء. ولكن يجهل الكثير بدينهم فإنهم لا
يعرفونها وإن عرفوها فهم لا يطبقونها التطبيق الصحيح الذي يرضي الله
ورسوله.وسيكون كلامنا في الأسبوع القادم عن حقوق الزوج على الزوجة ، إن شاء
الله تعالى.وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه.