الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه بعض آداب السفر وأحكامه، إنتقيتها من كتب الحديث والفقه، ولم أقصد الإستيعاب، وإنما أردت التذكير بالمهم من ذلك والله نسأل التوفيق والسداد. سنن وآداب السفر
1 - طلب الصحبة في السفر؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن النبي
قال:
{ الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب } [إسناده حسن، أخرجه مالك وأحمد وأهل السنن].
2 - التأمير في السفر؛ لحديث أبي هريرة
وأبي سعيد:
{ إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم } [أخرجه أبو داود بسند جيد]، وفي حديث علي
{ أن رسول الله إذا بعث جيشاً أمّر عليهم رجلاً، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا } [أخرجه البخاري].
3 - الإتيان بدعاء الركوب ودعاء السفر؛ فلقد جاء عن علي
أنه أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال:
{ بسم الله }، فلما استوى على ظهرها قال:
{ الحمد لله }، ثم قال:
{ سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنّا الى ربنا لمنقلبون }، ثم قال:
{ الحمد لله } ثلاثاً،
{ الله أكبر }ثلاثاً،
{ سبحانك اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت } [الحديث رواه أحمد وأهل السنن وفي إسناده إختلاف وإسناده عند الطبراني والحاكم جيد ثابت]. وأخرج مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله
كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى السفر كبّر ثلاثاً ثم قال:
{ سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل } وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن
{ آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون } وفي حديث أنس عند مسلم حتى إذا كنا بظهر المدينة قال:
{ آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون } فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة، فعلى هذا تقال هذه العبارة عند بداية القفول وعند قدومه لبلده. وروى مسلم عن عبدالله بن سرجس أيضاً: ( كان رسول الله
إذا سافر يتعوّذ من وعثاء السفر وكآبة المنظر، والحور بعد الكون وفي بعض النسخ (الكور) ودعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل والمال )، ودعاء الركوب إنما يقال في السفر كما إختاره ابن باز رحمه الله.
4 - الخروج يوم الخميس؛ فقد روى البخاري عن كعب بن مالك
قوله:
{ لقلّما كان رسول الله يخرج إذا خرج إلا يوم الخميس } وبوّب البخاري في كتاب الجهاد، وهذا من باب الأفضلية، وإلا فقد خرج النبي
في حجة الوداع يوم السبت.
5 - التسبيح عند هبوط الأودية، والتكبير إذا علا مرتفعاً؛ كما ثبت ذلك في حديث جابر وابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله
إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبّر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول:
{ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، نصر عبده، وهزم الأحزاب وحده } [ولفظ حديث ابن عمر متفق عليه].
6 - توديع الأهل والأقارب وغيرهم.
7 - تعجيل العودة بعد الفراغ من الحاجة التي سافر لأجلها لقوله
:
{ السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونو مه،فإذا قضى أحدكم نَهمته ـ بفتح النون أي حاجته ـ فليعجل رجوعه إلى أهله } [ متفق عليه].
8 - أخرج مسلم عن أبي هريرة
عن النبي
أنه قال:
{ لا تصاحب الملائكة رفقة فيهم كلب ولا جرس }.
9 - كان النبي
إذا كان في سفر وأسحر يقول:
{ سمع سامع بحمد الله، وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا، وأفضل علينا عائذاً بالله من النار } [أخرجه مسلمٍ عن أبي هريرة].
10 - من نزل منزلاً فقال:
{ أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق } لم يضرّه شيء حتى يرتحل من منزلة ذلك [رواه مسلم عن خولة بنت حكيم].
11 - الدعاء في السفر مستجاب، وفي الحديث
{ لا ترد دعوتهم }، وذكر منهم المسافر، أخرجه أهل السنن وعند مسلم
{ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر }.
12 - من السنة ألا يطرق أهله في الليل إذا قدم إلا إذا أخبرهم بذلك، كما ثبت في حديث جابر وغيره، ومعنى الطروق: القدوم ليلاً.
13 - من السنة النقيعة وهي الوليمة عند القدوم من السفر، كما ثبت ذلك عنه في حديث جابر عند البخاري في آخر كتاب الجهاد من صحيحه، وانظر المجموع للنووي[4/285].
14 - كان النبي
إذا قدم المدينة فرآها حرّك دابته من حب المدينة [أخرجه البخاري].
15 - من السنة عند القدوم من السفر أن يأتي المسجد ويصلي فيه ركعتين. كما دلّ على ذلك حديث جابر المتفق عليه، وقد أخرجه البخاري في بضعة عشر باباً. مسائل هامة في السفر
1 - يشرع القصر للإنسان في السفر إذا خرج عن بنيان بلدته، وقد علّق البخاري في صحيحه عن علي
أنه خرج من الكوفة فقصّر وهو يرى البيوت، فلما رجع له قيل له هذه الكوفة قال: حتى ندخلها. ووصله الحاكم والبيهقي، وصلّى النبي
الظهر بالمدينة أربعة والعصر بذي الحليفة ركعتين.
2 - إذا دخل عليه الوقت وهو مقيم ثم سافر فصلى الصلاة في السفر فهل يصليها تامة أو مقصورة؟.. الصحيح القصر وحكاه ابن المنذر في الأوسط [4354] إجماعاً، والمشهور عند أصحابنا الحنابلة الإتمام وهو مرجوح.
3 - إن ذَكر صلاة حضر في سفر أتمّ، وحكاه ابن المنذر إجماعاً في الأوسط [4368]، وإن ذكر صلاة سفر وهو في حضر ففيه خلاف هل يتم أو يقصر والصحيح أنه يقصر.
4 - إذا صلّى المسافر خلف المقيم فإنه يصلي أربعاً مطلقاً حتى ولو لم يدرك إلا التشهد، فإنه يصلي كصلاة المقيم أربعاً، وهو قول الجمهور وظاهر السنة، وهو المنقول عن الصحابة وهو اختيار الإمامين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله وانظر المجموع للنووي [4/236].
5 - إذا صلّى المسافر بمقيمين فإنه يقصر. ويشرع له إذا سلم أن يقول: ( أتمّوا صلاتكم )، وقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه كان يأتي مكة ويصلّي بهم فيقول: ( أتمّوا صلاتكم فإنا قوم سفر )، وروي مرفوعاً عن عمران بن حصين عن النبي
، لكنه ضعيف أخرجه أبو داود وغيره. وإن نبّه عليهم قبل الصلاة فلا بأس، حتى لا يقع عليهم الإلتباس.
6 - السنن الرواتب التي تسقط في السفر هي سنة الظهر القبلية والبعدية وراتبة المغرب ـ وهي بعدية ـ وراتبة العشاء ـ وهي بعدية ـ ولا تسقط سنة الفجر ولا يسقط الوتر بل يصلي سنة الفجر والوتر. وله أن يصلي صلاة الضحى، وبعد الوضوء، وعند دخول المسجد.
7 - السنة تخفيف القراءة في السفر فقد ثبت عن عمر أنه قرأ في الفجر
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ [قريش:1] وقرأ أيضاً بـ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وقرأ أنس بـ
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] أخرجها إبن أبي شيبة، وكلها صحيحة.
8 - إذا جمع بين الصلاتين المجموعتين فإنه يؤذن أذاناً واحداً ويقيم إقامتين، لكل صلاة إقامة. وله أن يجمع في أول الوقت ووسطه وآخره، فكل ذلك محل للصلاتين المجموعتين.
9 - الجمع بين الصلاتين في السفر سنّة عند الحاجة إليه كما قال شيخ الإسلام رحمه الله وعند عدم الحاجة مباح.
10 - من لا يجب عليه حضور الجمعة كالمسافرين والمرضى يجوز لهم أداء صلاة الظهر بعد نزول الشمس ولو لم يُصل الإمام صلاة الجمعة.
11 - المسافر له أن يصلي النافلة على السيارة أو الطائرة، كما ثبت ذلك عن النبي
في التطوع على الدابة من وجوه كثيرة.
12 - كل من جاز له القصر جاز له الفطر بلا عكس.
13 - السفر يوم الجمعة جائز ولكن إذا أذّن المؤذن الثاني لصلاة الجمعة وهو مقيم لزمه أن يمكث حتى يصلي الجمعة إلا إن كان يخشى فوات رفقة أو حجز طائرة، فيباح له السفر حينئذ، وكذلك يجوز له السفر بعد نداء الجمعة الثاني إذا كان سيصلي الجمعة وهو مسافر كما لو كان سيمر ببلد قريب، فيصلي معهم الجمعة.
14 - الأذكار التي بعد الصلاة الأُولى عند الجمع تسقط، وتبقى أذكار الثانية لكن إذا كان الذكر بعد الأُولى أكثر فيأتي به كما لو جمع بين المغرب والعشاء فيأتي به بعد صلاة العشاء.
15 - إذا صلّى الظهر وهو مقيم ثم سافر فهل له أن يصلي العصر في السفر قبل دخول وقتها؟ إختار المنع الشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله وذلك لفقد شروط الجمع، ولأنه لا حاجة إلى ذلك، وهو سيصلي العصر، ولا بد فلا يصليها إلا بعد دخول وقتها.
16 - إذا أخر الصلاتين المجموعتين وهو مسافر ثم أقام قبل خروج وقت الأولى لزمه الإتمام سواءً صلّى الأولى في الوقت أو بعد خروجه، وأما إذا فاتت الأولى في السفر، ثم أقام في وقت الثانية فيصلي الصلاة الأولى تامّة واختاره الشيخ ابن عثيمين، والفرق بين هذا وبين ما ذكر في المسألة الثالثة هو بقاء الوقت المشترك بين الوقتين. وأما الثانية فتامة على كل حال وانظر المجموع للنووي [4245].
17 - إذا كان المسافر يعلم أو يغلب على ظنه أنه سيصل إلى بلده قبل صلاة العصر أو قبل صلاة العشاء فالأفضل له ألا يجمع لأنه ليس هناك حاجة للجمع، وإن جمع فلا بأس. انظر مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن عثيمين [15 422].
18 - لا يشترط في السفر نيّة القصر على الصحيح. انظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية [24104].
19 - منع كثير من أهل العلم أن تجمع العصر مع الجمعة وهو المشهور عند الحنابلة والشافعية وغيرهم واختار المنع الشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، انظر مجموع فتاوى ورسائل إبن عثيمين [15371].
20 - القصر سنة مؤكدة وقيل بوجوبه حتى قال ابن عمر رضي الله عنهما:
{ صلاة السفر ركعتان، من خالف السنة كفر } [إسناده صحيح، أخرجه عبدالرزاق والطحاوي وغيرهما].
21 - رُخص السفر تستباح في سفر الطاعة والمعصية على الصحيح وهو إختيار شيخ الإسلام المشهور عنه.
22 - المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم وهو الزوج أو كل ذكر بالغ عاقل تَحرُم عليه المرأة على التأييد بنسب أو سبب مباح.
23 - إذا جمع المسافر بين المغرب والعشاء جمع تقديم يدخل وقت الوتر على القول الراجح من أقوال أهل العلم، ولا يحتاج إلى الإنتظار حتى يدخل وقت صلاة العشاء.
24 - إذا شك المأموم وهو مسافر في الإمام هل هو مسافر أم مقيم فالأصل أن المأموم يلزمه الإتمام لكن لو قال المأموم في نفسه إن أتمّ أتممت وإن قصر قصّرت صح ذلك. وهذا من باب التعليق وليس من باب الشك كما قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى في الشرح الممتع [4521].
25 - الجمعة لا تلزم المسافر المستقر في بلد ما دام مسافراً، وقد نقل ابن المنذر في الأوسط الإجماع على ذلك، وقال: ( ولم يخالف فيه إلا الزهري ) [روى عنه ذلك البخاري تعليقاً] وإن حضر المسافر الجمعة أجزائه عن الظهر.
26 - إذا أدرك المسافر الجمعة فإنها تجزئه عن الظهر سوءً أدرك الركعتين أو ركعة، فيضيف لها أخرى، ولكن لو لم يدرك المسافر من صلاة الجمعة إلا أقل من ركعة فالصحيح أن له القصر خلافاً لمن قال يجب عليه أن يصلي أربعاً.
27 - إذا كان المسافر مسافراً في شهر رمضان فله الفطر وله الصوم ولكن الأفضل له فعل الأيسر، فإن كان الأيسر الصيام صام، وإن كان الأيسر له الفطر أفطر، وإذا تساويا فالصوم أفضل، لأن هذا فعل النبي
وهو أسرع في إبراء الذمة، وأهون على الإنسان، وحكاه بعضهم قول الجمهور.