الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله...وبعد:
فهذه رسالة تحتوي على بيان صفة العمرة، وقد تحريت فيها أن تكون وفق سنة النبي
الصحيحة، وأن تكون بأسلوب سهل واضح، مع التنبيه على كثير من الأخطاء والمخالفات التي يقع فيها بعض المعتمرين.
أخي المسلم: ورد في فضل العمرة نصوص كثيرة منها: حديث أبي هريرة
أن النبي
قال:
{ العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة } [متفق عليه].
وهل تعلم أيها القارئ الكريم أن العمرة في رمضان تعدل أجر حجة، وليس كأيّ حجة، بل حجة مع النبي
. فتأمل معي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما رجع النبي
من حجته قال لأم سنان الأنصارية:
{ ما منعك من الحج؟ } قالت: أبو فلان - تعني زوجها - له ناضحان (أي جملان) حجَّ على أحدهما، والآخر يسقي أرضاً لنا. فقال لها النبي
:
{ فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تقضي حجة معي } [متفق عليه]. وإليك الآن صفة العمرة:
أولاً: الإحرام من الميقات: اغتسل، وطيِّب بدنك كالرأس واللحية - ولا تطيب لباس الإحرام، فإن أصابه طيب فاغسله - وتجرد من المخيط، والبس رداءً وإزاراً أبيضين ونعلين، (الشمسية والنظارة والخاتم والساعة والحزام، كل ذلك جائز للمحرم).
أما المرأة فإنها تغتسل ولو كانت حائضاً، وتلبس ما شاءت بشرط أن يتوافر في اللباس جميع شروط الحجاب؛ فلا يظهر منها شيء، ولا تتبرج بزينة، ولا تتطيب، ولا تتشبه بالرجال.
فإن لم يتيسر أن تقف عند الميقات - كالمسافر بالطائرة - فاغتسل من بيتك، فإذا حاذيت الميقات فأحرم، وقل:
{ لبيك عمرة }. وإن خفت ألا تتمكن من إكمال النسك لمرض أو نحوه فقل:
{ فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني } ثم ابدأ بالتلبية حتى تصل مكة. والتلبية سنة مؤكدة للرجال والنساء، ويسنُّ للرجال رفع الصوت بالتلبية دون النساء، وصفة التلبية:
{ لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك }. ويسنُّ الاغتسال قبل دخول مكة إن تيسر ذلك. تنبيهات:
1 - يعتقد البعض أن ثوب المرأة للإحرام محدد باللون الأخضر أو الأسود أو الأبيض؛ وهذا غير صحيح؛ فإنه لم يثبت في تحديد لون الثوب شيء.
2 - التلبية الجماعية بصوت واحد التي يفعلها بعض المعتمرين والحجاج بدعة، لم تثبت عن النبي
ولا عن أحد من أصحابه. والصواب أن يلبي كل معتمر أو حاج بصوت منفرد.
3 - لا يلزم أن يستمر المحرم رجلاً كان أو امرأة في الثوب الذي أحرم فيه طيلة النسك، بل يجوز أن يغيره متى شاء.
4 - على الحاج أن يحرص على ستر عورته؛ فإن بعض الرجال قد تنكشف عورته أمام الآخرين أثناء الجلوس أو النوم وهو لا يشعر. 5 - تعتقد بعض النساء جواز كشف الوجة أمام الرجال ما دامت محرمة، وهذا خطاً، والواجب تغطيته؛ ومن الأدلة على ذلك:
أـ قول عائشة رضي الله عنها: ( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله
محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه ) [أخرجه أحمد وأبو داود وسنده حسن].
ب ـ وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام ) [أثر صحيح أخرجه الحاكم وغيره].
6 - محظورات الإحرام: إذا أحرم المسلم بالحج أو العمرة حرم عليه أحد عشر شيئاً حتى يتحلل من إحرامه وهي:
1 ـ إزالة الشعر.
2 ـ تقليم الأظافر.
3 ـ استعمال الطيب.
4 ـ قتل الصيد البري، أما البحري فجائر.
5 ـ لبس المخيط ( على الرجال دون النساء ) والمخيط هو المفصل على البدن كالثوب والفانيلة والسراويل والقميص والبنطلون والقفاز والجوارب. أما ما فيه خياطة ولم يكن مفصلاً فلا يضر المحرم؛ كالحزام أو الساعة أو الحذاء الذي فيه خيوط.
6 ـ تغطية الرأس أو الوجه بملاصق ( على الرجال ) كالطاقية والغترة والعمامة والقبعة وما شابه ذلك؛ ويجوز الاستظلال بالشمسية والخيمة والسيارة، ويجوز حمل المتاع على الرأس إذا لم يقصد به التغطية.
7 ـ لبس النقاب والقفازين ( على المرأة ) فإذا كانت أمام رجال أجانب وجب ستر الوجه واليدين بغير النقاب والقفاز، كسدل الخمار على الوجه وإدخال اليدين في العباءة.
8 ـ عقد النكاح.
9 ـ الجماع.
10 ـ المباشرة لشهوة.
11 ـ إنزال المني باستمناء أو مباشرة.
ثانياً: إذا وصلت إلى المسجد الحرام فقدم رجلك اليمنى قائلاً: ( باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك )، ( أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ) وهذا الدعاء يقال عند دخول سائر المساجد.
ثالثاً: ثم ابدأ بالطواف من الحجر الأسود؛ فاستقبله وقل: ( الله أكبر ) واستلمه بيمينك وقبله. فإن لم يتيسر التقبيل فاستلمه بيدك أو بغيرها، وقبل ما استلمته به، فإن لم يتيسر فلا تزاحم الناس، وأشر إليه بيدك مرة واحدة، ولا تقبل يدك. وتفعل ذلك في بداية كل شوط من أشواط الطواف.
ثم تطوف سبعة أشواط جاعلاً البيت عن يسارك؛ ترمل في الأشواط الثلاثة الأولى، وتمشي في الباقي، وتضطبع في جميع الأشواط. ( الرمل: سرعة المشي مع تقارب الخطا، والاضطباع: أن تجعل وسط ردائك تحت عاتقك الأيمن وطرفيه على عاتقك الأيسر. والرمل والاضطباع مختصان بالرجال، ومختصان بالطواف الأول، أي: طواف العمرة أو طواف القدوم للقارن والمفرد في الحج ). فإذا وصلت إلى الركن اليماني فاستلمه بيدك إن تيسر ذلك ولا تقبله، فإن لم يتيسر فلا تشر إليه. ويستحب أن تقول بين الركن اليماني والحجر الأسود:
رَبّنَآ ءَاتِنَا فِي الدُنيَا حَسَنَةً وَفِي الأَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ [البقرة:201]. وليس في الطواف ذكر مخصوص ثابت غير هذا. ويستحب فيه كثرة الذكر والدعاء، وإن قرأت شيئاً من القرآن فحسن. تنبيهات:
1 ـ الطهارة شرط لصحة الطواف؛ فإذا انتقض وضوءُك أثناء الطواف فاخرج وتوضأ، ثم أعد الطواف من جديد.
2 ـ إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف، أو حضرت صلاة جنازة؛ فصل معهم ثم أكمل الطواف من حيث توقفت. ولا تنس تغطية العاتقين؛ فإن تغطيتهما في الصلاة واجبة.
3 ـ إذا احتجت للجلوس قليلاً، أو لشرب ماء، أو للانتقال من الدور الأرضي إلى الدور العلوي، أو العكس أثناء الطواف فلا حرج.
4 ـ إذا شككت في الأشواط فابن على اليقين، وهو الأقل؛ فإذا شككت هل طفت ثلاثة أشواط أو أربعة فاجعلها ثلاثة. أما إذا غلب على ظنك عدد معين فأعمل به.
5 ـ بعض المعتمرين والحجاج يضطبع من أول لبس الإحرام، ويبقى مضطبعاً في جميع مناسك الحج أو العمرة، وهذا خطاً، والمشروع أن يغطي كتفيه، ولا يضطبع إلا في الطواف الأول كما سبق.
رابعاً: إذا انتهيت من الشوط السابع عند محاذاة الحجر الأسود فغط كتفك الأيمن، واذهب إلى مقام إبراهيم إن تيسر، واقرأ قوله تعالى:
وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]. واجعل المقام بينك وبين الكعبة إن تيسر، وصلّ ركعتين، تقرأ في الأولى بعد الفاتحة:
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وفي الثانية:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].
تنبيه: ركعتا الطواف يسن فعلها خلف المقام، وفعلهما في أي موضع من الحرم جائز.
ومن الخطأ ما يفعله بعض الحجاج من الصلاة خلف المقام في أوقات الزحام، فيؤذون بذلك الطائفين، والصواب: أن يرجع إلى الخلف حتى يبتعد عن الطائفين، فيجعل المقام بينه وبين الكعبة، أو يصليهما في أي موضع من الحرم.
خامساً: ثم اذهب إلى زمزم فاشرب من مائها، وادع الله، وصُب على رأسك، ثم إن تيسر فارجع إلى الحجر الأسود واستلمه.
سادساً: ثم توجه إلى الصفا فإذا دنوت منه فاقرأ قوله تعالى:
إن الصّفَا وَالمَروةَ مِن شَعَائِرِ اللّه [البقرة:158]. وقل: ( نبدأ بما بدأ الله به ). واصعد الصفا، واستقبل الكعبة، وكبّر ثلاثاً وقل:
{ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده }. كرر هذا الذكر ثلاث مرات، وادع بين كل مرة وأخرى بما شئت من الدعاء.
سابعاً: ثم انزل لتسعى بين الصفا والمروة، وإذا كنت بين العلمين الأخضرين فاسع بينهما سعياً شديداً ( والسعي الشديد خاص بالرجال دون النساء ) فإذا وصلت إلى المروة فاصعد عليها واستقبل الكعبة، وقل كما قلت على الصفا، وهكذا تصنع في باقي الأشواط، الذهاب شوط والعودة شوط حتى تكمل سبعة أشواط ؛ فيكون نهاية الشوط السابع بالمروة. وليس للسعي ذكر مخصوص، فأكثر مما شئت من الذكر والدعاء وقراءة القرآن.
تنبيه: ينتشر بين بعض الناس في الطواف والسعي بدعتان:
الأولى: التزام دعاء معين لكل شوط، كما هو موجود في بعض الكتيبات.
الثانية: دعاء مجموعة من المعتمرين أو الحجاج خلف قائد لهم بصوت واحد مرتفع.
فعلى المعتمر والحاج أن يحذر من هاتين البدعتين؛ لأنه لم يثبت فيهما شيء عن النبي
أو عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم.
ثامناً: إذا انتهيت من السعي فاحلق رأسك أو قصره، والحلق أفضل للمعتمر، إلا أن يكون الحج قريباً فالتقصير أفضل؛ ليكون الحلق في الحج، ولا يكفي تقصير بعض الشعر من مقدمة الرأس ومؤخرته كما يفعله بعض الناس، بل لابد من تقصير جميع شعر الرأس أو أكثره.
أما المرأة فتجمع شعرها وتأخذ منه قدر الأنملة، وإذا كان شعرها مدرجاً ( أي متفاوت الطول )فتأخذ من كل درجة.
فإذا فعلت ذلك فقد تمت عمرتك بحمد الله.
تنبيه: من الخطأ ما يفعله بعض الناس من تكرار العمرة إذا وصل إلى مكة؛ فإن ذلك ليس من هدي النبي
ولا أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان فيه فضل لسبقونا إليه. أسئلة مهمة يكثر سؤال الناس عنها
س1: ما حكم من تطيب أو غطى رأسه أو لبس مخيطاً أو أخذ من شعره ناسياً أو جاهلاً وهو مُحرِمّ؟
ج1: من فعل محظوراً من محظورات الإحرام وهو ناسٍ أو جاهل فلا شيء عليه ؛ لقوله تعالى:
رَبنَا لا تُؤاخِذّنا إن نَسينا أو أخطأنَا [البقرة:286]. قال ابن عباس: ( لما نزلت هذه الآية قال الله: قد فعلت ) [أخرجه مسلم].
س2: هل يكفي عند التقصير في الحج أو العمرة تقصير جزء من الأمام وجزء من الخلف؟
ج2: هذا التقصير لا يكفي، والواجب أن يعمّ جميع الرأس بالحلق أو التقصير؛ لقوله يعالى:
مُحلَقِينَ رُءُوسَكُم وَمُقَصَرِينَ [الفتح:27].
س3: ما صفة صلاة الجنازة؟
ج3: صفتها بإيجاز أن يكبر أربع تكبيرات وهو قائم ثم يسلم؛ ففي التكبيرة الأولى يرفع يديه ثم يقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي
، ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت بالمغفرة والرحمة، ويخلص له في الدعاء، وإن دعا بما ورد عن النبي
فهو أفضل، ومما ثبت عن النبي
من الأدعية:
{ اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده } [أخرجه أبوداود والترمذي وابن ماجة من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح].
{ اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نُزله، ووسع مُدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار } [أخرجه مسلم من حديث عوف بن مالك]. ثم يكبر الرابعة ويسلم عن يمينه.
س4: هل يجوز المرور أمام المصلي في الحرم؟
ج4: لا يجوز المرور أمام المصلي إذا كان إماماً أو منفرداً، أما المأمومون فيجوز المرور أمامهم وبين الصفوف.
وينبغي على المصلي أن يبتعد عن مكان مرور الناس في الحرم، وعليه أن يتخذ سترة يصلي إليها ويقرب منها كالجدار والعمود ورفّ المصاحف ونحو ذلك، ولا يضره من مرّ وراء السترة.
ولا فرق بين الحرم وغيره في ذلك، أما حديث مرور الناس بين يدي النبي
وليس بينه وبين الكعبة سترة فإسناده ضعيف (انظر فتح الباري:1/687).
وبهذا تنتهي الرسالة وصلى الله وسلم على نبينا محمد.