إن الشرك بالله تعالى أعظم ذنب عصي الله به ، كما قال جل وعلا : (( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) (لقمان: من الآية13)

ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله نداً وهو خلقك " [ رواه البخاري ومسلم ]

ولذا فإن الشرك وحده لا يغفره الله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ لا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)) (النساء: من الآية48) ومن ثم فهو مُحبط
للأعمال الصالحة (( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ)) (الأنعام: من الآية88)

• ويقسم العلماء الشرك إلى قسمين : أحدهما شرك أكبر ، وهو أن يصرف العبد نوعاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى :
والآخر هو الشرك الأصغر ، وهو ما نحن بصدده الآن .

• وهذا الشرك من الموضوعات المهمة التي تحتاج إلى دراسة وافية ، نظراً لخطورته وشدة وعيده ، حيث خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صحابته ، أكمل الأمة إيماناً رضي الله عنهم ، ولكثرة من وقع فيه من المسلمين ، فلا يكاد أحد ينجو منه إلا من عصم الله .

وأرجو من الله تعالى التوفيق في عرض هذا الموضوع المهم الخطير للإخوة
القراء ، وهو جهد مقلٍّ سعى في جمع كلام أهل العلم في هذا الموضوع من خلال
العناصر التالية :

أولاً : تعريفه :

يمكن أن نعرّف الشرك الأصغر بأنه هو : ( ما أتي في النصوص أنه شرك ، ولم يصل إلى حدّ الشرك الأكبر )

• منها : صريح النص عليه ، كقوله صلى الله عليه وسلم كقوله صلى الله عليه وسلم : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " قالوا : يا رسول الله ، وما الشرك الأصغر ؟ قال : " الرياء " [ رواه أحمد ] .

• ومن الدلالات على الشرك الأصغر أن يأتي منكراً غير معرّف ، فإن جاء
معرّفاً بـ ( دلّ على أن المقصود به الشرك المخرج من الملة ) ومن ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " [ رواه أحمد وأبو داود ]

• ومن الدلالات أيضاً على الشرك الأصغر ما فهمه الصحابة من النص ، فالصحابة
أعلم الأمة بمعاني نصوص الكتاب والسنة ، ومثاله حديث :" الطيرةُ شركٌ ،
وما منا إلا ، ولكنّ الله يذهبه بالتوكل " [ رواه أحمد والترمذي ]

فإن آخر الحديث على الصحيح ، هو من قول ابن مسعود رضي الله عنه ومعناه : وما منا إلا ويقع له شيء من التطير .

ومن ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف بغير الله فقد أشرك " [ رواه الترمذي وحسنه ] ، فقد فسر ابن عباس رضي الله عنه أن الحلف بغير الله من الشرك الخفي والذي يعتبر شركاً فقد قال ابن عباس ، عن قوله تعالى :
(( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ))
(البقرة: من الآية22) " الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة
سوداء في ظلمة الليل ، وهو أن تقول : والله وحياتك يا فلان ، وحياتي .. " [رواه ابن أبي حاتم ]


والشرك الخفي يعتبر شركاً أصغر ؛ حيث فسر الرسول صلى الله عليه وسلم
الشرك الخفي بالرياء ، والذي يُعدُّ شركاً أصغر ، وإليك الدليل عن أبي سعيد
الخدري مرفوعاً " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قال : بلى ! قال : الشرك الخفي ، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل " [ رواه أحمد ]



وعن شداد بن أوس : " كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر " [ رواه الحاكم وصححه ]


• ومن هذه الدلالات أن يفسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشرك الذي جاء
في نصٍ بما يوضح أن المراد به ما دون الشرك الأكبر ، ومن ذلك حديث معاوية
الليثي مرفوعاً : " يكون الناس مجدبين ، فينزل الله عليهم ، فيصبحون مشركين ؛ يقولون مُطرنا بنوء كذا " [ رواه أحمد ] .


فالمراد بهذا الشرك ، هو كفر النعمة ضد الشكر ، وهو من الكفر الأصغر ( العملي ) لما أخرجه الشيخان من حديث زيد بن خالد رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء ( أي مطر ) كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس ، فقال : " هل تدرون ما ذا قال ربُّكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال : " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مُطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب " وفي رواية لمسلم عن ابن عباس مرفوعاً : " أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ، قالوا هذه رحمة الله ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا "

• ومن الشرك الأصغر ما يكون شركاً بحسب قائله ومقصده - في حد ذاته – من الشرك الأصغر ( شرك الألفاظ ) ، لكن إن قصد قائله تعظيم غير الله تعالى كتعظيم الله تعالى مثلاً فهذا شرك أكبر .

• ولا أنسى أن أشير إلى أن الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله قد عرّف الشرك الأصغر بما يلي : " كل وسيلة وذريعة يُتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة "

ويبدو لى والله أعلم أن الحد السابق للشرك الأصغر أكثر دقة وانضباطاً من هذا الحد الذي لا يمكن تمييزه وحصره .

ثانياً : الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر :
إن الشرك الأكبر محكومُ على صاحبه بالخروج من الإسلام في الدنيا ، والتخليد
في النار ، وتحريم الجنة في الآخرة ، وأما الشرك الأصغر فهو بخلاف ذلك ،
فلا يحكم على صاحبه بالكفر ، ولا الخروج من الإسلام ، ولا يخلد في النار .
كما أن الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال ، بينما الأصغر يحبط العمل الذي قارنه .
• وتبقى مسألة – هي محلُّ خلاف – وهي : هل الشرك الأصغر لا يُغفر إلا بالتوبة كالأكبر أم هو مثل الكبائر تحت المشيئة الإلهية ؟

هناك من العلماء من قال: إن الشرك الأصغر لا يغفر
لصاحبه إلا بالتوبة لعموم الآية ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ)) (النساء: من الآية48) لكن يدخل تحت الموازنة بخلاف الأكبر الذي
يحبط كل الأعمال كما سبق ، فإن حصل معه حسنات راجحة على ذنوبه دخل الجنة
وإلا دخل النار

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يميل إلى ذلك حيث يقول مثلاً : " وأعظم الذنوب عند الله الشرك به ، وهو سبحانه لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، و الشرك منه جليلٌ ودقيقٌ وخفيٌ وجليٌ "

ويقول بعبارة أصرح من السابقة : " وقد يقال : الشرك لا يغفر منه شيء لا
أكبر ولا أصغر على مقتضى القرآن ، وإن كان صاحب الشرك ( الأصغر ) يموت
مسلماً ، لكن شركه لا يغفر له ؛ بل يعاقب عليه ، وإن دخل بعد ذلك الجنة "


لكن يفهم من عبارات ابن القيم أن الشرك الأصغر تحت المشيئة ، حيث يقول رحمه الله : " فأما نجاسة الشرك ففي نوعان : نجاسة مغلظة ، ونجاسة مخففة ، فالمغلظة الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا ، فإن الله يغفر أن يشرك به ، والمخففة الشرك الأصغر كيسير الرياء " ومرة يقول : " الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه " إلى أن يقول : " وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتصنع للمخلوق "


وقد ذكر العلامة السعدي كلاماً مهماً في هذه المسألة ، أنقل بعضه : " من لحظ إلى عموم الآية ( يعني قوله تعالى (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ )) وأنه لم يخص شركاً دون شرك ، أدخل فيها الشرك الأصغر ، وقال :
إنه لا يغفر ؛ بل لا بد أن يعذب صاحيه ، لأن من لم يغفر له لا بد أن يعاقب
، ولكن القائلين بهذا لا يحكمون بكفره ، ولا بخلوده في النار ، وإنما
يقولون يعذب عذاباً بقدر شركه ، ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة .


وأما من قال: إن الشرك الأصغر لا يدخل في الشرك المذكور في هذه الآية ، وإنما هو تحت المشيئة ، فإنهم يحتجون بقوله تعالى : (( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ )) (المائدة: من الآية72)

فيقولون : كما أنه بإجماع الأئمة أن الشرك الأصغر لا يدخل في تلك الآية ، وكذلك لا يدخل في قوله تعالى : (( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ )) (الزمر: من الآية65)
لأن العمل هنا مفرد مضاف ، ويشمل الأعمال كلها ، ولا يحبط الأعمال الصالحة كلَّها إلا الشرك الأكبر .
ويؤيد قولهم أن الموازنة واقعة بين الحسنات والسيئات التي هي دون الشرك ،
لأن الشرك الأكبر لا موازنة بينه وبين غيره فإنه لا يبقى معه عمل ينفع

ثالثاً : أمثلة الشرك الأصغر وصوره :
الشرك الأصغر قد يكون طاهراً جلياً ، وربما كان خفياً دقيقاً ، كما أنه يكون في الإرادات والنيات ، ويكون في الأقوال والأفعال .

• فمن أمثلة هذا الشرك : التطير : وهو التشاؤم بالطيور ، والأسماء ،
والألفاظ ، والبقاع وغيرها ، فنهى الشارع عن التطير وذم المتطيرين ، قال تعالى : (( أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)) (لأعراف: من الآية131)

وقال صلى الله عليه وسلم : " لا عَدْوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر " وعن ابن مسعود مرفوعاً : " الطيرة شركٌ " [ رواه أبو داود والترمذي ]

إن التطير سوء الظن بالله تعالى : وتعلق بأسباب موهومة ...

ومن ثم فإن التشاؤم إنما هو في نفس الشخص المتشائم لا في الشيء المتشائَم
منه ، فوهمُه وخوفه وإشراكه هو الذي يُطيره ويصعده لا ما رآه وسمعه ، ولذا
لما قال معاوية بن الحكم السلمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ومنا أناس يتطيرون ، فقال : " ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم " [ رواه مسلم ] لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ويكره الطيرة ، لأن الفأل الحسن إنما هو حُسن ظنٍ بالله تعالى ، ودون تعلق للقلب بغير الله ، بل فيه من المصلحة والسرور وتقوية النفوس وموفقة الفطرة إلى ما يلائمها .

• وقد جاءت الأحاديث في بيان علاج ذلك : منها " مَنْ ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك " قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال : أن تقول : " اللهم لا خير إلا خيرك ، ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك " [ رواه أحمد ] ,

ولأبي داود ، عن عقبة بن عامر قال: ذُكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال : " أحسنها الفأل ، ولا ترد مسلماً ، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يدفع السيئات إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بك " .
إن هؤلاء المتشائمين والواقعين في شَرَك هذا الشرك الأصغر إنما هو
لظنهم أن التطير سببٌ في حصول نفع أو دفع ضر، ومن ثم فإنه يتعين على المكلف
أن يعرف في الأسباب ثلاث أمورٍ :
أحدها : ألا يجعل منها سبباً إلا ما ثبت أنه سبب شرعاً أو قدراً ، والطيرة
ليست كذلك ، فالشارع نهى عنه ، وأما القدر فإن التطير ليس سبباً مادياً
معهوداً في حصول المقصود ، ومن ثم فلا بد من إبطال التطير وإلغائه .

ثانياً : ألا يعتمد العبد عليها ؛ بل يعتمد على مسبّبها ومقدرها مع قيامه بالمشروع منها ، وحرصه على النافع منها .

ثالثاً : أن يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره ولا خروج لها عنه


• ومن أمثلة هذا الشرك : شرك الألفاظ : ومنه الحلف بغير الله ؛ لما جاء في الأحاديث الكثيرة من التحذير من ذلك ، ووصفه بأنه شرك ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " [ رواه أحمد وأبو داود ]


وكذلك حديث ابن عمر مرفوعاً : " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت " [ أخرجاه ]
وعن بريدة مرفوعاً : " من حلف بالأمانة فليس منا " [ رواه أبو داود ] .

وقد جاءت كفارة ذلك من حديث أبي هريرة مرفوعاً : " من حلف باللات والعزّى فليقل : لا إله إلا الله " [ رواه البخاري ومسلم ] .


ومن شرك الألفاظ ما ورد عن ابن عباس في قوله تعالى : (( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً)) (البقرة: من الآية22) حيث قال رضي الله عنه : " الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صخرة سوداء في ظلمة الليل ، وهو أن تقول : والله وحياتك يا فلان ، وحياتي ، وتقول : ولو لا كلبة هذا لأتانا اللصوص ، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص ، وقول الرجل لصاحبه : ما شاء الله وشئت ، وقل الرجل ، لو لا الله وفلان ، لا تجعل فيها " فلان " هذا كله شرك " [ رواه ابن أبي حاتم ] .

• ومن الشرك الأصغر : الشرك الخفي : وهو الشرك في الإرادات والنيات ، ورحم الله ابن القيم عند ما يقول عن هذا الشرك : " فذلك البحر الذي لا ساحل له ، وقلّ من ينجو منه ، فمن أراد بعمله غير وجه الله ، ونوى شيئاً غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه ، فقد أشرك في نيّته وإرادته "


• ومن هذا الشرك ، يسير الرياء لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن يسير الرياء شرك " [ رواه ابن ماجة ] .


وأما الرياء المحض فهذا من النفاق الأكبر المخرج من الملة كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه في جامع العلوم والحكم ، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه
وسلم الرياء شركاً خفياً ، وسماه شرك السرائر ، فعن أبي سعيد مرفوعاً : "
ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ " قالوا : بلى ، قال : " الشرك الخفي ؛ يقول الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل " [ رواه أحمد ] .

وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يقوم الرجل فيصلي ، فيزين صلاته جاهداً لما يرى من نظر الرجل إليه ، فذلك شرك السرائر " [ رواه ابن خزيمة ] .


• إن الرياء داء عُضال ، وآفة عظيمة إلى علاج شديد وتمرين النفس على الإخلاص ومجاهدتها في مدافعة خواطر الرياء والاستعانة بالله على دفعها


وكما قال الطبي عن الرياء : " هو من أضرّ غوائل النفس ، وبواطن مكائدها ،
يُبْتَلى به العلماء والعباد ، والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة ،
فإنهم مهما قهروا نفوسهم وفطموها عن الشهوات وصانوها عن الشبهات ، عجزت
نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة ، الواقعة على جوارح ، فطلبت الاستراحة إلى التظاهر بالخير وإظهار العلم والعمل ، فوجدت مخلصاً من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ، ولم تقنع باطلاع الخالق تبارك وتعالى ، وفرحت بحمد الناس ، ولم تقنع بحمد الله
وحده ، فأحبت مدحهم ، وتبركهم بمشاهدته وخدمته وإكرامه وتقدمه في المحافل ،
فأصابت النفس في ذلك أعظم اللذات وأعظم الشهوات ، وهو يظن أن حياته بالله تعالى ، وبعبادته ، وإنما حياته هذه الشهوة الخفية التي تعمى عن دركها العقول النافذة ، قد أثبت اسمه عند الله من المناقين ، وهو يظن أنه عند الله
من عباده المقربين ، وهذه مكيدة للنفس لا يسلم منها إلا الصديقون ، ولذلك
قيل : " آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرياسة " انتهى كلامه .


• يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تزيّن بما ليس فيه شانه الله "

• وقد أرشد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى علاج لهذا الشرك ، فقد جاء في حديث أبي موسى الأشعري أنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : " يا أيها الناس ، اتقوا هذا الشرك ، فإنه أخفى من دبيب النمل فقيل له : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال : " قولوا : اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه " [ رواه أحمد ]