احذر أيها الزوج:
1- أن تَطعم زوجتك وأولادك من حرام:
ففي مسند الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا كعبُ بن عُجْرَة، إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبَتا على سُحت، النار أولى به)).
وكانت المرأة قديمًا تقول لزوجها وهو خارج يسعى لعمله: اتق الله، وإيَّاك والكسب الحرام؛ فإنا نصبر على الجوع والضر، ولا نصبر على حرِّ جهنم"؛ "الإحياء" (1/ 748).
2- أن تمنَّ على الزوجة عند الإنفاق عليها:
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: المُسبل إزاره، والمنَّان الذي لا يعطي شيئًا إلا منه، والمُنفِّق سلعته بالحلف الكاذب))؛ صحيح الجامع (3067).
فضل النفقة على الأهل:
إن فضل الصدقات والقربات إلى الله، أن ينفق الزوج على زوجته وأولاده؛ أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: ((إذا أنفق المسلم نفقةً على أهله وهو يحتسبها، كانت له صدقة)).
فعلى المسلم أن يحتسب نفقته على أهله وأولاده، ناويًا بهذه النفقة القيام بأمر الله وإعفافهم، وصيانتهم عن التطلع إلى ما في أيدي الناس، وفي صحيح مسلم: ((دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدَّقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك)).
وعند البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: ((إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة، فإنك تؤجر، حتى اللقمة ترفعها إلى فِيِّ امرأتك)).
- وفي رواية: ((ولست تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله، إلا أُجِرت بها، حتى اللقمة تجعلها في فِيِّ امرأتك)).
وفي مسند الإمام أحمد، من حديث المقدام بن مَعْديَكْرِب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمتَ زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة))؛ الصحيحة (452).
بل إن السعي على الزوجة والأولاد جهاد في سبيل الله - تعالى - فقد أخرج الطبراني في "الكبير" - وهو في صحيح الجامع - عن كعب بن عُجْرَة، قال: "مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل، فرأى أصحابه من جلْده ونشاطه ما أعجَبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفُّها، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على رياء ومفاخرة، فهو في سبيل الشيطان))؛ صحيح الترغيب والترهيب (1692).
بل جعل عبدالله بن المبارك السعي على الزوجة والأولاد أفضل من الجهاد في سبيل الله، فكان يقول - كما في "سير أعلام النبلاء" (8/ 399) -: "لا يقع موقع الكسب على العيال شيء، ولا الجهاد في سبيل الله".
إثم من قصَّر في النفقة على الأهل:
إذا كانت النفقة واجبةً على الزوج، فإن تقصيره فيها يعد إثمًا عظيمًا؛ لمخالفة الواجب، فالرجل مسؤول أمام الله عن زوجته وأولاده؛ ففي صحيح ابن حبان أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: ((إن الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أم ضيَّع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)).
وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كفى بالمرء إثمًا أن يَحبس عمَّن يملِك قُوته)).
وفي مسند الإمام أحمد، وفي سنن أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كفى بالمرء إثمًا أن يُضيع مَن يقوت))؛ ضعفه البعض، وحسنه الألباني في "الإرواء" (3/ 407).
ومن المصائب أن تبتلى المرأة برجل بخيلٍ، فلا ينفق عليها ولا على أولادها، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يَستعيذ من البخل.
فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كما عند البخاري ومسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والهرَم، والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات)).
وإذا ابتُليت المرأة بزوج حاله هكذا - أي بخيل - فلتأخذ بدون علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف؛ ولذا بوَّب البخاري في صحيحه بابًا، فقال: "باب إذا لم ينفق الرجل، فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف"، ثم أورد حديث عائشة - رضي الله عنها - فقالت: "إن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)).
وهذا الحديث فيه دلالة على وجوب الإنفاق على الزوجة وكفايتها.
قال ابن قدامة كما في "المغني" (7/ 563): "وفيه دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها، وأن ذلك مقدَّر بكفايتها، وأن نفقة ولده عليها دونها بقدر كفايتهم، وأن ذلك بالمعروف، وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يُعطها إياه"؛ ا.هـ.
ثانيًا: وأما الكسوة:
فقد أجمع أهل العلم على أنه تجب الكسوة للزوجة على زوجها، إذا مكَّنته من نفسها على الوجه الواجب عليها؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233].
ولِما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر - رضي الله عنه -: ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))؛ مسلم.
وعند أبي داود من حديث معاوية - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما حق امرأتي علي؟ قال: ((تطعمها مما تطعم، وتكسوها مما تكتسي))؛ صحيح أبي داود (2/ 244).
ولأن الكسوة لا بد منها على الدوام؛ فلزِمته كالنفقة، كما أجمعوا على أنه يجب أن تكون الكسوة كافيةً للمرأة، وأن هذه الكفاية تختلف باختلاف طولها وقِصَرها، وسِمَنها وهُزالها، وباختلاف البلاد التي تعيش فيها في الحر والبرد"؛ "روضة الطالبين"، (9/ 47).
فائدة:
لو كساها الزوج، ثم طلقها، أو مات، أو ماتت قبل أن تَبْلَى الثياب، فهل يسترجعها؟
إذا استلمت المرأة نفقتها المفروضة، ثم طلقها الزوج أو توفي عنها أو توفِّيت، فلا يجوز للزوج - ولا لورثته - استرجاعها في أصح قولي العلماء، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والأصح عند الشافعية، ووجه عند الحنابلة؛ لأنه وفَّاها ما عليه، ودفع إليها الكسوة بعد وجوبها، فلم يكن له الرجوع فيها؛ ولأنها صلة، فأشبَهت الهِبة، ولا يجوز الرجوع في الهبة في حال وفاة الواهب أو الموهوب"؛ صحيح فقه السنة (3/ 201).
وقفة:
على الزوجة أن تراعي ظروف زوجها، فلا تُرهقه بالإكثار من الطلبات والنفقات في غير ما حاجة، وأن تصبر عليه إن كان فقيرًا، وقد أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على نساء قريش من أجل هذا؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير نساء رَكِبن الإبل نساء قريش؛ أحناه على ولد في صِغَر، وأرعاه على زوج في ذات يد)).
ومما يعين المرأة على ذلك: أن تنظر إلى من هي أقل منها في المعيشة؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((انظروا إلى مَن هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تَزدروا نعمة الله عليكم)).
20- أن يوفر لها السكن الشرعي المناسب:
وأما السكنى، فهي واجبة للزوجة على زوجها بالاتفاق:
1- لأن الله - تعالى - جعل للمطلقة الرجعية السكنى على زوجها، فوجوب السكنى للتي هي في صلب النكاح أولى.
قال الله - تعالى -: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ [الطلاق: 6].
2- ولأن الله - تعالى - أوجب المعاشرة بالمعروف بين الأزواج، بقوله: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19].
ومن المعروف المأمور به: أن يُسكنها في مسكن تأمَن فيه على نفسها ومالها.
3- كما أن الزوجة لا تستغني عن المسكن؛ للاستتار عن العيون، والاستمتاع، وحفظ المتاع؛ فلذلك كانت السكنى حقًّا على زوجها"؛ "البدائع"، (4/ 15).