أنا واللهِ من قلبي |
أُحبُّكَ يا رسولَ اللهْ |
وليسَ الحبُّ مفروضًا |
بأمرٍ جاءْ |
وما حبي أكاذيبًا ، |
ولا أهواءْ |
أنا قد جئتُ للدنيا |
غريبًا |
كلُّنا غرباءْ |
تتوقُ نُفوسُنا الظمأى |
لنبعِ الماءْ |
وكانَ الكونُ مُعتلاً |
ولا أملٌ بأيِّ شِفاءْ |
وكانَ الكونُ من قبلِكْ |
يَهيمُ كبطَّةٍ عرجاءْ |
طبيبًا جئتَ للدنيا |
تُشخِّصُ بالقلوبِ الداءْ |
فأنتَ البَلسَمُ الشافي |
بكلِّ دواءْ |
وإنْ كانتْ جميعُ الناسِ أكفاءً |
فأنت هنالِكَ استثناءْ |
فلا قبلَكْ ، ولا بعدَكْ ، |
ولا أحدٌ يُضاهيكَ |
من الأزلِ .. |
إلى ما شاءْ |
وأحببتُكْ |
وليسَ الحبُّ مَكرُمةً |
ولا مِنَّةْ |
ولا خوفًا من النارِ ، |
ولا طمعًا بفردوسينِ في الجنَّةْ |
وليسَ لأنَّهُ فرضٌ |
وليسَ لأنَّهُ سُنَّةْ |
ولكني أُحبُّكَ يا رسولَ اللهْ |
حبيبًا لي ، |
صديقًا لي ، |
قريبًا لي ، |
أبي ، عمي ، أخي ، جاري |
ولو بُحتُ .. |
بأسراري |
تُصدقُني ؟ |
أنا المكروبْ |
وكُلِّي في الحياةِ عيوبْ |
وعمري مُذْ أتيتُ ذنوبْ |
وأخطائي بلا حدِّ |
وزلاتي بلا عَدِّ |
وإخلاصي |
مَثارَ الشكِّ والنقدِ |
وأُكرهُ بعضَ أحيانٍ |
على الذنبِ الذي حَلَّ |
أُقوِّمُ دائمًا نفسي |
ولستُ أرى لها حَلا |
وأحفظُ من كتابِ اللهِ |
أحفظُ عَشْرَ آياتٍ |
أُردِّدُها بكلِّ صلاةْ |
ووقتٌ لم أجدْ عندي |
رغيفَ الخبزِ واللهِ |
وليسَ سِواهْ |
وأطفالي تُسائلُني |
تُطاردُني هنا الأفواهْ |
وأحلامي هنا ماتتْ |
على عيني |
ككلبٍ ميِّتٍ بفلاةْ |
وقوتُ اليومِ لا أجدُ |
وما صارت عليَّ زكاةْ |
وعيشي كلُّهُ ضِيقٌ |
ومن ضيقي |
أنا العبدُ الذي دومًا |
يُناجي باكيًا مولاهْ |
ورغمَ الخوفِ والمأساةْ |
أقولُ لعلَّ آخرتي تُعوِّضُني |
عن البؤسِ الذي ألقاهْ |
أنا خائفْ .. |
فطمئِنِّي بعفوِ اللهْ |
أنا الخجلانُ من نفسي |
ومن ربي |
فكيفَ الآنَ أدعوهُ |
وبعدَ دقيقةٍ أعصاهْ |
*** |
أُحبُّكَ يا رسولَ اللهْ |
وكانَ الحُلمُ في عمري |
أحُجُّ البيتَ ، أعتمِرُ |
ولكنْ حالتِ الأقدارْ ، |
وبؤسُ الحالْ |
ستبقى كلُّ أمنيتي |
أجيئُكَ حاملاً عِشقي ومَعصيتي |
وعندَ البابْ |
وأنتَ تُقابلُ الأحبابْ |
تُصافحُهم ، وتَحضُنُهم ، |
تُقبِّلُهم بكلِّ الحبِّ والترحابْ |
وتُعطيهم منَ الرحماتِ |
تعطيهم بغيرِ حسابْ |
تَرى دمعي على خدي |
أنا العاصي |
وهاهم غلَّقوا الأبوابْ |
وربُّكَ دائمًا توَّابْ |
فتشفعُ لي |
بيومٍ كلُّنا آتيهِ مُنفردًا |
بلا مالٍ ، ولا جاهٍ ، ولا أنسابْ |
*** |
صحيحٌ ما رأيتُ النورَ من وجهِكْ |
ولا يومًا سمعتُ العذبَ من صوتِكْ |
ولا يومًا حملتُ السيفَ في رَكبِكْ |
ولا يومًا تطايرَ من هنا غضبي |
كجمرِ النارْ |
ولا حاربتُ في أُحُدٍ |
ولا قَتَّلتُ في بدرٍ .. |
صناديدًا من الكفَّارْ |
وما هاجرتُ في يومٍ ، |
ولا كنتُ .. |
من الأنصارْ |
ولا يومًا حملتُ الزادَ والتقوى |
لبابِ الغارْ |
ولكنْ يا نبيَّ اللهْ |
أنا واللهِ أحببتُكْ |
لهيبُ الحبِّ في قلبي |
كما الإعصارْ |
فهل تَقبلْ ؟ |
حبيبي يا رسولَ اللهِ |
هل تقبلْ؟ |
نعم جئتُ .. |
هنا متأخرًا جدًّا |
ولكنْ .. ليس لي حيلةْ |
ولو كانَ .. |
قدومُ المرءِ حينَ يشاءْ |
لكنتُ رجوتُ تعجيلَهْ |
وعندي دائمًا شيءٌ من الحيرةْ |
فمَن سأكونْ |
أمامَ الصَّحْبِ والخِيرةْ |
فما كنتُ .. |
أنا "أنسَ" الذي خدمَكْ |
ولا "عُمرَ" الذي سندَكْ |
وما كنتُ .. |
"أبا بكرٍ" وقد صدَقَكْ |
وما كنتُ .. |
"عليًّا" عندما حَفِظَكْ |
ولا "عثمانَ" حينَ نراهُ قد نصرَكْ |
وما كنتُ .. |
أنا "حمزةْ" |
ولا عَمْرًا ، ولا "خالدْ" |
وإسلامي .. |
أنا قد نِلتُهُ شرفًا |
من الوالِدْ |
ولم أسمعْ "بلالاً" لحظةَ التكبيرْ |
ولا جسمي انشوى حيًا |
بصحراءٍ بكلِّ هجيرْ |
وما حطَّمتُ أصنامًا |
ولا قاتلْتُ في يومٍ .. |
جنودَ الكفرِ والتكفيرْ |
وما قُطِعَتْ يدي في الحربْ |
ولم يدخلْ هنا رمحٌ |
إلى صدري |
يَشُقُّ القلبْ |
ولم أُقدِمْ على شيءٍ ، |
ولم أهربْ |
ولا يومًا حَملْتُ لواءْ |
ولا واجهتُ في شَممٍ |
هنا الأعداءْ |
ولا يومًا رفعتُ الرايَ خفَّاقةْ |
أنا طفلٌ يُداري فيكَ إخفاقَهْ |
ولكنْ يا رسولَ اللهْ |
أنا نفسي |
لحبِّكَ يا رسولَ اللهْ |
وحبِّ اللهِ تَوَّاقَةْ |
*** |
أُحبُّكَ يا رسولَ اللهْ |
وليسَ الحبُّ تعبيرًا |
عن التقوى أو الإيمانْ |
وليسَ لأنني المسلمْ |
وليسَ لأنني الولهانْ |
وليسَ لأنني عبدٌ |
ومأمورٌ من الرحمنْ |
فحبُّكَ داخلي نوعٌ من الظمأِ ، |
من الحرمانْ |
أنا الماءُ .. |
على شفتي |
ودومًا في الهوى ظمآنْ |
أحبُّكَ يا رسولَ اللهْ |
أحبُّ محمدَ الإنسانْ |
أحبُّ محمدَ العدلَ |
طليقَ الوجهِ إذْ يعفو |
أحبُّ محمدَ الصادقْ .. |
إذا ما قالْ |
أحبُّ محمدَ البرَّ .. |
بكلِّ الناسِ |
يُعطيهم بغيرِ سؤالْ |
أحبُّ محمدَ الأخلاقْ |
أحبُّ محمدَ الإشفاقْ |
أحبُّ محمدَ الجارَ الذي يُكرِمْ |
أحبُّ محمدَ الأبَّ الذي يحنو |
أحبُّ محمدَ الميثاقْ |
أحبُّ محمدَ الزوجَ الذي يَعدِلْ |
كما الميزانْ .. |
إذا قَسَّمْ |
أحبُّ محمدَ الصدقَ |
إذا قالَ ، |
وإن أقسَمْ |
أحبُّ محمدَ الواثقْ |
أحبُّ محمدَ المكسورَ للخالقْ |
أحبُّ محمدَ الطاهرْ |
أحبُّ محمدَ الصابرْ |
أحبُّ محمدَ القائدْ |
أحبُّ محمدَ الزاهدْ |
أحبُّ محمدَ الرحمةْ |
أحبُّ محمدَ الطِيبَ الذي يَنضحْ |
أحبُّ محمدَ الإنسانَ |
إذْ يأسَى ، وإذْ يفرحْ |
أحبُّ محمدًا في الغارِ |
ينتظرُ .. |
هنا جبريلْ |
وغيثَ بكارةِ التنزيلْ |
وأوَّلَ أحرُفٍ جاءَتْ من الترتيلْ |
وتقديسًا له قد جاءَ |
في القرآنِ ، والتوراةِ ، والإنجيلْ |
أحبُّ محمدًا طفلاً |
بصدرِ "خديجةٍ" يبكي من الخوفِ |
تُدثِّرُهُ خديجتُهُ |
بدمعِ الحبِّ والتدليلْ |
أحبُّ محمدَ الأوابْ |
و"فاطمةٌ" ترُدُّ البابْ |
وتشكو لو "عليٌ" غابْ |
تُطمئنُها |
وألمحُ فوقَ ركبتِكَ |
هنا "الحسنَ" |
وذاكَ "حُسينْ" |
كلؤلؤتينْ |
وفي رِفقٍ حملتَهما ، |
حضنتَهما ، |
وقبَّلتَ .. |
عيونَهما ، |
وشعرَ الرأس ، والكفينْ |
كأنَّ فراقَكم آتٍ |
وأنتَ تراهُ في الغيبِ |
كرؤيةِ عينْ |
وجبريلٌ يَمُدُّ يديهِ في شغفٍ |
ويَمسحُ فوقَ خديكَ |
دموعَ البينْ |
وأصحابُكْ ، وأحبابُكْ |
قناديلٌ مُعلقةٌ |
بكلِّ سماءْ |
ودمعُ الناسِ حباتٌ من اللؤلؤْ |
موزعةٌ على الأرجاءْ |
وصوتُ الحقِّ في قلبِ المحبينَ |
كترتيلٍ ، وهمسِ دعاءْ |
هنا يبكي "أبو بكرٍ" |
ويرتجفُ .. |
هنا "عثمانْ" |
"عليٌ" يدخلُ القاعةْ |
ويقرأُ سورةَ الرحمنْ |
وتُخضِعُ نفسَهُ الطاعةْ |
مع الإيمانْ |
وصوتُ "بلالْ" |
يَهُزُّ جِبالْ |
وصدرُ الناسِ يرتجفُ .. |
من الأهوالْ |
و"مكةُ" مثلُ قديسةْ |
تفوحُ بحكمةٍ وجلالْ |
وعبدٌ يَكسرُ الأغلالْ |
وبذرةُ أُمَّةٍ زُرِعَتْ |
فينبُتُ نورُها في الحالْ |
ووجهُكَ يا حبيبَ اللهِ |
كالبدرِ بكلِّ كمالْ |
نبيٌّ يرفعُ الرأسَ |
بكلِّ خشوعْ |
وفي عينيهِ لؤلؤتانِ قد فاضا |
أسىً ودموعْ |
وفي الخلفِ .. |
ألوفٌ سُجَّدٌ وركوعْ |
ملائكةٌ من الرحمنِ قد جاءَتْ |
تُطمئنُ قلبَكَ المفجوعْ |
*** |
وصوتُ اللهْ |
يرُجُّ الكونَ أسفلَهُ ، |
ومن أعلاهْ |
أنا الواحدْ |
أنا الواجدْ |
أنا الماجدْ |
فسبحانَ الذي بِعُلاهْ |
وللديانِ قد جئنا |
حفاةً كلُّنا وعُراةْ |
كأفراخٍ بلا ريشٍ |
كطفلٍ ضائعٍ بفلاةْ |
نُفتشُ عنكَ في هلعٍ |
ونصرخُ : يا رسولَ اللهْ |
أجِرْنا من عذابِ اليومِ |
وارحمنا .. |
من الهولِ الذي نلقاهْ |
وأنتَ أمامَنا تقفُ |
نبيَّ الرحمةِ المهداةْ |
وتطلبُ منهُ أن يعفو ، |
وأن يغفرْ |
فهذا الوعدُ من ربي |
فيا رُحماهْ |
فذُدْ عنَّا |
وطمئنَّا |
لأن الخوفَ يقتلُنا |
فها نحنُ .. |
وقفنا كلُّنا نبكي |
أمامَ اللهْ |
أنا لا شيءَ أملكُهُ |
ولا شيءٌ سيُدركُني وأُدركُهُ |
سوى أملي |
لعلَّ العفوَ يَشملُني |
بحبِّكَ يا رسولَ اللهْ |