تبعالله تعالى جعل القلب وسيلة نعقل به :
الآن أخواننا الكرام، النتيجة، الخطبة الثانية ملخص الأولى:
يتحدث العلماء اليوم جدّياًّ عن دماغ موجود في القلب، يتألف من أربعين خلية عصبية، أي ما نسميه العقل موجود في مركز القلب، وهو الذي يقوم بتوجيه الدماغ لأداء مهامه، ولذلك فإن الله تعالى جعل القلب وسيلة نعقل به، يقول تعالى:
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(46) ﴾
( سورة الحج )
هذه الآية حدّدت لنا مكان القلب، لكي لا يظن أحد أن القلب موجود في الرأس وهو الدماغ، أو أن هناك قلباً غير القلب الذي ينبض في صدرنا، هذه أقوال لا تعتمد على برهان علمي صحيح.
الدور الكبير الذي يلعبه القلب في عملية الفهم والإدراك :
يتحدث العلماء اليوم عن الدور الكبير الذي يلعبه القلب في عملية الفهم والإدراك وفقه الأشياء من حولنا، وهذا ما حدثنا عنه القرآن فقال:
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا (179) ﴾
( سورة الأعراف )
أي أن القرآن حدد لنا مركز الإدراك لدى الإنسان وهو القلب، معظم الذين يزرعون قلباً صناعياً يشعرون بأن قلبهم الجديد قد تحجَّر، ويحسون بقسوة غريبة في صدورهم، وفقدوا الإيمان، والمشاعر، والحب، وهذا ما أشار إليه القرآن في خطاب اليهود:
﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (74) ﴾
( سورة البقرة )
القسوة واللين صفة من صفات القلب حددها لنا القرآن الكريم : القرآن الكريم حدّد لنا صفة من صفات القلب ألا وهي القسوة واللين، فقال عن الكافرين:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(22) ﴾
( سورة الزمر )
وفي المقابل قال عن المؤمنين:
﴿ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ (23) ﴾
( سورة الزمر )
ثم يؤكد العلماء أن كل خلية من خلايا القلب تشكل مستودعاً للمعلومات والأحدث، لذلك بدؤوا يتحدثون عن ذاكرة القلب، ولذلك فإن الله تعالى أكد لنا أن كل شيء موجود في القلب، وأن الله يختبر ما في قلوبنا، و يقول تعالى:
﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(154) ﴾
( سورة آل عمران )
أهمية القلب في :
1 ـ عملية السمع:يؤكد بعض الباحثين على أهمية القلب في عملية السمع أهمية كبيرة، بل إن الخلل الكبير في نظام عمل القلب يؤدي إلى فقد السمع، بحث علمي، وهذا ما رأيته بنفسي قال هذا الباحث: عندما كان في أحد المشافي شاهد رجلاً لم يكن يصلي، وكان يفطر في رمضان، ولم يكن يسمع نداء الحق، وقد أصابه احتشاء بسيط في عضلة القلب، ثم تطور هذا الخلل حتى فقد سمعه تماماً، وآخر كلمة نطقها إنني لا أسمع شيئاً، ولذلك ربط القرآن بين القلب وبين السمع فقال: ﴿ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(100) ﴾
( سورة الأعراف )
2 ـ التعلم:
يتحدث الباحثون عن دور القلب في التعلم، وهذا يعتبر من أحدث الأبحاث التي نشرت مؤخراً، ولذلك فإن للقلب دوراً مهماً في العلم والتعلم، لأن القلب يؤثر على خلايا الدماغ ويوجهها، ولذلك فإن القرآن قد ربط بين القلب والعلم، فقال: ﴿ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(93) ﴾ ( سورة التوبة )
لا يفقهون، لا يسمعون.
المعلومات التي يختزنها القلب معلومات حقيقية صادقة :
تؤكد التجارب الجديدة أن مركز الكذب هو في مقدمة الدماغ في الناصية، في أعلى ومقدمة الدماغ، وأن هذه المنطقة تنشط بشكل كبير أثناء الكذب، أما المعلومات التي يختزنها القلب فهي معلومات حقيقية صادقة، وهكذا فإن الإنسان عندما يكذب بلسانه، فإنه يقول عكس ما يختزنه قلبه من معلومات، لذلك قال تعالى:
﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ (11) ﴾
( سورة الفتح )
القلب تتجمع فيه الحقائق، أما الدماغ في منطقة بالمقدمة اسمها الناصية مكان الكذب، فاللسان أحياناً ينطق عن الدماغ كذباً وإذا نطق عن القلب كان صواباً:
﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ (11) ﴾
( سورة الفتح )
والله سمى الناصية:
﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)﴾
(سورة العلق)
أهمية القلب في الإيمان والعقيدة :
ملاحظة أخرى، رأينا ذلك الرجل صاحب القلب الصناعي كيف فقد إيمانه بالله بعد عملية الزرع مباشرة، وهذا يعطينا مؤشراً على أن الإيمان يكون بالقلب وليس بالدماغ، وهكذا يؤكد قول بعض الباحثين على أهمية القلب في الإيمان والعقيدة، قال تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ (41)﴾
(سورة المائدة)
الآن نحتاج إلى مراجعة شاكلة لآيات القلب في القرآن الكريم، لنرى أن كل هذه الآيات تتوافق توافقاً مذهلاً مع أحدث بحوث علمية عن مهمات القلب العصبية والشعورية.
دور القلب وأهميته في صلاح النفس فهو مكان الخوف و الرعب :
أبحاث القلب الصناعي أن للقلب دوراً أساسياً في الخوف والرعب، وعندما سألوا صاحب القلب الصناعي عن مشاعره قال بأنه فقد القدرة على الخوف، لم يعد يخاف، أو يتأثر، أو يهتم بشيء من أمور المستقبل.
وهذا ما سبق به القرآن عندما أكد على أن القلوب تخاف:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) ﴾
( سورة الأنفال)
وكذلك جعل الله مكان الخوف والرعب هو القلب، فقال:
﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ (2) ﴾
(سورة الحشر)
أما السنة النبوية، سبق النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام علماء الغرب إلى الحديث عن دور القلب وأهميته في صلاح النفس، بل إنه جعل للقلب دوراً مركزياً، فإذا صلح هذا القلب فإن جميع أجهزة الجسد تصلح ـ بالمعنى العلمي ـ وإذا فسد فسوف تفسد جميع أنظمة الجسم، وهذا ما نراه اليوم في عمليات القلب الصناعي، حيث نرى بأن جميع أنظمة الجسم تضطرب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمئة عام:
(( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ))
[متفق عليه عن النعمان بن بشير]
أيها الأخوة الكرام، من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:
(( يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ))
[ الترمذي عَنْ أَنَسٍ]
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.
والحمد لله رب العالمين