ثناء ابن تيمية على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل البيت
علي ابن محمد القضيبي.
الحديث عن علاقة الصحابة بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, حري بنا أن نتوقف عندها بعض الشيء لنعيد للتاريخ نقاءه, وللأحداث صفاءها, بعد أن شوه المغرضون وأصحاب النفوس المريضة من الشعوبيين والحاقدين هذه الحقيقة المشرقة. والحديث عن الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم, هو حديث عمّا كان يجمع بين المسلمين من الرعيل الأول من محبة ووفاء وإيمان, ذلك أنهم آمنوا برب واحد ودين واحد, ونهلوا جميعاً من معين النبوة, حيث كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم معلمهم وقائدهم ومربيهم.
لذلك استحق المسلمون من سلفنا الصالح محبة الله ورضوانه وتفضيله إياهم على غيرهم بما تجسد فيهم من عظيم أخلاق وحسن فعال.
ولعلّ الأخوة التي قامت بين المهاجرين والأنصار, وما قدمه كل منهم في نصرة الدين وإعلاء شأنه دليل على الذين يريدون تشويه هذا المجتمع. فالمهاجرون تركوا أموالهم وديارهم وجاءوا إلى دار الهجرة نصرة للدين.
والأنصار قاسموا إخوانهم المهاجرين المال والتجارة, وصارت المؤاخاة بينهم مثلاً يضرب إلى قيام الساعة.
وإذا كان هذا هو حال المهاجرين والأنصار, وحال المسلمين عموماً, فكيف لنا أن نتخيل علاقة عموم المسلمين بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, حيث أن الصحابة هم أكثر الناس إيماناً بربهم, ومعرفة بحق نبيه صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين رضوان الله عليهم.
نقول هذا لنعرج بشيء من التفصيل على العلاقة التي كانت تربط بين صحابة رسو الله صلى الله عليه وسلم, وآل بيته, وهي العلاقة التي كانت مثالاً لأخلاق المسلمين من سلفنا الصالح, وهي التي تتناولها كتب هذا الشهر, والكتب الثلاثة التي نحن بصدد تناولها, تكمل بعضها بعضاً, وتكاد تعطي صورة واضحة عن توقير الصحابة, وأهل السنة عموماً لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واحترامهم ومحبتهم, وما كان يجمعهما من النسب والمصاهرة.
الكتاب الأول: ثناء ابن تيمية رحمه الله على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل البيت رحمهم الله, لعلي بن محمد القضيبي وقد صدر سنة 1424ﻫ, 2003 م عن شبكة الدفاع عن السنة. ومؤلفه شيعي هداه الله إلى الحق ومنهج أهل السنة, وأحب في هذه الرسالة أن يوضح ما كان يسمعه دائماً في مجالس الشيعة عن ظلم الصحابة لآل البيت, وبغض السنة لآل محمد صلى الله عليه وسلم.
ولعل اختياره لابن تيمية رحمه الله كنموذج لأهل السنة, لأن ابن تيمية علم كبير من أعلامهم, وأهم خصوم الشيعة ولذلك حاول الشيعة أن يصوروا ابن تيمية كعدو شرس لآل البيت والحقيقة أن مؤلفاته تزخر بحب أهل البيت ومعاداة من يعاديهم, على عكس ما يشيعه الشيعة من ثناء ابن تيمية رحمه الله على النواصب ومبغضي آل البيت, وقد جاءت أقوال ابن تيمية ومواقفه بشكل خاص في كتابه العظيم "منهاج السنة", وكذلك في مجموع الفتاوى والعقيدة الواسطية.
1- ذم شيخ الإسلام ابن تيمية للنواصب
وينقل المؤلف قول ابن تيمية رحمه الله ((وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين, ويتكلمون بعلم وعدل, ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء, ويتبرؤون من طريقة الروافض والنواصب جميعاً, ويتولون السابقين الأولين, ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم, ويرعون حقوق أهل البيت عليهم السلام التي شرعها الله لهم)).
[والنواصب هم الذين يسبون عليًّا أو يذمونه, وهم الآن لا وجود لهم ].
2-أ قوال ابن تيمية في فضل علي رضي الله عنه:
ويذكر المؤلف بعضاً مما قاله شيخ الإٍسلام رحمه الله في حق أمير المؤمنين علي وذكر فضله ومن ذلك قوله: ((فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم لله الحمد, من طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني, ولا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يُعلم صدقه)) منهاج السنة 8/ 165 , ويقول رحمه الله في موضع آخر من الكتاب نفسه:
وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله.
وبتفصيل أكثر عن مكانة علي, يقول ابن تيمية:
((وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه, وبذم الذين يظلمونه من جميع الفرق، وهم ينكرون على من سبّه, وكارهون لذلك, وما جرى من التسابّ والتلاعن بين العسكرين, من جنس ما جرى من القتال, وأهل السنة من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب
بل هم كلهم متفقون على أنه أجلّ قدراً, وأحق بالإمامة, وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه, وعلي أفضل من الذين أسلموا عام الفتح, وفي هؤلاء خلق كثير أفضل من معاوية, وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم, وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة, بل هو أفضل منهم كلهم إلاّ ثلاثة*, فليس في أهل السنة من يقدم عليه أحداً غير الثلاثة, بل يفضلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان, وعلى السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار)) منهاج السنة 4 / 396.
3-أقوال شيخ الإسلام في قتلة الحسين:
لم يكن هذا الموقف من ابن تيمية, وهو ما عليه أهل السنة محصوراً في الإمام علي, بل إن أهل السنة يحبون ويوقرون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من غير غلو, ويبغضون من يكرههم, كما يتضح من قول شيخ الإسلام في شأن قتلة الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما إذ يقول في ((مجموع الفتاوي)):
وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله, أو رضي بذلك, فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. ويقول أيضاً: والحسين رضي الله عنه قتل مظلوماً شهيداً, وقتلته ظالمون معتدون.
4-مكانة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة والجماعة.
ويختم المؤلف رسالته بما عليه أهل السنة وما يدينون به تجاه آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, وينقل هنا قول ابن تيمية كما جاء في ((العقيدة الواسطية)):
ويحبون (أي أهل السنة) أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: ((أذكركم الله في أهل بيتي)) رواه مسلم.
وفي مجموع الفتاوى سئل شيخ الإسلام عن محبة آل البيت فقال:
محبتهم عندنا فرض واجب, يؤجر عليه … ومن أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدل