حقوق الاخوة والصحبه
منقول بتصرف عن احياء علوم الدين للامام الغزالي
اعلم اخي المسلم انه عقد الاخوة رابطة بين شخصين كعقد النكاح بين الزوجين , وكما يقتضي النكاح حقوقا يجب الوفاء بها قياما بحق النكاح فكذلك عقد الاخوة . فان لاخيك عليك حق في المال والنفس واللسان والقلب بالعفو والدعاء والوفاء وترك التكلف والتكليف نوجز منها حقوقا ثاملنية :
1-الحق الاول :
قال صلى الله عليه وسلم .
(( مثل الاخوين مثل اليدين تغسل احداهما الاخرى )) وقد شبههما باليدين لانهما يتعاونان على غرض واحد وان تكون العلاقة بينهما قائمة على اساس المودة والمحبة الخالصة في الله وانه تؤثره على نفسك وتقدم حاجته قبل حاجتك وهذه رتبة الصديق كما روي انه سعي بجماعة من الصوفية الى بعض الخلفاء فأمر بضرب رقابهم وفيهم ابو الحسين النوري فبادر الى السياف ليكون هو اول مقتول فقيل له في ذلك , فقال احببت ان أؤثر اخواني بالحياة في هذه اللحظة , فكان ذلك سببا بنجاة جميعهم .
وقال صلى الله عليه وسلم (( ما اصطحب اثنان قط الا كان احبهما الى الله ارفقهما بصاحبه )) .
2-الحق الثاني :
ات تعينه في قضاء الحاجات والقيام بها قبل السؤال وتقديمها على الحاجات الخاصة . وان قصدت حاجة في اخيك ولم يقضها فذكره فان لم يفعل فاقرأ السلام ولا تعده من الاخوان وكان السلف رحمهم الله يتفقد عيال اخيه حتى اربعين سنة بعد وفاته .
وقال عليه الصلاة والسلام (( ألا وأن لله اواني في ارضه وهي القلوب فأحب الاواني الى الله تعالى اصفاها واصلبها وارقها )) اصفاها من الذنوب واصلبها في الدين , وارقها على الاخوان .
وجاء في الاثر (( ما زار رجل اخا في الله شوقا الى لقائه الا ناداه ملك من خلف طبق وطابت لك الجنة )) .
وقال عطاء تفقدوا اخوانكم بعد ثلاث , فان كانوا مرضى فعودوهم او مشاغيل فاعينوهم او كانوا نسوا فذكروهم .
3-الحق الثالث :
في اللسان بالسكوت مرة وبالنطق اخرى اما السكوت فهو ان يسكت عن ذكر عيوبه في غيبته وحصرته بل يتجاهل عنها ويسكت عن الرد عليه فيما يتكلم به , ولا يماريه ولا يناقشه واذا رأه في طريق او حاجة لم يفاتحه بذكر غرض من مصدره ومورده ولا يسأله عنه فربما يثقل عليه ذكره وان لا يظن به ظن السوء ولا بأهله .
وقال عليه الصلاة والسلام (( ان الله قد حرم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه وان يظن به ظن السوء )) وقال عليه الصلاة والسلام (( اياكم والظن فأن الظن اكذب الحديث )) متفق عليه .
4-الحق الرابع :
من الواجب اتجاه الاخوة هو السكوت عن المكاره وتقتضي ايضا النطق بالمحاسب وانما تراد الاخوة ليستفاد منهم لا ليتخلص عن اذاهم , فعليه ان يتودد اليه بلسان ويتفقده في احواله فينبغي ان يظهر له السرور في مسرته فذلك معنى الاخوة المساهمة في السراء والضراء .
وقال عليه الصلاة والسلام (( اذا احب احدكم اخاه فاليخبره )) فان عرف انك تحبه احبك بالطبع لا محاله والتحابب بين المؤمنين مطلوب شرعا ومحبوب في الدين وقال عليه الصلاة والسلام (( تهادوا تحابوا )) , ومن ذلك ان تدعوه باحب اسمائه اليه في غيبته وحصوره قال سيدنا عمر رضي الله عنه ثلاث يضعفن ود اخك اليك : ان تسلم عليه اذا لقيته اولا وتوسع له في المجلس , وتدعوه بأحب اسمائه اليه . وان تثني عليه بكل الصفات التي
فيه وجميع ما يفرحه ولا تذكره في غيبته الا كما تحب ان تذكر انت في غيبتك , وقد نظر ابو الدرداء الى ثورين يحرثان في فدان فوقف احداهما يحك جسمه . فوقف الاخر فبكى ابو الدرداء وقال هكذا الاخوان في الله , يعملان لله فاذا وقف احدهما وافقه الاخر وبالموافقة يتم الاخلاص . والاخلاص استواء في الغيب والشهادة واللسان والقلب والسر والعلانية والجماع والخلوة ومن لم يقدر على ذلك فالانقطاع والعزلة اولى به لان حق الاخوة والمصاحبة ثقيل لا يطيقه الا محقق .
وقال عليه الصلاة والسلام (( أبا هر أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما واحسن مصاحبة من صاحبك تكن مؤمنا )) .
وان تخلص له النصيحة في كل عمل يستحق ذلك وان تبين له مساوئ ذلك العمل ويكون سرا وقال عليه الصلاة والسلام (( المؤمن مرأة المؤمن )).
5-الحق الخامس :
العفو عن الزلات والهفوات وهفوة الصديق لا تخلو من تكون في دينه او تقصيره في الاخوة فعليك التلطف في نصحه بما يقوم وضعه ويجمع شمله ويعيده الى الصلاح والورع وقد اختلف الصحابة والتابعين في ادامة حق المودة او المقاطعة .
فذهب ابو ذر رضي الله عنه الى الانقطاع فقال اذا انقلب اخوك عما كان عليه فابغضه من حيث احببته ورأى ذلك من المحب والبغض في الله .
وقال ابو الدرداء اذا تغير اخوك فلا تدعه لاجل ذلك فان اخاك يعوج مرة ويستقيم اخرى وقال غيره في مثل ذلك ولا تكن عونا للشيطان على اخيك .
فان التلطف بالنصيحة والارشاد هو اثوب واصوب لتصليح الخطأ .
وان اعتذر اليك اخوك كاذبا او صادقا فاقبل عذره وقال عليه الصلاة والسلام (( من اعتذر اليه اخوه فلم يقبل عذره فعليه مثل اثم صاحب المكس ))
وقال عليه الصلاة والسلام (( المؤمن سريع الغضب سريع الرضا ))
6-الحق السادس :الدعاء للاخ في حياته وبعد مماته بكل مايحبه لنفسه ولاهله وكل مايتعلق به وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( اذا دعا الرجل لاخيه في ظهر الغيب قال الملك ولك ذلك ) وقال عليه الصلاة والسلام (( دعوة الرجل لاخيه في ظهر الغيب لاترد ))
7-الحق السابع :
الوفاء والاخلاص ومعنى الوفاء والثبات على الحب وادامته الى الموت وبعد الموت مع اولاده واصدقائه فأن الحب يراد للاخرة وقال عليه الصلاة والسلام في السبعة الذين يظلهم الله في ظله (( رجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه )) وروي انه صلى الله عليه وسلم اكرم عجوزا وقلت عليه فقيل له في ذلك فقال (( انها كانت تأتينا ايام خديجة وان كرم العهد من الدين )) فمن الوفاء للاخ مراعاة جميع اصدقائه واقاربه والمتعلقين به ومهما انقطع الوفاء بدوام المحبة شمت به الشيطان ومن الوفاء ان لايتغير في التواضع مع اخيه وان ارتفع شأنه واتسعت ولايته وعظم جاهه وان لايتغيرعلى اخوانه اذا ما علت مرتبته وان تغير فعليه المفارقة .
8-الحق الثامن :
التخفيف وترك التكلف والتكليف وذلك بأن لايكلف اخاه ما يشق عليه بل يروح سره من مهماته وحاجاته ولايكلف التواضع له والتفقد لاحواله والقيام بحقوقه ولايفقد من محبته الا لله تعالا وقال الجنيد :ما توافا اثنان في الله فاستوحش احدهما من صاحبه او احتشم لا لعله في احدهما وقال علي رضى الله عنه: شر الاصدقاء من التكلف لك و قال الفضيل :انما تقاطع الناس بألتكليف واعلم ان الناس ثلاث: رجل تنتفع بصحبته ورجل لاتنتفع به .ورجل لاتقدر ايضا على ان تنفق وتتضرر به وهو الاحمق او سيئ الخلق فهذا ينبغي انه تتجنبه