ايهما اعظم واشمل الحب ام الرحمه ؟؟؟؟؟
بين الحب والرحمة عموم وخصوص من وجه، وهو أن الحب أعم من الرحمة ويشتملها بطبيعة الحال والحياة، أما الرحمة فهي أخص من الحب.
فمن الجلي الذي لا ينتطح فيه عنزان أن المحب يرحم محبه، وليس بالضرورة أن يحب الرجل من يرحم.
فقد يرق الرجل لحال عدوه المعسر، ويحاول إيسار حاله برغم كرهه له، بل لا أكون مبالغًا إذا قلت أننا المسلمون مأمورون برحمة حتى الحيوانات والتي لا نطالب بحبها بل برحمتها.
فقد جاءت الأوامر الإلهية والتحضيضات النبوية بالرحمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «دخلت امرأة النار في هرة …» الحديث.
وهي لعدم رحمتها بالحيوان دخلت النار.
والعكس، أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله غفر لبغيٍّ من بني إسرائيل سقت كلبًا .
فرحمتها للكلب أدخلتها الجنة ففيه حض على الرحمة للكلب وليس دعوة لحب الكلاب أو القطط.
وأيضا رحمة الأعداء موجودة في الإسلام؛ لأننا أمرنا في مواجهة أعدائنا ألَّا نقتل النساء إذا كن لا يحملن السلاح وألا نقتل الأطفال وألا نقتل المسنين والعجائز وليس بالضرورة أن نحبهم، بل نحن مأمورون ببغضهم ورحمتهم في نفس الوقت.
أما المحب فبالضرورة هو يرحم من يحب؛ لأنه محب، والحب مكتنف الرحمة بطبيعة حاله، وهو أعلى درجة منه فإذا أمرنا الله والرسول صلى الله عليه وسلم بحبِّ المؤمنين ليس بالضرورة بعدها أن يوصينا بالرحمة؛ لأن الحب مكتنف الرحمة، إذا أمرنا بالرحمة بعدها حتى إذا وجد من المؤمنين من لم أستطع حبه فإنني أعامله بالرحمة.
وقد قدم الله عز وجل المودة — وهي المحبة — على الرحمة فقال تعالى: {وجعل بينكم مودة ورحمة}
وهذه الآية في مقام الزواج وكأني بالآية تقول: إذا كنت تتزوج عن ووجدت المودة فهذا هو الأولى، ولا تحتاج بعد ذلك إلى الرحمة؛ لأن الرحمة مندمجه في الحب داخلة تحت ظلاله، أما إذا لم تحب ولم تجد المحبة تبقى الرحمة بينك وبين زوجك وهو أبقى أن يؤدم بينكما.
فإذا وجد الشاب من يحب فهو أولى له في الزواج وإذا لم يجد في نفسه الحب اختار لنفسه من تلائمه وتعامل معها بالرحمة، وقد تولد الرحمة بعد ذلك الحب وتكون البذرة التي تنتج الحب، وليس معنى هذا أن الرحمة هي الأصل، ولكن أقول أن الثمرة تحتوي على البذور التي من شأنها بعد ذلك تنتج الثمر!
كما أن هناك شيء مهم جدًا وجليٌّ جدًا لا ينكر إلا من باب: عنزة ولو طارت، وهو مثل يضرب للمكابرة والجدال مع اتضاح الأمر وبيان الحجة.
وهذا الشيء هو أن الحب مضاف إلى الله بطبيعته فليس للإنسان تدخل فيه إلا بتوجيه الأسباب أما وجوده فلله وحده، والرحمة بيد الإنسان يستطيع الإنسان أن يرحم وأن يترك الرحمة.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث له عندما تحدث عن عائشة أنه كان يقسم بينها وبين زوجاته في الليالي أما في المحبة فإنه لا يقدر، فقال: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك».
فقد أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ملكيةالحب إلى الله وليس إلى نفسه وإلا لصار النبي صلى الله عليه وسلم عاصيًا؛ لأنه يملك أن يقسم الحب بين عائشة وكافة نسائه بالسوية، ولكن هذا ما لا يملكه إلا الله عز وجل.
أما الرحمة فيحسنها كل الناس، ويستطيع كل الناس أن يرحم أو يترك الرحمة.
ولا يستدل في هذا المقام بقصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز عندما وجهت به إلى السجن برغم حبها له؛ فقد يقول قائل: أنها مع حبها الشديد له لم ترحمه وأمرت به إلى السجن والعذاب.
فالأول: أنها في ذلك المقام من فرط الحب ولاقت منه الرفض؛ لأنها اكتشفت محبوبًا آخر حبه في قلبه أشد وهو الله عز وجل، فانتقل مقام الحب إلى مقام الانتقام، أو هذا ما هيِّء لها في حالها هذه، وقد يخطئ بعض الناس بسبب سوء تصرفه وسوء عقله عمومًا أو في حال من الحالات وهذا لا يقاس عليه، ولا ترفض القاعدة لأجل هذا، فكم سمعنا عن آباء يقتلون أبنائهم فهل يجوز أن يحتج بهذا أن حب الوالد لولده ليست قاعدة وإنما هي أنماط مطردة؟!!!
أوقن أن الإجابة لا ، ولكن هي حالة من الحالات التي يتسمر فيها عقل هذا الشخص بعينه أو بسبب دخيل كالإدمان أو أي شيء خارج نطاق الطبيعة والفطرة الأصلية فلا ترد الفطرة الأصلية لهذا، وهو ما يعبر عنه بعض الأكاديميين بأنه الشذوذ الذي تثبت به القاعدة.
والثاني: أنها برغم رغبتها في الانتقام إلا أنها لم ترخي جانب الرحمة على الكلية لاكتناف الحب له، فهي تحب يوسف وتريده فلو قتل لضاع من بين يديها، فأرادت أن ترحمه فحاولت أن تخفف العقوبة من القتل إلى السجن ولا شك أن هذا جانب من الرحمة؛ لأنها خافت أن يقتله العزيز فهي اتهمته بأنه أراد بها سوءًا، وشكته إلى زوجها، ولم تنتظر منه رد الفعل على ذلك بل عجلت بـ {إلا أن يسجن أو عذاب أليم} فقد قال الله تعالى: {قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم} .
وكان الأولى لو أرادت الانتقام أن تقول: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا} وتقف، وتنتظر إجابة السؤال إلا أنها أرادت أن تستبقيه لأجل الحب فأردفت بـ {إلا أن يسجن أو عذاب أليم}
لأن الطبيعة الذكورية تحمل العزيز على قتله إذا اكتفت بالسؤال، ما جزاء من أراد بأهلك سوءا. فخافت أن تكون الإجابة أن يقتل، فوضعت العقاب في خيارين فقط السجن والعذاب وحذفت القتل من قانون العقوبات في هذه الجريمة، ولا شك أن هذا من باب الرحمة.
وأضيف نكتة أخرى: أنه لو لم تأخذ الغيرة العزيز لأنه رجل غيور، حتى لو استشعرت منه الدياثة فقد يأخذه غضب الملوك لأن عبدًا انتهك إحدى حرماته، كأن يكون قد عبث بعرشه والملوك يغارون على حماهم حتى ولو لم يغاروا على حريمهم.
بقلم الاستاذ أحمد المرشدي