الفرقة في حياة المسلمين
أيها الأحبة الفضلاء
الفرقة في حياة المسلمين وتاريخهم ، داء خبيث الجرثومة ، مشئوم البداية ، مقبوح الخواتيم ،
والسعي للخلاص منه واجب في عنق كل مخلص لله ورسوله وناصح لهذه الأمة حريص علي مستقبلها ،،
ونحن نعرف أن هناك خلافاً بين الأفكار والأحكام والمذاهب يشبه الخلاف الطبيعي القائم بين الألسنة والألوان ،
، وهذا خلاف لا يحذر ، ولا ينبغي أن يكون مصدر قلق ،،
بل هو من آيات الله الداعية إلي التأمل والإعجاب ، لا إلي القلق والاضطراب ،
إن الشاعر ينظر في صفحة الكون ، فينظم أبياتا من خياله ، وينظر إلي الحقل ليقرأ في سطور
النبات آيات الجمال ، ثم تسبح نفسه في خيال رقيق يصوغه في كلم أنيق ،،
علي حين ينظر علماء الطبيعة والحياة إلي الحقل نفسه ، فما يحس أحدهم شيئا مما قاله الشاعر،
إنه مشغول بالتربة وعناصرها ، والعيدان ومقدار ما حوت من ماء وألياف والثمار ومدى ما اختزنت من نشا وسكر ،،، الخ
إن الله رب العالمين خالف بين الملامح النفسية والفكرية للناس بقدر ما خالف بين ملامحهم البدنية وقواهم المادية
ولا شك أن هناك معاني عامة يشترك الكل في وعيها ، ولكن من العبث إنكار أثر التفاوت العقلي
والعاطفي في طبيعة الإدراك وأسلوبه
إن هذا واقع لا مفر من الاعتراف به ، ففي قضية الأسرى ببدر اختلفت أحكام الصحابة باختلاف
أمزجتهم حدة وهدوءاً ، وفي الصلاة ببني قريظة اختلفت أحكامهم بين وقوف عند ظاهر النص ، أو تمش مع فحوى الكلام ،
وكان هذا الاختلاف كله لا يحقر أصحابه ، ولا يحرجون به ، ونحن لا نخشى مثل هذا الاختلاف ولا نحاول منعه ،،، ولا نتتبع عثرات الناس فيه إذا عثروا ،،، بل نتعاون على بلوغ الحق قدر ما نفهم ونطيق ، والله حسبنا ،،
أما الخلاف الذي نبغض ، ونعوذ بالله من شروره ، ونهيب بكل تقي أن يطفئ ناره ،، فهو الخلاف
الذي يخالطه الهوى ، وتصحبه الشهوات ، وينفخ فيه الشيطان ،
ـــ وهو كما رأينا ـــ
ينشأ علي الدنيا ثم تلتمس له الأسباب والمسوغات من الدين ، لكي يكون خلافا إسلاميا لا شخصيا ؛؛ وربما نشأ هذا الخلاف دينيا في مهده ؛؛
ثم تتدخل الحزازات والشهوات فتوسع هوته ، وتضاعف شرته ، وترتب عليه من النتائج ما لا يجوز في دين ولا عقل ولا منطق
ولقد تأملت ما شجر بين المسلمين من أبناء الشعب الواحد من خلافات دامية ، فلم أر هنالك علة دينية محترمة تذكر لتبرير هذه المجازر ، واستبقاء هذه الفرقة ،
في يوم واحد يسقط ألاف القتلى ، يا ألله ؛؛ لم هذا الجبل المركوم من جماجم الضحايا ؟؟
إن هؤلاء القتلى الأبرياء الذين سقطوا من الفريقين سوف يحاسب عنهم نفر من الحكام الجائرين مع
بعض رجال الدين الذين حرضوا علي القتل بزعم الدين
، أمام الله رب العالمين لأن الله يقول ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن
كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين )
والغريب أن يختفي هذا النزاع السياسي وراء ثوب الدين ،،،
ما دخل الدين في هذه المعارك ؟ ولم هذه المعارك ؟؟
إنتم مسلمون إلهكم واحد ،،، ودينكم واحد ،،، وكتابكم واحد ،،، ورسولكم واحد
وهو أفضل الخلق عند كل المسلمين فلماذا لا نقتدي به صلي الله عليه وسلم أليس هو
القائل ( إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام ) ؟؟؟
أليس هو القائل ( أن دم المسلم أشد حرمة عند الله من هدم الكعبة ) ؟؟؟ فلماذا تقتتلون ؟؟
إن أصحاب المطامع لا يبالون في سبيل تمزيق الأمة الكبرى بإثارة نعرات لا تخدم الجماهير ، ولا
يصلح بها الدين ، ولا ينتفع بها العالم ، إنما هي ستار لمجادة شخصية وحماقة عنصرية ،
وتلك كلها ويلات تقع علي رؤوس الجماهير ، وتشقى بها قضايا الإيمان
عندما يصاب الجسم بسرطان الدم يقع بين الكرات البيضاء والحمراء نزاع عنيف فيلتهم بعضها بعضا
، ويأخذ الجسم طريقه السريع إلي القبر
وعندما تصاب الأمة بداء الفرقة يقع بأسها بينها ، ويتحول كل حزب إلي مكايدة الأخر وإيذائه ،
وينحدر الكيان كله إلي الموت ؛؛
فلا جرم أن معظم القربات عند الله تجنيب المسلمين هذه الكوارث، والتقريب بين أفرادهم وجماعاتهم ،
وإصلاح ذات بينهم ، حتى يلتقوا علي غاياتهم العظمى ، ويؤدوا في العالمين رسالة الإسلام
اللهم بلغت اللهم فاشهد
وصلي الله علي محمد وعلي أله وصحبه وسلم
|