قال تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } التوبة30
فمن هو العزير الذي قالت عنه اليهود بأنّه ابن الله ؟
من المعروف أن عزير من أنبياء بني ، وكان لم يبقى في بني إسرائيل من يحفظ التوراة فألهمه الله حفظها فسردها على بني إسرائيل.
وأخذ يعلمها ويجددها لهم ، فبدأ الناس يقبلون عليه وعلى هذا الدين من جديد ، وأحبوه حباً شديداً وقدّسوه للإعجاز الذي ظهر فيه ، حتى وصل تقديسهم له أن قالوا عنه أنه ابن الله .
واستمر انحراف اليهود بتقديس عزير واعتباره ابناً لله تعالى ولا زالوا يعتقدون بهذا إلى اليوم كما يعتقد النصارى أن المسيح ابن الله - وهذا من شركهم لعنهم الله ، { وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ }.
روي الطبري عن ابن عبّاس ما يلي :
- عن ابن عباس ، قوله: { وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ } وإنما قالوا: هو ابن الله من أجل أن عزيراً كان في أهل الكتاب وكانت التوراة عندهم يعملون بها ما شاء الله أن يعملوا ، ثم أضاعوها وعملوا بغير الحقّ ، وكان التابوت فيهم فلما رأى الله أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء ، رفع الله عنهم التابوت ، وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم ، وأرسل الله عليهم مرضاً ، فاستطلقت بطونهم ، حتى جعل الرجل يمشي كَبِدُه ، حتى نسوا التوراة ، ونسخت من صدورهم ، وفيهم عزير.
فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا بعدما نسخت التوراة من صدورهم ، وكان عزير قبل من علمائهم ، فدعا عزير الله وابتهل إليه أن يردّ إليه الذي نسخ من صدره من التوراة ، فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله ، نزل نور من الله فدخل جوفه ، فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة ، فأذن في قومه فقال : يا قوم قد آتاني الله التوراة ، وردّها إليّ فعلق يعلمهم ، فمكثوا ما شاء الله وهو يعلمهم. ثم إن التابوت نزل بعد ذلك، وبعد ذهابه منهم فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كانع زير يعلمهم ، فوجدوه مثله ، فقالوا : والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابنا لله.
وروى عن السّدي ما يلي :
{ وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ } : إنما قالت ذلك ، لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم ، وأخذوا التوراة ، وذهب علماؤهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال.
وكان عزير : غلاماً يتعبد في رءوس الجبال لا ينزل إلا يوم عيد ، فجعل الغلام يبكي ويقول : ربّ تركت بني إسرائيل بغير عالم فلم يزل يبكي حتى سقطت أشفار عينيه ، فنزل مرّة إلى العيد فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول : يا مطعماه ، ويا كاسياه فقال لها : ويحك ، من كان يطعمك ويكسوك ويسقيك وينفعك قبل هذا الرجل؟ قالت: الله ، قال: فإن الله حيّ لم يمت، قالت: يا عزير، فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: الله، قالت: فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خُصِم ولى مدبراً ، فدعته فقالت : ياعزير إذا أصبحت غداً فأت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه ، ثم اخرج فصلّ ركعتين ، فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه فلما أصبح ، انطلق عزير إلى ذلك النهر ، فاغتسل فيه ، ثم خرج فصلى ركعتين ، فجاءه الشيخ فقال : افتح فمك ففتح فمه ، فألقى فيه شيئاً كهيئة الجمرة العظيمة مجتمعاً كهيئة القوارير ثلاث مرار. فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة ، فقال : يا بني إسرائيل ، إني قد جئتكم بالتوراة.
فقالوا يا عزير ما كنت كذّاباً. فعمد فربط على كلّ أصبع له قلماً، وكتب بأصابعه كلها ، فكتب التوراة كلها ، فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير ، فاستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا دفنوها من التوراة في الجبال ، وكانت في خوابٍ مدفونة ، فعارضوها بتوراة عزير فوجدوها مثلها ، فقالوا: ما أعطاك الله هذا إلا أنك ابنه.
ولم يتبنّ الطبري موقفاً - - فقط اكتفى بذكر الروايتين
قال ابن عطيّة ملخصًا قول الطبري دون أن يتبنى قولاً في موضوع العزير ما يلي :
- وحكى الطبري وغيره أن بني إسرائيل أصابتهم فتن وبلاء وقيل مرض وأذهب الله عنهم التوراة في ذلك ونسوها ، وكان علماؤهم قد دفنوها أول ما أحسوا بذلك البلاء ، فلما طالت المدة فقدت التوراة جملة فحفظها الله عزيراً كرامة منه له، فقال لبني إسرائيل إن الله قد حفظني التوراة فجعلوا يدرسونها من عنده ، ثم إن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي مساوية لما كان عزير يدرس ، فضلوا عند ذلك وقالوا إن هذا لن يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله .
يتبـــــــــــــــــــــع :
وقال أبو السّعود متبنيّا في الموضوع ما يلي:
- وسببُ هذا القولِ أن اليهودَ قتلوا الأنبـياءَ بعد موسى عليه السلام فرفع الله تعالى عنهم التوراةَ ومحاها من قلوبهم ، فخرج عزيرٌ وهو غلامٌ يَسيح في الأرض فأتاه جبريلُ عليه السلام فقال له: أين تذهب ، قال: أطلبُ العلم فحفّظه التوراةَ فأملاها عليهم عن ظهر لسانه لا يخرِم حرفاً ، فقالوا : ماجمع الله التوراةَ في صدره وهو غلامٌ إلا أنه ابنُه.
وقال ابن عاشور متبنيّا أيضاً ما يلي :
- وعزير: اسم حَبر كبير من أحبار اليهود الذين كانوا في الأسر البابلي ، واسمه في العبرانية (عِزْرا) ــــ بكسر العين المهملة ــــ بن (سرايا) من سبط اللاويين ، كان حافظاً للتوراة. وقد تفضّل عليه (كورش) ملك فارس فأطلقه من الأسر ، وأطلق معه بني إسرائيل من الأسر الذي كان عليهم في بابل ، وأذنهم بالرجوع إلى أورشليم وبناء هيكلهم فيه ، وذلك في سنة 451 قبل المسيح ، فكان عزرا زعيم أحبار اليهود الذين رجعوا بقومهم إلى أورشليم وجدّدوا الهيكل وأعاد شريعة التوراة من حِفْظه ، فكان اليهود يعظّمون عِزرا إلى حدّ أن ادّعى عامّتهم أنّ عزرا ابن الله، غُلوا منهم في تقديسه، والذين وصفوه بذلك جماعة من أحبار اليهود في المدينة ، وتبعهم كثير من عامّتهم ، وأحسب أنّ الداعي لهم إلى هذا القول أن لا يكونوا أخلياء من نسبة أحد عظمائهم إلى بنوة الله تعالى مثل قول النصارى في المسيح كما قال متقدموهم :
{ اجعل لنا إلٰها كما لهم آلهة } الأعراف: 138.
قال بهذا القول فرقة من اليهود فألصق القول بهم جميعاً لأنّ سكوت الباقين عليه وعدم تغييره يلزمهم الموافقة عليه والرضا به ، وقد ذكر اسم عِزرا في الآية بصيغة التصغير ، فيحتمل أنّه لمّا عرّب عُرب بصيغة تشبه صيغة التصغير ، فيكون كذلك اسمه عند يهود المدينة ويحتمل أنّ تصغيره جرى على لسان يهود المدينة تحبيباً فيه .
ونقول ما يلي :
* رواية السدي يمكن تجاهلها ففيها ما فيها من عناصر الحبك والتأليف --
* رواية ابن عبّاس معقولة وقد تكون تلقاها عن المعصوم عليه الصلاة والسلام
* كلام ابن عاشور في الموضوع يعتمد فيه على ما ورد في كتب اليهود وهذه الجزئيّة من كلامه مرفوضة --
* ويمكن أن ننتقد تبنّي أبي السّعود للقول بأنّ العزير كان صبيّا جاءه جبريل بالتوراة -- فلا دليل على ذلك
* يُمكن أن نأخذ تلخيص ابن عطيّة كتفسير لموضوع العزير إذ قال :
[b]
"وحكى الطبري وغيره أن بني إسرائيل أصابتهم فتن وبلاء وقيل مرض وأذهب الله عنهم التوراة في ذلك ونسوها ، وكان علماؤهم قد دفنوها أول ما أحسوا بذلك البلاء ، فلما طالت المدة فقدت التوراة جملة فحفظها الله عزيراً كرامة منه له، فقال لبني إسرائيل إن الله قد حفظني التوراة فجعلوا يدرسونها من عنده ، ثم إن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي مساوية لما كان عزير يدرس ، فضلوا عند ذلك وقالوا إن هذا لن يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله "
على هذا فنحن نرى بأنّ التوراة رفعها الله من بين أيدي اليهود لسبب من الأسباب -- ثمّ أعطاها لعالم من علمائهم هو العزير -- فلما تلاها عليهم وعلمّهم إيّاها ضلّوا واعتبروه ابنا لله والعياذ بالله --
وهذا مثال بسيط على تعنتهم وإفسادهم على مرّ العصور --
فاستفيقوا يا نيام -- واعرفوهم على حقيقتهم
[/b]